الدراسة الاعدادية
الدراسة في ثانوية النجف:
لم تكن في الكوفة مدرسة إعدادية في زمني فكان علي أن ألتحق بثانوية النجف. فكنت مع زملاء لي نركب الحافلة “المصلحة” يومياً للوصول إلى المدرسة. وكانت مصلحة نقل الركاب قد بدأت الخدمة بسياراتها المرسيدس الجديدة المبهرة في ذلك الوقت ربما في سنة 1957.
كانت طالبات الكوفة يذهبن إلى النجف لعدم وجود مدرسة متوسطة للبنات في الكوفة. كان عددهن لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة.
تم في العام 1958 تسيير حافلات مصلحة نقل الركاب الحكومية لنقل المسافرين بين الكوفة والنجف. يعمل في داخل الباص الجباة الذين يجبون الأجور من الركاب، وهناك المفتش الذي يفاجئ الجابي والركاب حين يوقف الحافلة في أي مكان على مساره ويستقلها للتأكد من سلامة اداء الجباة وعدم وجود من لم يدفع أجرة الركوب. وبسبب تمادي المفتشين بالضغط على الجباة في دقة أداء الواجب وحسب ما يراه الجباة فكانوا يكتبوا في أماكن عامة: “الحياة لنا نحن الجباة والموت للمفتشين الطغاة”. وهي تحوير لما كان سائداً في ذلك الزمن الصاخب سياسياً: “الحياة لنا نحن الأباة.. والموت للمجرمين الطغاة”.
الرابع التجاري:
دخلت الفرع التجاري كسير القلب حزين النفس لأن هذا سيبعدني عن هدفي المرسوم في أن أكون طبيباً. ولكني كنت مليئاً بالأمل والعمل لمستقبلي المرسوم في الطبّ وليس غير الطبّ. كان هدفي أن أتقدم لأعيد نفس الامتحان ثانية كطالب خارجي.
بدأت الدراسة في الرابع التجاري وكانت سنة تغيرت فيها المناهج المقررة للفرع التجاري حيث توسعت وتطورت فكانت خمسة دروس باللغة الإنكليزية هي: اللغة الإنكليزية، طرق التجارة (على ما أتذكر كان الكتاب من تأليف علي عثمان زناتي)، القانون التجاري، المحاسبة والطابعة. وبطبيعة الحال تتكرر هذه الدروس باللغة العربية التي تشمل الدروس نفسها المذكورة مضافا إليها اللغة العربية واللغة الإنكليزية والفن والرياضة.
ولما كنت من المحبين للغة الإنكليزية فقد تميزت بالدروس التي تدرس بها وانعكس ذلك على بقية الدروس.
المدرسون:
كان مدير المدرسة الثانوية حسن الدجيلي ومعاونه مكي معلة، ومن المعلمين إبراهيم إسماعيل، علي الصراف، كاظم الدباغ وآخرين.
إبراهيم إسماعيل: من الأساتذة المرموقين في تك المرحلة، كان إبراهيم إسماعيل من أهالي بغداد، طويل القامة سريع الخطى مليئا بالنشاط. درّسنا مواد المحاسبة وطرق التجارة والطابعة وباللغتين لكل تلك المواد. أصبحت لي بسبب تفوقي باللغة والعلوم حظوة خاصة لديه وكان ممن تركوا بصماتهم على مسيرتي في الحياة.
الأستاذ علي الصراف: كان يدرّس مادة القانون التجاري في كلية التجارة في بغداد ولكنه نقل إلى ثانويتنا ربما كانت عقوبة له لأسباب نجهلها. كان تدريسه شيقاً وبمستوى لا يقارن بالآخرين (باستثناء ابراهيم اسماعيل) حيث كان درسه على مستوى أكاديمي لم نعهده من قبل. كان بعد أن يكمل المادة المطلوبة يخرج بمناقشاته إلى آفاق أوسع من اجتماعية إلى علمية إلى تاريخية فيتحدث عن خبرته حينما كان في القاهرة يدرس لنيل شهادة الدكتوراه، والتي كانت مليئة بالأحداث الممتعة والمريبة أحيانا! يقص علينا مغامرات تجار المخدرات وأساليبهم الذكية في التمويه على حرس الحدود لتمرير شحنات المخدرات عبر الحدود بدون تفتيش.
