مناهج كلية الطب:

تمهيد:

إن المسؤلية تقع في الأساس على كليات الطب في الرؤية الواضحة  للتحديات المستقبلية التي ستواجه المجتمع من الناحية الصحية ووضع الخطط التي تحقق الاستجابة المعقولة لهذه التحديات. من أهم هذه الخطط تحديد مواصفات النظام الصحي المستقبلي وكيفية إعداد الطبيب المناسب لها.

يعرف التعليم الطبي بانه العلم والفن الذي يحقق تهيئة طبيب المستقبل للممارسة الطبية المثالية. وهذا يحتاج الى وضع برنامج متكامل يحقق تهيئة الطبيب لمسؤلياته وكذلك يحقق  له المردود المهني والمادي المقبول. لذا يجب على كليات الطب ان توسع من ارتباطاتها خارج المجال الطبي التعليمي  لتشمل المؤسسات الصحية والاجتماعية في سبيل تحقيق هذا الهدف. ومن أهم الركائز التي يعتمد عليها التطور الطبي هو تطور المناهج الدراسية والتدريب.

من المعلوم  ان الكلية الطبية العراقية في بغداد التي أنشئت عام 1927 هي “وليدة” كلية الطب في ادنبرة اسكتلندا بمناهجها وأسلوب تدريسها. كان مستوى الدراسة وسمعة الكلية لعقود عديدة في القمة على مستوى العالم. ولكن بمرور الزمن باتت مناهج الكلية بعيدة عن المسار العالمي بسبب الحروب والحصار وعدم التواصل بالبعثات والإيفادات إلى خارج العراق.

مبادرتي:

فكرتُ عام ٢٠٠٢ بطرح مبادرة مفاتحة عمادة كلية طب أدنبرة لحضور عميدها احتفالية العيد الماسي لتأسيس كلية طب بغداد. قمت بمفاتحة عميد كليتنا الدكتور خضر الجنابي الذي وافق على ذلك.أرسلت رسالة إلكترونية إلى عمادة كلية طب أدنبرة وبعد عدة مراسلات وتأخير بسبب صعوبة التواصل الالكتروني في العراق آنذاك، أشاروا علي أن أتصل مباشرة بعميد كلية طب أدنبرة مساعد رئيس الجامعة الاستاذ بيرد (C. Bird). تزامن ذلك الوقت مع الاحتفالية بالعيد الماسي لتأسيس كلية الطب لمرور خمسة وسبعين عاما على تأسيسها. كانت تلك مناسبة تاريخية استثمرتها فقدمت دعوة باسم العمادة أدعو فيها  الأستاذ بيرد ليشاركنا بتلك الاحتفالات. وفيما يلي صورة الرسالة التي وجهتها له.

الرسالة التي وجهتها إلى عميد كلية الطب في أدنبرة

ولكن بسبب الظروف السياسية السائدة في تلك الفترة لم يتحقق ذلك وكذلك لم يستمر التواصل مع الكلية في ادنبرة.

وكما سيذكر في مبادرات بعد الاحتلال لم أترك ذلك المشروع بل حصلت على دعم العميد الأستاذ الدكتور حكمت الشعرباف لإعادة التواصل مع كلية طب أدنبرة.

الارتقاء بالجامعات العراقية

يمكن تلخيص رؤيتي للارتقاء بالجامعات العراقية بما يلي:

الرؤية:

• تنظيم العمل إلى أقصى قدر لاستثماره بكل ما يمكن

• إشراك الأشخاص المعنيين داخل العراق وخارجه مباشرة

• وضع استراتيجية وطنية لتوحيد الجهود في مختلف الاختصاصات.

والهدف هو:

• وضع خطة متكاملة للعمل

• جمع المعنيين للقاءات مشتركة

• تجنب إهدار الوقت والجهود المتماثلة

• الاستفادة الكاملة من قاعدة البيانات

الخطوة الأولى:

• إنشاء هيئة مركزية عليا  تشترك فيها وزارات التعليم العالي والبحث العلمي، العلوم والتكنولوجيا، التربية، الصحة، الهجرة وغيرها.

الخطوة الثانية:

• التوأمة بين كل جامعة عراقية مع جامعة من الجامعات المرموقة في دول متطورة.

 الخطوة الثالثة:

• إنشاء لجان على مستوى الكليات لتشمل الكليات المتناظرة في كل الجامعات العراقية وعلى سبيل المثال؛ كليات  الطب، كليات الهندسة، كليات العلوم، كليات الفنون، الخ. وتعمل هذه اللجان على التعاون بينها وبين مثيلاتها من الكليات المتناظرة في العالم المتقدم.

