إن العماد الأساس في تقدم الدول المتحضرة هو الاستثمار في الإنسان ومن أهم مقومات الاستثمار هو التعليم العالي بالطاقات الهائلة لدى الأكاديميين من خبرة وبحوث. وهذه تأتي قبل شق الطرق وإنشاء الجسور وبناء المعامل وغيرها فالتعليم والبحث هما الاستثمار الحقيقي لتحقيق مستقبل أفضل. يعد البحث والمراكز البحثية ضرورة قومية في العالم المتقدم بحيث لا تخلو أية مؤسسة رسمية أو أهلية في تلك البلدان من وجود قسم للبحث والتطوير.
صعوبات البحث العلمي:
تحدثت في العام 2001 عن صعوبات البحوث العلمية في الدول النامية. فضلا عن تلك الصعوبات كانت هناك العراقيل في بلدنا بسبب الحصار الجائر وقلة موارد ومتطلبات البحث وصعوبة التواصل مع العالم الخارجي وعدم القدرة على النشر في المجلات المعتمدة. كان للجهود الاستثنائية التي بذلها زملاؤنا الأساتذة وأعزاؤنا طلبة الدراسات العليا في الحفاظ على مستوى البحوث والنشر بالرغم من الصعوبات قد أسهمت في الحفاظ على مستوى علمي جيد ولم يتأثر ذلك كثيرا.
البحث العلمي في الدول النامية والعراق من ضمنها، متخلف حسب تقديري لأسباب عديدة منها:
1.عدم كفاية الدعم السياسي
• قلة تقدير أهمية دور البحث في تطوير المجتمع
• عدم اعتبار البحث كاستثمار للتطور والازدهار
2.عدم كفاية الوسط البحثي:
• لا يحظى البحث بتقدير كامل من المسؤولين في الدولة والمجتمع ككل ولا حتى من بعض القيادات العلمية المتخصصة
• قلة الحوافز والمشجعات
• قلة رواتب الباحثين
• قلة التجهيزات في المختبرات البحثية
• قلة وسائل الاتصال العلمية والإلكترونية الحديثة
• قلة الارتباط الشبكي بين العلماء في داخل البلد وخارجه
• حصة الأسد من التخصيصات المالية تذهب الى الرواتب
3.عدم كفاية القيادة البحثية والإدارة والتنسيق:
• إقرار خطة البحوث بدون مشورة من ساهموا بدفع الأموال وكذلك لا تسترشد بحالة ومتطلبات البحث الأساسية
• عدم شفافية وكفاءة نظام مشاريع البحوث المقدمة
• عدم الاكتراث بأهمية الالتزام بالأخلاق البحثية والتقيد بها
• عدم استثمار نتائج البحوث للتخطيط للسياسات العامة
• عدم توفر نظام معلوماتية متكامل
4.الارتباط وفريق العمل:
• هنالك رغبة بالعمل الانفرادي وليس كعضو في فريق وكذلك عدم “التفاعل” مع المجتمع العلمي الكبير (الزراعي، التربوي، الاجتماعي، والاقتصادي)
• عدم الارتباط الإداري والتنسيق مع القطاعات الأخرى ما يجعل البحث متعثرا وغير قادر على إفادة المجتمع ككل.
5.القدرة البحثية:
• ضعف في القدرة وقلة عدد المجتمع البحثي من الباحثين والتقنيين
• هجرة الأدمغة
• عدم الرؤية الاستراتيجية بوضع خطة متوسطة وبعيدة المدى لتدريب الملاكات للتحديات المستقبلية
• ضعف قدرة الباحثين على القيادة والتقييم وتشخيص الأولويات
6.الأموال اللازمة:
• اقتراح تخصيص نسبة ثابته من إجمالي الإنتاج الوطني (2%) مثلا يصرف على البحث.
• الإعانات والهبات
• القدرة على مراقبة كيفية صرف الموارد المالية
الرأي: يقع الواجب والمسؤولية على الأستاذ والوزارة للقيام بما يجب لتخطي تلك الصعوبات وتهيئة الأجواء اللازمة للقيام بالبحوث الرصينة واستثمارها علميا واجتماعيا واقتصاديا وصحيا.
