الحرب قادمة:

حينما قرر رئيس الولايات المتحدة جورج بوش احتلال العراق وتبين أنَّ بوادر الحرب قد أخذت طابع الجد والحتمية، غادرت العراق مع العائلة إلى دبي في 8 شباط عام 2003 في أواخر الإجازة الربيعية الدراسية وبقيت مع إخوتي الذين يسكنون هناك. انتهت العطلة الربيعية يوم 14 شباط ولم تكن العودة منطقية مع ما سيحدث فقررت البقاء مع العائلة في دبي لحين توضح الحالة.

قررت عمادة كلية الطب اعتباري مستقيلاً من الكلية وكذا كانت ابنتي الطالبة في المرحلة الخامسة في الكلية ذاتها راسبة بعذر الغياب، بسبب عدم عودتنا الى العراق بعد انتهاء العطلة الربيعية. لم أعبأ بذلك القرار الذي كنت واثقاً بأنّه مؤقتً وأنّ عودتي للوطن حتمية حيث أن هناك في الأفق عراقاً جديد وكان قلبي وروحي في العراق ومع العراق وفي كلّ لحظة من لحظات الليل والنهار.

في خضم تلك الأحداث الهائلة والموجعة عند الهجوم على العراق وبعد سقوط النظام كنت ألتقي في دبي وأبو ظبي بالعديد من الأُخوة العراقيين ونتجاذب أطراف الحديث بشأن ما يحدث لأهلنا وبما سيؤول إليه العراق. وبعد ثبوت انهيار النظام كنا نتحدث عن ضرورة مساهمة الجميع في سبيل تحقيق أهداف كلّ الخيرين من أبناء الشعب في إعلاء شأن الوطن في كلّ مجالات الحياة وإعطاء فرصة العيش بسلام وبحرية وتحقيق العدالة والتقدّم لجميع المواطنين وبدون استثناء.

كنت أتداول  مع بعض الأخوة الأكاديميين بخصوص أفضل ما نساهم به نحن الذين نعد من النخبة. استقر الرأي على عودتي إلى الوطن في نهاية الشهر الخامس وهناك أساهم في خدمته بما يمكن مع أقراني. واتفقنا على أنَّ ذلك يتطلب الابتعاد عن المسؤولية الحكومية وحرية الحركة ومحاولة جمع الخيرين من كلّ الأطياف ضمن جمعية غير حزبية وغير حكومية لا ترتبط بأية كتلة سياسية ويكون هدفها خدمة العراق خدمة خالصة. وكنا مؤمنين بأنَّ أي منصب حكومي في تلك الحقبة لن يدوم بينما سيبقى عمل الجمعية مؤثراً في المجتمع إذا ما كتب لها النجاح لعدم ارتباطها الرسمي بالدولة.

استشهاد الجراح الاختصاصي جعفر النقيب:

حينما كنت في الإمارات العربية وعند متابعتي المستمرة لأخبار الوطن بلغني استشهاد صديقي وزميلي الأستاذ الدكتور جعفر النقيب اختصاصي الجراحة العصبية.

حدث ذلك بسبب غياب الأمن ودخول مجرمين عليه في بيته مساء فأطلقوا النار عليه وعلى زوجته. أودت الإصابة بحياته أما زوجته فقد نقلت إلى المستشفى حيث أجري لها العلاج الطارئ وأنقذت حياتها. لم أنم ليلتها  فلقد كانت الخسارة الشخصية كبيرة وكذلك خسارة المجتمع الطبّي والمجتمع العراقي كله. لم يكن باستطاعتي وأنا في الإمارات أن أوفي حقه بما تستحق ذكراه. قررت بعد أيام الكتابة إلى شخصين يعدان المسؤولان عن قتله وهما رئيس الولايات المتحدة جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير.

الأستاذ الدكتور جعفر النقيب

رسالتان إلى الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء توني بلير: كتبت رسالتين شخصيتين لهما متشابهتين في الفحوى وتختلفان بالتفاصيل. أرسلت الرسالتين  بالبريد المسجل من دبي.

نشرت المجلة الطبّية البريطانية (British Medical Journal BMJ) رسالتي إلى رئيس الوزراء توني بلير تحت عنوان: “رسالة مفتوحة إلى السيد بلير- رئيس الوزراء.

الرسالة التي أرسلتها إلى رئيس الوزراء توني بلير والمنشورة في المجلة الطبّية البريطانية
الرسالة التي وجهتها إلى رئيس الولايات المتحدة جورج بوش

كان ما ذكرته في الرسالتين أن قوات الاحتلال تعتبر مسؤولة عن استشهاد زميلي الدكتور جعفر النقيب حيث إن تلك القوات المسلحة المحتلة هي المسؤولة عن حماية المواطنين العراقيين. تلقيت إجابة من رئيس الوزراء بلير عن طريق سكرتيرته الشخصية يظهر فيها أسفه لفقدان الدكتور جعفر وحملني رسالة تعزية إلى عائلته. أما الرئيس بوش فقد استلمت من مكتبه رسالة إشعار باستلام رسالتي فقط وبدون تعليق.

رسالتي الى رئيس الوزراء توني بلير ردأ على رسالته الإجابية