الخطوة الرابعة:

• إنشاء لجان فرعية على مستوى الاقسام العلمية المتناظرة في كل الجامعات العراقية وعلى سبيل المثال؛ أقسام علم وظائف الأعضاء، أقسام الطاقة الشمسية، أقسام الجغرافيا، أقسام الفلسفة، أقسام الهندسة الكهربائية وما إلى ذلك. وتتواصل تلك الأقسام مع نظيراتها خارج العراق.

الخطوة الخامسة:

• تستحدث لجان فرعية أخرى وفقا للاحتياجات.

• يجب أن تعمل جميع الأنشطة ضمن إطار يضعه الاستراتيجيون في المؤسسات الرسمية العراقية ذات الصلة، أي وزارات التعليم العالي، والعلوم والتكنولوجيا، والمهاجرين، والتعليم، وغيرها فضلا عن أصحاب القرار السياسي وعلى رأسه المجلس النيابي وغيره.

مخطط يوضح فكرة تجمع الجامعات، الكليات والأقسام العلمية

مبادرات مكتبية

تحدثت في فصل سابق بخصوص مبادرتي في إعادة فتح وتطوير مكتبة مستشفى الجراحات التخصصية وكذلك إدخال المكتبة الالكترونية إلى مكتبة كلية طب جامعة بغداد.

الدعوة إلى “التزاوج العلمي” بين الاختصاصات

ذكرت في حقل الدراسات العليا بخصوص أهمية “التزاوج العلمي” بين الاختصاصات. وأعني بالاختصاصات كافة الاختصاصات في العلوم التطبيقية والصرفة وكذلك العلوم الإنسانية. أتذكر أن مصمم جامعة بغداد الأمريكي كروبيوص كان يعمل على أن يكون موقع قسم الهندسة المعمارية بالقرب من قسم التاريخ كي يتمازج الحديث مستثمراً القديم. فنرى أن مناهج الدراسة في الاقسام العلمية وبضمنها العلوم الطبية في الجامعات الغربية تتضمن دروساً في مواضيع انسانية كالفلسفة والتاريخ والفنون وغيرها. ينطلق ذلك من الإيمان بضرورة امتزاج العلوم لخلق متخصصين متفاعلين مع المجتمع ككل وليس في محيط اختصاصهم فقط. 

الهندسة الطبية

تطور الطب الحديث في كل مجالاته ليس بواسطة الأطباء فقط ولكن بجهود المهندسين والفيزيائين والكيمياوين وغيرهم. من خلال تلك الحقيقة بادرت بمحاولة فتح قناة عمل مشترك مع قسم الهندسة الكهربائية في الجامعة التكنولوجية وهي جامعة تطبيقية متطورة. أشرت إلى تلك الخطوة المهمة في فصل الدراسات العليا في أعلاه حيث كان الأمل أن تكون بداية لمشاريع عمل مشتركة بين اختصاصات متعددة.

مشروع الشبكة الوطنية للمعلومات   

  National Medical Informatics Network

قدمت هذه المبادرة في مؤتمر العولمة الذي أقيم في بيت الحكمة عام 2002.

تعتبر المعلوماتية والتوثيق من أهم عناصر ومقومات الحضارة والتقدم وبناء الاستراتيجيات.  والمعلوماتية في الطب تشمل الأدبيات الطبية المنشورة وتوثيق الخبرات الشخصية في العلم والتجربة والتطبيق. وكذلك كل ما تم الحصول عليه من معلومات بخصوص حالة المريض السريرية والمختبرية والعلاجية.

بسبب الصعوبات المالية والتقنية المعروفة لا يمكن توفير كل المعلوماتية المتوخاة للملاك الصحي والطبي في  أنحاء القطر كافة . فالكتب والدوريات والنشرات المستجدة في سيل دائم ومتزايد يصعب الحصول عليها وتوفيرها حتى إلى المراكز الطبية المرجعية. ولكن باستخدام منظومة الحاسبات وتوفير قواعد المعلومات الطبية والعلمية على الأقراص المكتنزة مثل “المدلاين” وغيرها تحقق التواصل العلمي والمهني بأحدث التطورات الطبية في العالم. وفي الوقت الحاضر حققت شبكة الإنترنت هذا التواصل العلمي الآني وبتفاصيل هائلة ليس لها حدود لكل مشترك.