أستاذ اللغة الإنكليزية: من الأساتذة الاخرين المرموقين كان أستاذ اللغة الإنكليزية كاظم الدباغ القصير القامة بدنياً و”طويل” القامة العلمية. كان ممن أثّر بي كثيراً بقدرته اللغوية وحبه لتطوير كفاءة طلبته على الدوام. وكان قد ألف كتاباً مساعداً للطلبة في اللغة الإنكليزية، وقد أعطاني نسخة منه لمراجعته. سهرت في تلك الليلة حتى الصباح أراجع نسختي فوجدت عدداً من الأغلاط المطبعية سطرتها بقائمة مبوبة وقدمتها له وكلي خوف من عدم الرضا. ولكن كان رد فعله أن ثمّن ما قمت به، وقد أثمرت تلك الحركة علاقة متينة بيننا.
النشاطات الطلابية:
أقامت المدرسة الثانوية حفلاً مسرحياً كبيراً لا أتذكر اسم المسرحية أو أية تفاصيل أخرى سوى دوري في المسرحية الذي كان دور موظف بسيط قمت به وظهرت على المسرح لأقل من دقيقة أتوجه فيها نحو صندوق وضع على منضدة وأجلب منه ملفاً وأغادر المسرح!
أقيمت نشاطات مهمة فنية أخرى للمدرسة في مقدمتها الرسم الذي كان للزميل معطي جبر قصب السبق فيها فكان عرض لوحاته الفنية فخراً للإدارة والطلبة والمدينة.
من الزملاء الذين أذكرهم وأعتز بذكراهم في تلك المرحلة: حميد خليفة المتميز بالأناقة حيث كان يترك جيوب سترته (الجاكيت) كما سلمّها له الخياط أي مغلقة بالخيط بحيث لا يمكنه أن يضع في داخلها أي شيء وهدفه أن لا يتهدل الجيب ويبقى ملتصقاً بالسترة!
وكان هناك أمير الحلو (الصحفي المشهور)، عبد الإله النصراوي (القيادي السياسي)، محسن حسوة، وموسى سوادي، محمّد حسين الطرفي، مهدي حلبوص، أحمد المظفر، راجح بلال وعبد الوهاب البغدادي، خليل المشهدي الذي أصبح محاسباً لأمانة العاصمة في بغداد لسنين عديدة، علاوي منصور وعلاوي كمونة. كان علاوي كمونة يتندر مع الأستاذ حسن رجيب الأكثر أناقة بين الجميع بأن يذكر سرواله من علامة أبو الخروفين وكانت أغلى ماركة في حينه.
النجاح بتفوق والامتحان الخارجي!:
بذلت مجهوداً كبيراً في تلك السنة لحبي للدروس والأساتذة ولكن الأهم أني عملت جاهداً لأحقق تفوقي في الصف وبرزت بين أقراني وحققت ما كنت قد خططت له فأعفيت من الامتحان النهائي حيث كان معدلي السنوي 87% في الوقت الذي كان المعدل الأدنى الذي يمنح الطالب حق الإعفاء هو 85%.
قدمت بدون تأخير للامتحان “التحضيري” البكالوريا للصف الثالث كطالب خارجي. كنت بذلك مخالفاً لآراء أهلي وأصحابي لما حققته في الفرع التجاري من تفوق وكان المنطق أن أستمر فيه وأحقق نجاحاً في المستقبل في ذلك المجال. ولكن بالرغم من صغر سني وقلة خبرتي في الحياة، لم أستمع لآراء الآخرين وحققت ما كان في نفسي وبدأت بالاستعداد للامتحان.
دخلت الامتحان التحضيري في مدرسة متوسطة الكوفة وحققت نجاحاً عالياً حيث كانت درجتي في الرياضيات 97% وفي الطبيعيات 93%. وبذا تأهلت للدخول إلى الصف الرابع الفرع العلمي فحمدت الله على تصحيح المسيرة.
