مدينة سانت كاثارين (St. Catharines):
قررنا أن تكون إقامتنا في مدينة سانت كاثارين وهي تقع في ولاية أونتاريو. تبعد المدينة ما يقرب من العشرة كيلومترات عن شلالات نياغارا وعن مدينة تورونتو ما يزيد قليلاً على المئة كيلومتراً. كان اختيارنا لتلك المدينة بسبب الجامعة التي قبل فيها ولدي ياسر وهي جامعة برووك.
قررت أن أتفرغ للعائلة لاْعوضهم عما قصرت فيه في الماضي وأن أُقدِّم لهم ما لم أعطهم من قبل بسبب انغماسي في العمل المهني والعلمي والاجتماعي في العراق. بالرغم من حلاوة الحياة في كندا وهدوئها والأمان الذي يسود تبقى العين متجهة نحو الوطن الحبيب. وفي تلك السنة عملت جهدي لتقديم كل ما اسستطيع لخدمة المجتمع الطبي العراقي.
توثقت علاقاتي في المدينة بالعديد من سكانها لاسيما سكان شارعنا حيث قمت وعلى طريقتنا في العراق بدعوة كل الجيران لوجبة طعام خفيفة وكانت فاتحة علاقة تطورت ودامت مع عدد منهم.
تعرفت بعائلة عراقية كريمة من الموصل وهي عائلة الوكيل المسيحية التي هاجر والدهم في بداية الخمسينيات وله من الأولاد الذكور أربعة ومن الأناث اثنتان. عملوا في مجال بناء البيوت حيث بلغ عدد البيوت والشقق التي أقاموها ما يزيد على الخمسة آلاف وحدة سكنية. تتكون العائلة من إخوة أربعة يتحلون بالخلق العالي والفخر إنهم عراقيون. أطلقت البلدية أسماء بعض أفراد العائلة على أربعة شوارع من شوارعها. امتلك أفرادها عقارات عديدة كان أهمها فندق ومنتجع وايت أوكس (White Oaks) وهو من أضخم الفنادق في الولاية. كنا نتزاور عائلياً ونتحدث عن ذكريات عابقات عن العراق الذي يحبونه من الأعماق.
كذلك كنت استمتع بموعد حلاقة شعري عند الحلاق الايطالي الأصل “جو” حيث نقضي وقتاً طويلاً ممتعاً.
تواصلي مع المجتمع الطبي:
تواصلت مع المجتمع الطبي وكذلك مع بعض جراحي الدماغ وجراحي محجر العين في مقاطعة أونتاريو.
من أكثر الأطباء اللذين توثقت علاقتي بهم هو طبيب العائلة الدكتور برستون زولياني (Preston Zulliani) وأصبح من الاصدقاء المقربين وهو من خيرة أطباء العائلة في عموم كندا حيث يحمل شهادة الدكتوراه في طب الفضاء فضلا عن تخصصه الطبّي. وعلى الرغم من كونه طبيب عائلة إلا إنه انتخب لأعلى موقع طبّي في الولاية حيث أصبح رئيساً للكلية الملكية الكندية للأطباء والجراحين في ولاية أونتاريو لمدة سنتين.
وفي مجال جراحة محجر العين تعرفت على جراح العيون والمحجر جيمس أوستراريخر (James Austericher) في مدينة تورونتو التي تبعد بحدود الساعة. كنت ملازما له لعدة أشهر أحضر معه عملياته وعيادته ولقاءاته الطبّية ونناقش الحالات المهمة في ذلك المجال.
وكذلك قمت بزيارة مبرمجة إلى جامعة ويسترن أونتاريو في مدينة لندن في مقاطعة أونتاريو للقاء الأستاذ الدكتور فلاديميرهاجنسكي (Vladimir Hatchinski) رئيس قسم طب الأعصاب فيها والذي كان رئيس الاتحاد العالمي لطب الأعصاب في تلك المدة.
كانت تربطني به علاقة زمالة عام 1990 عن طريق أستاذي وصديقي لاحقا، الأستاذ الدكتور جارلس دريك (Charles Drake) أستاذ الجراحة العصبية في تلك الكلية والذي ترأس كلية الجراحين الأمريكية في حينه. وقد عملت معه لمدة في ذلك العام حين كنت موفدا من العراق. والتقينا ثانية في مؤتمر لجراحة الدماغ في القاهرة في منتصف التسعينيات. وللأسف الشديد توفي الدكتور جارلس بسرطان الرئة مبكرا.ً وبالمناسبة فقد خلفه إبنه جيمس في الاختصاص وأصبح رئيس قسم جراحة الدماغ في جامعة تورونتو.
المشاركة في مشروع بحث بخصوص زرع النخاع الشوكي:
خلال وجودي في كندا بلغني وجود مشروعٍ بحث جارٍ في جامعة ماكماستر الكندية في مدينة هاملتون بشأن زراعة النخاع الشوكي. كانت لدي رغبة بالاستمرار بالبحث الذي أنجزته مع زميلي الأستاذ الدكتور محمود حياوي أستاذ التشريح في كلية الطب جامعة بغداد ثم عميد كلية طب ثم رئيس جامعة صدام (النهرين) ومع الأستاذة الدكتورة نادية حنا التي كنت مشرفا عليها في دراسة الدكتوراه في كلية الطب البيطري.
عند الاتصال بقسم طب الأعصاب في الجامعة دعيت لأن أشاركهم في بحثهم الجاري في قسم العلوم العصبية في الجامعة. اتصلت بالأستاذ الدكتور مايكل راثبون (Michael Rathbone) رئيس قسم طب الأعصاب في جامعة ماكماستر التي تبعد عنا بحدود النصف ساعة. التقينا وتباحثنا بخصوص بحث زرع النخاع. أخبرني بأنه يقوم بمشروع واسع في ذلك المجال وبطريقة تختلف عن الطريقة التي استخدمتها مع زميلي الأستاذ الدكتور محمود حياوي قبل عقود. شجعني أن أعمل معه في البحث في ذلك المجال وكانت معه الدكتورة سوجي وكانت تجربة جديدة ولطيفة لي حيث اطلعت على منهج بحثي جديد لم أسمع عنه سابقا وهو استخدام الخلايا العصبية في جدار الأمعاء الدقيقة للفئران للزرع في حالات تلف النخاع الشوكي.
قارنت في أعماقي ما شاهدته من اهتمام بالتجارب على الحيوانات والمؤسسة الهائلة المتخصصة بذلك التي تشغل بناية كبيرة وفيها من الأجهزة والمعدات والرنين المغناطيسي وغير ذلك فضلا عن فيلق من العاملين في كل المستويات، وكذلك الدورات التدريبية التقنية والعلمية للباحثين والعاملين بحيث لايمكن أن تستلم أية مسؤولية في المختبرات إن لم تكن حصلت على شهادة بعد إكمال الدورة الخاصة. تذكرت بما كان في كليتنا في بغداد عندما كان لدينا بيت متواضع للحيوانات يشرف عليه أحد الأساتذة وفيه عامل يرعى جميع الحيوانات. وقد حدثت صدمة كبيرة لي ولزميلي الأستاذ الدكتور محمود حياوي عندما تم (التصرف) بحيوانات تجاربنا بدون علمنا.
نهاية المطاف في كندا:
اتصل بي متفضلا وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور سامي المظفر بخصوص تسلم موقع مستشار ثقافي وبدأت صفحة أخرى من الحياة.