العودة إلى العراق                                                           

الاستعداد للسفر: بدأت بحزم أمتعتي وكتبي وساعدني في ذلك الصديق العزيز الجراح المعروف رالف كستر وهو من جنوب أفريقيا الذي كان معي في دندي قبل مجيئه إلى ليدز. فكان وسيارته حاضرين عند الطلب بين سكني والمطار في ليدز. بالرغم من كوني أعزب وبدون لوازم بيتية، فقد احتجت لستة صناديق كبيرة لاحتواء كتبي وأوراقي ولوازمي.

سجادتان كبيرتان بدل منشفة!: وللطرافة أتذكّر أني ذهبت مع زميل طبيب ممن لم يرغبوا بالعودة إلى العراق في ذلك الحين لشراء مناشف “خاوليات” من محل قريب! ووجدنا هناك إعلاناً عن تنزيلات للسجاد الصيني اليدوي في ذلك المحل ولكن اكتشفنا أن وقت التنزيلات قد فات. شجعني الصديق على شراء واحدة لي والأخرى له لأحملها معي لأهله حيث علم بأنَّ أجور النقل مغطاة من الدولة. أقنعت البائع بعد جهد فقبل أن  ببيعنا بنفس سعر التنزيلات. وهكذا كان فقد دخلت لشراء مناشف وإذا بي أخرج من المحل ومعي سجادتان صينيتان بمساحة 12 متر مربّع وبقيمة 1200 باون للواحدة وبدون مناشف! أوصلت السجادتان إلى بغداد وسلمت سجادة صديقي إلى بيت أهله.  

مطار هيثرو “ثيفرو”!!: مما أثار استغرابي عندما شحنت أغراضي، التي وضعتها في ستة صناديق حديدية كبيرة حسب توصية من الآخرين، هو أن موظفي قسم الشحن في مطار مدينة ليدز أشاروا علي بالتأكد من إقفال الصناديق بصورة جيدة لأنها قد تتعرض للسرقة عند مرورها في مطار هيثرو. وقالوا أنّهم يسمون مطار هيثرو بمطار “ثيفرو” وهذه تورية تدلّ على مطار السرقة (Theifrow)!

شراء السيارة: حسب امتيازات قانون الكفاءات كان لي الحق في شراء سيارة ونقلها إلى العراق بدون الضرائب الجمركية. اخترت سيارة مرسيدس وكانت بسعر 2500 باون وقد استلمتها بعد عدة أسابيع في بغداد وكان طرازها E250 الوحيد في العراق حينئذ. ذكر لي أحد طلبة كلية بغداد الثانوية وهو ابن قريب لي بأنَّه حينما يصادف مرور حافلة المدرسة وسيارتي متوقفة في الشارع يتحول كلّ الطلبة في داخل الحافلة إلى الجهة التي فيها السيارة! للتطلع إليها!  

الوصول إلى العراق 

الوصول إلى بغداد: وصلت بغداد الحبيبة في يوم التاسع والعشرين من أيار (مايس) 1976. كان الأهل والأحباب في استقبالي وبعدها ذهبت إلى الكوفة للسلام على والدي ووالدتي. كانت فرحة الأهل والأقارب والأصدقاء وفرحتي غامرتين بعد تلك الغيبة الطويلة. كان الأمل في داخلي يتجسد بالخطط التي تمكنني من خدمة مجتمعي بما لدي من خبرة في مجال الطب وخارجه وفاءً لما في رقبتي من دين للأهل والوطن.

 بدأت بالمراجعات الرسمية حيث كان أولها مراجعة مقر هيئة رعاية مشروع عودة الكفاءات فالتقيت هناك بالوزير الدكتور عزت مصطفى رئيس اللجنة وزميلي الدكتور نزار الشابندر الذي كان يعمل معه. قدمت أوراقي وبعد الاطّلاع عليها تقرر تعييني في جامعة بغداد.

كتاب التعيين في جامعة بغداد الصادر عن هيئة رعاية أصحاب الكفاءات

التعيين في بعقوبة!:

 تبين أن تعييني يجب أن يكون على ملاك وزارة الصحة أوّلاً، وكان تعييني في جامعة بغداد في الكتاب فقط وليس في التطبيق. راجعت الوزارة والتقيت بالوزير الدكتور رياض إبراهيم الحاج حسين. كان القرار الرسمي حينذاك يفرض أن يعين كافة الاختصاصيين العائدين في المحافظات خارج بغداد لمدّة سنتين ومن ثمّ يعودون إلى بغداد إن رغبوا في ذلك. عرض علي الدكتور رياض بأن أذهب إلى بعقوبة وهي أقرب محافظة إلى بغداد. وحينما بينت للوزير نبذة عن سيرتي العلمية وقدمت له الوثائق والتوصيات من أساتذتي في بريطانيا تأنى بالقرار النهائي ووعد خيراً على أن أراجعه بعد أيام.

التعيين في بغداد من مجلس قيادة الثورة:

عند مراجعتي إلى الوزير ثانية تبين أنه أرسل كتاباً إلى مجلس قيادة الثورة يطلب فيه استثنائي من قرار الذهاب إلى المحافظات. وافق المجلس على اقتراحه وتم تعييني في بغداد في مستشفى جراحة الجملة العصبية ورجعياً من تاريخ وصولي إلى العراق في 29/5/1976  وللوزير الدكتور رياض الفضل الكبير في ذلك.

الأمر الوزاري بالتعيين في مستشفى جراحة الجملة العصبية في بغداد معطوفاً على كتاب مجلس قيادة الثورة

في ذلك الزمن لا يتم تعيين أي موظف إلا بموافقة مجلس الخدمة العام. لذا فقد أرسل الكتاب الصادر من الوزارة مصحوباً بكتاب من النقابة إلى مجلس الخدمة حيث أقر المجلس تعييني في مستشفى جراحة الجملة العصبية.

كتاب نقابة الاطباء إلى مجلس الخدمة 1976 لإعادة التعيين

إعادة الألف دينار لضمان السفر للعام 1971: بما أن سفرتي إلى خارج العراق في العام 1971 كان إجازة اعتيادية لشهر واحد فقط كان المطلوب في مثل تلك الحالات أن يقدم الطبيب ضماناً مالياً إلى الدولة (وزارة الصحة) بمقدار ألف (1000) دينار يضمن عودته. يُصادر ذلك الضمان لصالح الدولة في حالة عدم العودة. ونتيجةً لعدم عودتي بعد الإجازة فقد اعتبرت مستقيلاً وبناءً على ذلك فقد قامت الوزارة بسحب مبلغ الضمان. وبسبب شمولي بقانون رعاية الكفاءات الذي يمنح امتيازات متعددة كان منها اعتبار  كلّ فترة غيابه خدمة فعلية فقد قدمت كتاب شمولي وتعييني الصادر من لجنة رعاية الكفاءات إلى وزارة الصحة طالباً إعادة المبلغ، وبعد فترة أعادت الوزارة المبلغ كاملاً.