الرابع العلمي:
دخلت الصف الرابع العلمي في ثانوية النجف بينما انتقل أقراني في التجاري إلى مرحلة الصف الخامس. لم يؤثر ذلك على نفسيتي وثقتي بنفسي مطلقاً حيث كان هدفي البعيد المدى هو مبعث الثقة والأمل.
بدأت الدراسة العلمية التي تختلف تماماً عما عهدته في الرابع التجاري فهناك الكيمياء والفيزياء والرياضيات وغيرها. مع انهماكنا في الدراسة والنشاط العلمي كان للنشاط الثقافي نصيب في حياتنا الدراسية.
أقيم مهرجان سنوي للمدرسة وكان على الطلبة تقديم فعاليات علمية متميزة يتنافس فيها طلبة الصفوف العلمية كافة. تم تقسيم صفنا إلى مجاميع صغيرة عليها أن تبدع بتقديم نتاجٍ علمي. قدمت مجموعتنا، بمساعدة الأساتذة وبعض الطلبة الآخرين وغيرهم، “صاروخاً” بطول عشرة إنجات من الصفيح يسير بمحرك كهربائي أخذناه من جهاز آخر. ثبت الصاروخ على سكة دائرية بقطر ثلاثة أقدام تقريباً ويدور بقوة محركه الكهربائي الذي يستمد كهربائيته من أسفل السكة لكونها موصولة بالتيار الكهربائي. عندما يدور الصاروخ تدور معه لوحة معدنية مخفية أسفل قاعدة السكة وفيها أسلاك عديدة متصلة بأضوية مرتبة على لوحة خشبية وضعت على المسرح مواجهة للمدعوين. فبمرور الصاروخ على الأسلاك التي وزعت بطريقة فنية تضاء الأضوية بتدرج بما يشبه لوحات الإعلانات التي تظهر فيها الأضوية وكأنها تدور وفي الواقع كانت ثابتة. وكان هذا العمل على بساطته مبهراً للجميع.
المدرسون:
أستاذ الكيمياء إبراهيم فضلي، أستاذ اللغة العربية يحيى الجواهري، أستاذ الفيزياء عباس الرواف، أستاذ الرياضيات جعفر السوداني، أستاذ الأحياء عبد الحسين عاتي، أستاذ الرياضة موسى العادلي، أستاذ الرسم عبد الوهاب شمسة وأخرون.
إبراهيم الفضلي:
كان الأستاذ إبراهيم الفضلي (أو فضلي) يلبس نظارة بعدسة سميكة ولم يكن ذلك مما يؤثر على أدائه المتميز في الصف أو المختبر. كان شعلة من الذكاء ويحب الاختلاط مع الطلبة خارج الصف. قدّم للحصول على بعثة لدراسة الدكتوراه خارج العراق (الاتحاد السوفيتي). كان من متطلبات القبول في البعثة نجاح المتقدم بفحص النظر الذي كان يقتصر على القدرة على قراءة لوحة الحروف. ولقد نجح بالفحص وكما علمنا، ليس بقدرته على قراءة الحروف ولكن بحفظها كاملة على الغيب فكان يردد الحروف جميعها كما حفظها واجتاز امتحان النظر! ولمحبة الجميع له أقام الأساتذة والطلبة حفلاً توديعياً تكريماً له قبل انفكاكه من المدرسة.
يحيى الجواهري: أما أستاذ اللغة العربية المعروف في الأوساط التعليمية والأدبية العامة في المجتمع يحيى الجواهري فكان يغلب عليه الجد وأحياناً يسبب ذلك له إشارات وتعليقات من الطلبة الذين لم يسلم من تعليقاتهم أحد!
جعفر السوداني: أستاذ الرياضيات المعروف جعفر السوداني كان أكثر الأساتذة نشاطاً في ميدان السياسة فقد كان عضواً بارزاً في حزب البعث العربي الاشتراكي. يبدو أنه كان المنسق بين القوى القومية في الحزب وحركة القوميين العرب.
