مجلات طبية بقيمة 27 مليون دولار:
تعتبر مؤسسة المعاهد الوطنية الصحية (National Institutes of Health – NIH) في باثزدا في ماريلاند (Bethesda, Maryland) بالولايات المتحدة من أهم المراكز الصحية في العالم وهي إحدى أرقى المصادر المهمة للتقدّم في مجال الطبّ السريري والبحثي في الولايات المتحدة والعالم. تضمّ المؤسسة ما يزيد على الخمس والعشرين معهداً ومركزاً منها المعهد الوطني للسرطان، المكتبة الطبّية الوطنية، وغيرهما. من تلك المعاهد معهد فوكارتي (Fogarty Institute) الذي يعد المنفذ الخارجي للمؤسسة إلى العالم، وعن طريقه تعطى المنح البحثية للباحثين خارج الولايات المتحدة. وللعلم فأنَّ ميزانية المؤسسة تزيد على الثلاثين مليار دولار سنوياً.
كان رئيس هذه المؤسسة الدكتور الجزائري العربي اختصاصي الأشعة الياس زرهوني للأعوام 2002 – 2008 .
كانت علاقتي وثيقة بالمؤسسة وخصوصاً معهد فوكارتي. اتّصلت بي عام 2008 المديرة الإدارية للمعهد لتخبرني بأنَّ هناك مجلات طبّية في مكتبة المؤسسة بما يزيد على 1200 عنوان وبقيمة تقديرية تصل إلى 27 مليون دولار تود المؤسسة أنْ تتبرع بها، وللعراق الأسبقية إن كنت أرغب في ذلك. والشرط كان أنْ نتحمّل أجور التعبئة والنقل. وعلمت بأنَّ تكلفة ذلك تصل إلى 150,000 (مائة وخمسون ألف) دولار. اتّصلت بإحدى منظمات المجتمع المدني الأمريكية (أي أر دي) حيث لدي معرفة وعلاقة وثيقة بتلك المنظمة فتمت موافقتهم على تحمل كلّ النفقات والقيام بما يتطلب لنقلها. تمّ الاتّصال والموافقة في نفس يوم العرض الذي قدمه معهد فوكارتي.
تمت الإجراءات وتعبئة المجلات في صناديق مفهرسة بلغ عددها 4500 صندوقاً. شحنت الصناديق بعشر شاحنات ضخمة (55 قدم). ولوجود فراغات في الشاحنات ولضمان عدم تلف المجلات فقد شحن معها ما يزيد على 400 كرسي مكتب مستعمل ولكن بحالة جيدة جداً لسد تلك الفراغات.
الشاحنات متوجهة إلى العراق: غادرت الشاحنات إلى العراق وعندها بدأت بالاتّصالات الرسمية وكان أولها وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور عبد ذياب وكان سروره بالغاً وطلبت منه أنْ تكون هذه نواة لمكتبة طبّية وطنية عراقية تكون تحت رعاية المجلس العراقي للاختصاصات الطبّية وتخدم العراق والمنطقة في المستقبل.
اتّصلت كذلك بمكتب رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وطلبت المساعدة لتحقيق ذلك كما اقترح السيد الوزير في حينها. واقترحت موقعاً للمكتبة وهو بناية في مجمع بنايات كلية الطبّ بخمس طبقات لم تشغل منها غير طبقتين فقط. تعود ملكية البناية لجامعة بغداد.
اتّصلت برئيس الجامعة الأستاذ الدكتور موسى الموسوي الذي رحب بالفكرة وتعهد بدعم المشروع.
وصول الشاحنات إلى العراق: وصلت الشاحنات واستلمتها الوزارة ولكن لم يوفر مكان لخزنها. تطوع د. موسى بحفظها في مخازن الجامعة مؤقتاً لحين تهيئة المكان.
كان مسؤولو المعاهد الصحية الأمريكية بانتظار الأخبار من الوزارة بتحقيق مشروع المكتبة الطبّية الوطنية العراقية كما اتفقت معهم. ولكن بمزيد من الأسف والألم لم يحدث أي شيء من ذلك. فخابت الآمال كما خابت من قبل ومن بعد. ذهب المشروع أدراج الرياح في الأوقات العصيبة التي كان الأطباء والعلماء العراقيون بحاجة ماسة لأي مصدر علمي.
الشاحنات والكراسي والكتب وأني لأشعر بالإحباط الشديد إذ كنت أتمنّى أنْ تخدم تلك المجلات المعروفة الواقع الطبّي في الوطن.ولو كانت قد أرسلت إلى بلد آخر من البلدان التي تقدّمت في حينها للحصول عليها ربما كان استثمارها مضموناً.