مقدمة

الإهداء

الى شريكة حياتي ورفيقتي في مسيرتي زوجتي حنان التي لولا تضحياتها ووفائها وحكمتها لما تمكنت من تحقيق طموحي في خدمة الإنسانية.

 

مقدمة المؤلف

علِقت في ذاكرتي منذ الطفولة جملة مؤثرة كنت أشاهدها كلما وصلت إلى مدخل مدينة النجف الأشرف قادما من مدينتي الكوفة، خطت تلك الجُملةً على لوحة في واجهة ستوديو شيخ مصوري الفرات الأوسط المرحوم نوري الفلوجي، والجملة هي:

“الحياة فقاعة فصّورها قبل أن تنفجر”.

وقد أشارت الكاتبة غادة السمان في إحدى مقالاتها إلى تلك الجملة وتثبيت مصدرها للمصور الفلوجي.

الفقاعة بالنسبة لي هي حصاد العمر بما مرّ بي منذ الولادة وحتّى الساعة والتي إذا لم توثّق تلاشت واندثرت بمرور الأيام والشهور والسنين.

مثّل صديق لي وهو طبيب سويسري حياة الإنسان بموجة البحر التي تبدأ من سطح بحر هادئ ثم تتفاقم في الحجم فيكون لها شكلاً يمكن تصويره وتسري الموجة بسرعة يمكن قياسها وتستمر لمسافة ثم تخبو لتعود كما كانت جزءاً من عالم البحر الهادئ وكأنها لم تكن.

ولي في ذلك تصوير آخر للحياة حيث شبّهتُ حياة الإنسان بالعاصفة التي تبدأ من الهواء المحيط بنا والذي لا نحس بوجوده.  وبمرور الدقائق والساعات يصبح لها كيان وتسير بسرعة يمكن قياسها وكذلك تصويرها وفي حالاتها الشديدة تصبح إعصاراً يعطى له اسماً وبعد ذلك ينتهي ذلك ويعود كما كان هواء لا نحس بوجوده وكأن شيئاً لم يكن ويصبح الإعصار واسمه تاريخاً يذكر.

بدأت من سنٍ مبكرة أوثق ما أمكنني توثيقه من أحداث مرت علي وأحتفظ بصور ووثائق وقـُصاصات ورق مهمة بما أمكنني. استمر ديدني ذلك حتى الزمن القريب. وحينما بدأت بكتابة مسيرتي في الحياة والطب استثمرت تلك الصور والوثائق والقصاصات كي تضفي أجواءً ذات دلالة أشمل على الأحداث المرتبطة بها.  وعند دخول الحاسبة في حياتي في الثمانينيات بدأت بتصوير وخزن كلما احتفظت به عليها. 

توزعت المذكرات على عدة أجزاء شمل الجزء الأول منها: بداية الحياة، رحلة الطب والتخصص، العودة الى الوطن وممارسة الاختصاص. يضم الجزء الثاني حقول: الحياة الأكاديمية، النشاط العلمي، النشاط المهني والنشاط ما بعد الاحتلال. يقتصر الجزء الثالث على عملي وما قدمته كمستشار ثقافي في واشنطن. أما الجزء الرابع فيشمل نشاطي بعد التقاعد في استحداث منظمة توفيق غير الربحية لدعم التعليم والصحة في العراق وكذلك توثيق لنشاطات ثقافية عبر العقود الماضية من محاضرات وندوات وتذكر عدد من الراحلين بتأبينهم وأخيرا حقل ما جادت به بحقي قرائح الأساتذة والأصدقاء من شعر ونثر.

لم أقصد في مذكراتي أن تكون وثيقة تأريخية حيث إني لست من فرسان ذلك الميدان وإذا ما أشرت فيها إلى حدثٍ تأريخي أو سياسي أو اجتماعي فالهدف منه ربطه بالأحداث المحيطة به وليس ذكر تفاصيله. ومثال على ذلك تاريخ كلية طب بغداد حيث أن هناك العديد من المؤرخين والمتخصّصين ممن أغنَوا المكتبة التأريخية والطبّية بما يلبي طموحات الباحث المتعمق.

حينما بدأت بمسيرتي بوفاء الدَين الذي في عنقي للوطن العزيز والأهل الطيبين قدّمت كل ما في قُدرتي وطاقتي في مجالات عديدة. استمر ذلك العطاء في كلّ مراحل حياتي  داخل العراق وخارجه.

يهمني جداً أن يتعرف الشباب على تجربتي في الطب والحياة بتخطي ما جابهت من صعوبات منذ مرحلة المراهقة وما بعدها وتصميمي على عدم الاستسلام والتي آمل أن تسهم في تشجعيهم  للوصول إلى غايتهم المرسومة.

أملي أن تُخلِّد مذكراتي حُبّي للعراق واعتزازي بأهلي في الكوفة الحمراء، (سميت نسبة لرمالها) والعراقيين جميعاً في كل شِبر من أرضه وأن تكون معبرة عن صورة تمثل نمط الحياة التي عشتها وعاشها جيلنا وما تمتعنا به وما عانيناه في سبيل تحقيق المؤمّل.

أنا على يقين بأن ما وثقتُه ينطبق عليه ما قاله العماد الأصفهاني:

“ما كَتَبَ أحَدُهُم في يَومِهِ كِتاباً إلا قالَ في غَدِهِ، لوغُيّرَ هذا لَكانَ أَحسن ولَو زُيِّدَ ذاكَ لَكانَ يُستَحسن، ولَو قُدِّمَ هذا لكانَ أفضل، ولو تُرِكَ ذاكَ لَكانَ أجمل، وهذا مِن أعظَمِ العِبر، وهو دَليلٌ على استيلاءِ النّقْصِ على جُملَةِ البَشر”. 

أدعو الله العليّ القدير أن يمنحني القدرة على إنجاز هذا الكتاب بأجزائه الأربعة وعلى إصدار كتاب مختصر لمسيرتي في الطب والحياة والذي سيتضمن آرائي الشخصية، ومن الله التوفيق والسداد.