عبد الوهاب شمسة: كان أستاذ الرسم عبد الوهاب شمسة فناناً بحقّ ويغلب على درسه طابع الفن الحقيقي. أتذكر حادثة لا تغيب عن خاطري وهي أنه عند محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في العام 1959 وإصابته بالطلقات النارية طلب منّا الأستاذ عبد الوهاب أن نرسم لوحة تعبر عن الحادثة. أطلق عنوان “اليد الأثيمة” على اللوحة المطلوبة. والمقصود بها اليد التي تطاولت على الزعيم عبد الكريم. أعجب الأستاذ عبد الوهاب بلوحتي التي كانت لوحة تخطيطية بسيطة ولكنها معبّرة وهي صورة لحمامة في عشّها وهي تزقّ من فمها طفلها الجائع، وإذا بصياد يوجه بندقيته نحو تلك الحمامة المسكينة!
موسى العادلي: أما الأستاذ موسى فكان وكأن جسمه قد فصّل لأن يكون أستاذ الرياضة، طويل القامة سريع الحركة مليئاً بالحيوية وكانت حركة الرياضة في المدرسة تحت اشرافه من أفضل ما موجود في المحافظة (اللواء). أسهمت في فريق الكرة الطائرة عند توفر الوقت ولم أكن عضواً أصيلاً في فريق المدرسة.
عبد الحسين عاتي: أستاذ البيولوجي قصير القامة ولكنه “طويل” في علمه الغزير ومليء بالنشاط في الدرس والمختبر.
عباس الرواف: أستاذ الفيزياء قصير القامة بنظارات طبية ملونة.
التيارات السياسية:
مرت سنتا الرابع والخامس العلمي وهي مليئة بالأحداث السياسية والتيارات المتلاطمة. فكانت الصراعات السياسية بعد ثورة 1958 قد أفرزت شرخاً في المجتمع بتكتّلات حزبية وفكرية تصارعت فيما بينها بالعنف وليس بالفكر مما سبب تدهوراً في النسيج الاجتماعي المتين الذي كنا عليه قبل ذلك.
انجرفنا نحن الطلبة بقوة في ذلك التيار وبدأ الانقسام بين قوى طلابية عروبية وقوى يسارية. كان الخط الذي سرت فيه هو الخط العروبي متأثراً بالصديق والجار عبد الوهاب البكاء الذي كان يكبرني سناً وكذلك زميلي في الدراسة في الكوفة صاحب رحيم الرماحي الذي أعدم شنقا بعد سنين لاتهامه ظلماً بقتل شرطي ونحن على يقين بأن صاحب لا يمكن له أن يقتل ذبابة، ولكنه العراق الذي لغته السياسية لا تعرف إلا العنف والتسقيط.
كنت معتدلاً جداً في علاقاتي أحب الجميع وأحصل بالمقابل على احترام الجميع. وبسبب ميولي العروبية وقوة هذا التيار في النجف والذي ضم كل الحركات العروبية من البعث والقوميين العرب وغيرهم توثقت علاقتي بتلك المجاميع وكان على رأسها الزميل أمير جواد الحلو وعبد الإله النصراوي وأستاذ الرياضيات جعفر السوداني. فكان الأول والثاني من قادة حركة القوميين العرب والأستاذ جعفر قيادي بعثي.