أن توفير هذا الكم من قواعد البيانات يكون مكلفا إذا ما أريد توفيره في كل المراكز الطبية. ولكن باستحداث شبكة وطنية للمعلومات يمكننا أن نحقق أفضل الشمولية المعلوماتية وبأقل التكاليف. فبنصب محطة حاسبة   مركزية في المكتبة المرجعية الأولى في القطر ولتكن مثلا في الكلية الطبية الأم في باب المعظم، وتوفير حاسبات شخصية في الكليات الطبية الأخرى في العاصمة ومن ثم في المحافظات وكذلك المستشفيات التعليمية والمستشفيات كافة. تربط هذه جميعا بتلك المحطة المركزية وليس بالضرورة تأمين نسخ كاملة لكل ما هو مطلوب في كل هذه المراكز. وحرصا على الاستخدام الأمثل  للأموال المرصودة يمكن توزيع قواعد المعلومات هذه على المراكز كافة، فتتوفر قواعد متكاملة في القطر ولكن مجزأة بين المراكز. وعند توفر المبالغ اللازمة بعد ذلك يمكن تجهيز كل مركز بالقواعد كاملة.

وفي المستقبل المنظور ترقى الشبكة إلى مستوى الدخول في الإنترنت لتحقيق الفائدة القصوى. وهنا لن يعد المجهود الذي حققناه في الشبكة الوطنية ضائعا إذ انه حقق لنا الطفرة في تعاملنا مع الحاسب  وقواعد المعلومات  وكذلك يمكن إدخال خصوصياتنا الطبية الوطنية في الإنترنت لتوصيلها لمن يطلبها في مختلف بقاع العالم.

مشروع شبكة الطب عن بعد Telemedicine

قدمت هذه المبادرة في مؤتمر العولمة الذي أقيم في بيت الحكمة عام 2002 مما لاشك فيه بأن هذا الأفق الجديد قد اثبت أهميته وفائدته في العالم المتقدم، وحقق افضل الخدمات للمريض وحسن مستوى الأداء باستثمار الخبرات المتاحة على البعد في مراكز متقدمة في الحالات النادرة والمعقدة. فبالاتصال المباشر بين الطبيب و الشخص المعني في المركز المتقدم بات من الممكن إيصال كافة المعلومات الطبية والفحوصات المختبرية والصور الشعاعية وحتى اللقاء المباشر مع المريض عبر الشبكة للمساعدة في الوصول إلى العلاج الأنجع. ولكن هذه الخدمة العظيمة بارتباطنا مع المراكز العالمية لا تخلو من بعض النقاط السلبية إذا ما طبقت في مجتمعنا في الوقت الحاضر، فهي بالغة التكاليف، وبسبب فروق التوقيت واختلاف أيام العطل الأسبوعية بيننا وبين الدول المتقدمة المعنية لا نحصل على الكسب  الاقتصادي الأمثل لاستثمار هذه الخدمة، إلا في مراكز وطنية مركزية محدودة.وكذلك فأن الأولويات الآنية الصحية في مجتمعاتنا لا تستوجب حسب تقديري صرف المبالغ الطائلة على حالات نادرة أو بالغة الصعوبة في الوقت الذي يشكو أفراد شعبنا من مشاكل صحية ذات أولوية نسعى إلى إزالتها كليا. ولكن الفائدة يمكن أن تكون عظيمة جدا إذا ما فكرنا بإنشاء شبكة وطنية للطب عن بعد. وهذه الشبكة تقدم الخدمات الطبية التشخيصية والعلاجية للطبيب الذي يمارس الطب في مناطق لا تتوفر فيها ملاكات متخصصة، مثل الجراحة العصبية وأمراض القلب والعيون والجراحات التخصصية الاخرى وغيرها. ولتحقيق هذه الشبكة  لا نحتاج إلى أكثر من الاجهزة الحاسبية الأساسية وجهاز التصوير الحاسبي ووسائل الاتصال الهاتفية في المركز التخصصي والمناطق خارج المراكز التخصصية.  أو أن يكون الاتصال بتقنية اللاسلكية. وفي تلك المراكز البعيدة توفر أقراص ليزرية بمواضيع تخصصية علمية أو من نتاج الفكر القطري لمشاكل صحية محلية يستخدمها الطبيب في لحظة الحاجة لها. تتحقق بهذا خدمة المريض بعيداً عن المراكز التخصصية وكذلك تقدم خدمة للطبيب في تلك المناطق لمساعدته في اتخاذ القرار وتحسين خبرته المهنية. فمن المؤكد أن المريض والطبيب في الأطراف ليسا أقل أهمية للمجتمع من مثيليهما في العاصمة. وفي المستقبل يجب أن نطرق باب الارتباط بالمراكز العالمية المهمة للطب عن بعد ونسعى إلى استثماره لنستفيد ونفيد الآخرين في تلك المراكز وخارجها من الخبرة المتراكمة لدينا عن المشاكل الصحية المحلية والعامة.