وزارة التعليم العالي وموقفها من البحث العلمي
بالرغم من أن تسمية الوزارة بـ “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي” فلا نرى أن للبحث العلمي الاهتمام والرعاية كما يوحي الاسم بالمناصفة. فلقد تركز اهتمام الوزارة على مر العصور على الجانب الأكاديمي والإداري وبالرغم من أهمية البحث العلمي واستثماره فلم يحظ بذات الاهتمام. أخذت الجامعات على عاتقها رعاية البحث العلمي منذ تأسيس جامعة بغداد. استحدثت في الوزارة عام 1970 مؤسسة البحث العلمي. تشكل بعد ذلك مجلس البحث العلمي عام 1980 ليرعى البحث العلمي في جميع الاختصاصات والقطاعات. ولكن تلك الجهود تبعثرت في العام 1989!! بقي الحال هكذا حتى العام 1996 حينما تم تشكيل هيئة غير متفرغة للبحث العلمي في الوزارة عام 1996 لتتولى مهمات تحديد الأهداف العامة والإطار العام لسياسة البحث العلمي في الوزارة. بعد ذلك استحدثت وزارة العلوم والتكنولوجيا ولكن دور هاتين المؤسستين محدودا في تطوير الثقافة البحثية في المجتمع الأكاديمي وخارجه بسبب الصعوبات التي مرت بالوطن بجميع أنواعها.
الكلية الطبية والبحث العلمي:
اهتمت كلية الطب بالبحث منذ إنشائها. ولقد ذكرت في فصل مسيرتي مع البحث العلمي بشأن ما وجدته حينما كنت طبيبا مقيما في الردهة السادسة في المستشفى الجمهوري التعليمي في العام 1968 من القناني العديدة التي كانت محشوة بأكباد الفئران التي كان الأستاذ الدكتور محمود الجليلي يبحث فيها في الأربعينيات. وهناك العديد من أساتذتنا الذين كانوا مولعين في البحث على الحيوانات ولكن كانت أغلب بحوثهم بحوثا سريرية تخص المريض.
مركز البحوث الطبية في كلية الطب
استحدث مركز للبحوث في كلية الطب في نهاية الستينيات وأشرف على أدارته وبكفاءة الأستاذ الدكتور أحمد الحلواني اختصاصي الصحة العامة والخبير في مرض الملاريا وهو من مصر الشقيقة. استلم إدارته بعد ذلك أساتذة أكفاء منهم الأستاذ الدكتور وليد خالد الهاشمي والأستاذ الدكتور عمر فخري. استمر المركز في أعماله حتى تم إغلاقه بعد زيارة لوزير التعليم العالي آنذاك الدكتور عبد الرزاق الهاشمي تم نقل الأساتذة خارجه ولم يكن واضحا للجميع الهدف العلمي من ذلك.
المجهر الالكتروني: بعد سنوات حصلت خطوة جيدة للأمام لمختبر التشريح في الكلية حيث تم نصب المجهر الالكتروني في موقع المركز والذي أحدث نقلة نوعية في مستوى البحوث الطبية التخصصية الدقيقة. كان المجهر في بدايته بإشراف الأستاذ الدكتور سعدي السامرائي ومن ثم أصبح تحت رعاية الأستاذ الدكتور محمود حياوي أستاذ التشريح. وقد كنت من ضمن من استخدم ذلك المجهر في بحوثنا المشتركة على زرع النخاع الشوكي. أنشئت في العام 2000 الوحدة البحثية للعلوم العصبية في الكلية.
بيت الحيوانات:
كان في الكلية بيت للحيوانات المختبرية بإدارة أستاذ كفء ومتعاون هو الدكتور سامي جرجيس. بالرغم من أن البيت كان متواضعا ولكن كان له الدور الكبير في تجهيز الأساتذة وطلبة الدراسات العليا بالحيوانات لتجاربهم. وكان هناك موظف مسؤول بدوام كامل فيه. اقتصر البيت على الحيوانات الصغيرة مثل الأرنب، الهامستر، خنزير غينيا والفأر. حافظ بيت الحيوانات على المستوى المطلوب من الناحية الصحية للحيوانات وتغذيتها وإذا ما دخلت في أروقته ترى الرعاية الكاملة للحيوانات.
كان موقع البيت في موقف السيارات في الساحة بين الكلية والمستشفى ولكنه هدم بعد ذلك وأعتقد أن ارضه أضيفت الى ساحة وقوف السيارات.