أقيمت انتخابات اتحاد الطلبة لعام 1959 فكان الاستقطاب السياسي على أشده بين العروبيين واليساريين. قرر التيار العروبي استحداث “الجبهة الطلابية الموحدة” التي تمثل العروبيين بمختلف انتماءاتهم. أما القائمة الأخرى أي قائمة اليسار فكان غالبيتها من الشيوعيين. وقبيل طرح الأسماء المرشحة سألت الأستاذ جعفر عمن سترشح الجبهة عن الصف الخامس فإذا بالمفاجأة حيث قال لي: اخترنا طالباً يحبه الطلبة ويحترموه وهو أنت. كانت تلك الجملة صدمة لي لأني لا أرغب في الانخراط بالنشاط السياسي البارز الذي يبعدني عن هدفي ومستقبلي. ولكن أصبحت الضغوط شديدة علي من العديد من الزملاء على أن أقبل بالترشيح وهكذا كان. فتم إعلان ترشيحي مقابل زميلي وصديقي سعيد زاغي مرشح اليسار. وكان هذا شيئاً مستغرباً من عدد من زملائي لأني كنت معروفا بالبعد عن العنف والصراعات حيث كان على الذي يرشح في ذلك الزمان الصاخب في تياراته السياسية أن يكون صاحب قدرات مجابهة سياسية وبدنية لخصومه ولم أكن الشخص المثالي لذلك. انتهت الانتخابات وفرزت الأصوات وتبين أن سعيد هو الفائز بالانتخاب بسبب قوة التيار اليساري وأصبح ممثلاً للمرحلة. تنفست الصعداء لأتخلص من التبعات المتوقعة لدى الفوز. قيل لي أن اسمي كان على قائمة “البسط” (الاعتداء بالضرب) والتي كانت لدى اليساريين وتشمل القائمة الاعتداء بالضرب على كلّ من يخالفهم في الانتماء السياسي. ولكن حسن علاقاتي بالجميع كفاني شرّ التعرض للاعتداء عليّ قبل وبعد الانتخابات.
النهاية:
أتممت مرحلة الدراسة الثانوية في نهاية العام الدراسي 1959/ 1960 عند اجتياز الامتحان النهائي (البكالوريا) وكان مجموع خريجي ثانوية النجف يملأ حافلة صغيرةً واحدة ذهبنا فيها إلى كربلاء لتصديق وثائقنا حيث كان قضاء النجف تابعاً للواء (محافظة) كربلاء في ذلك الوقت.
صدمة ثانية:
قدّمت لكلية الطبّ مباشرة حيث لم يكن في ذلك الوقت ما هو معروف بنظام القبول المركزي. عند ظهور نتائج القبول جاءتني الصدمة الثانية وهي إن مجموعي في الامتحان الوزاري كان يقلّ بدرجة واحدة عن آخر مجموع قُبل للدخول في كلية الطبّ. وإذا بي أخسر كلية الطبّ، كلية أحلامي. انهار أمامي طموح المستقبل الذي كنت قد رسمته لنفسي وكافحت في سبيله. ولكن عليّ أن أستمر فيما كتبه القدر لي وكما قيل:
على المرء أن يسعى بمقدار جهده ** وليس عليه أن يكون موفقا
كلية الهندسة:
كان عليّ أن أختار كلية غير كلية الطبّ لأقدم عليها. ولما كانت كلية الهندسة هي الخيار الأفضل في مجموعة الكليات العلمية، ذهبت مضطراً بدفع من المقربين وقدّمت أوراقي إلى قسم الكهرباء ودفعت أجور التسجيل وفوضت أمري إلى الله.
البشرى:
عند وجودي في الصف في أول محاضرة في كلية الهندسة وأنا مشوش الفكر تائه النظرات وإذا بأحد الطلبة بجواري، وقد كنت قد شرحت له في اليوم السابق قصتي مع الطبّ، يذكر لي بأنّ كلية الطبّ أعلنت في ذلك اليوم أنها بحاجة إلى عدد إضافي من الطلبة وقد فتح باب القبول ثانية.
شعرت عند سماعي ذلك الخبر بالأمل والفرج. وهنا لم أضيع لحظة واحدة فذهبت بلمح البصر راكضاً لاهثاً من باب المعظم حيث كلية الهندسة إلى كلية الطب التي تبعد ما يقرب نصف كيلومتر حاملا أوراقي ومتجهاً إلى دائرة تسجيل كلية الطبّ مباشرة. قابلت الأستاذ الدكتور علي غالب ياسين المسجل العام في الكلية في ذلك الحين. تسلم الأستاذ علي غالب أوراقي وقبلت في الصف الأول.
لم أنم ليلتها إلى الصباح من شدة فرحتي وكنت لا أكاد أصدق ما حصل ولم تغب تلك اللحظات وذلك اللقاء وابتسامة الأستاذ علي من مخيلتي.
وهكذا بدأت رحلة الطبّ…