آل الخليلي

مقدمة

 تنحدرُ أُسرتنا الخليلية من أرومة علمية عريقة مرَّ على وجودها في مدينة النجف الأشرف ما يزيد على القرنين من الزمن، وعُرفت بنبوغ الكثير من أعلامها الذين كانوا من قادة الحوزة الدينية والمرجعية العليا، أو اشتُهروا  بتضلعِهم في علوم الطب والصيدلة، أو ممارسة التجارة والمهن المختلفة المعروفة في المدينة، وقد خصَّها المؤرخون وأصحاب السِيَر والتراجم بالذِكْرِ الطيِّبِ، ومن أبرز المؤرخين الذين أفاضوا في ذلك، الشيخ جعفر بن الشيخ باقر محبوبة (1314-1377هـ) في كتابه الشهير (ماضي النجف وحاضرها)، فقد دوَّن في كتابه لمحات تاريخية عن عدد من رجالات الأُسرة وأعيانها، وقدّم لذلك بهذه السطور التي تُؤرِّخ بثقةٍ وعناية تامة لعموم أُسْرتنا، قال (رحمه الله): (( آل الخليلي أسرة قطنت النجف في أواسط القرن الثالث عشر ونبغ فيها مشاهير في العلم وحماة للدين . قضوا دوراً مهماً زاهياً في النجف وقامت في أيامهم سوق للشعر، تقرَّب اليهم الشعراء وتزلَّفوا فنظموا فيهم المدح والتهنئة والرثاء . وكانوا يجيزونهم ويصِلُونهم بصلاتٍ وافرة. وقد تسنَّم من هذه الأسرة على كرسي الاجتهاد والفتيا رجالٌ مشاهيرٌ دانت لهم العباد والبلاد فكانوا قادتهم الروحيين وأمراءهم المصلحين فقاموا بالواجب أحسن قيام وقادوا الأمة إلى منهج الشرع القويم وانتشلوا العامة من هوة الجهل والضلال.  وقضوا دوراً مهماً في إيران [بحكم قيادتهم للطائفة] خلعوا الحكم الاستبدادي فيها وغيّروه ونظَّموا حكومة دستورية. وفي هذه الأسرة عدة رجال كانوا ولا زالوا أطباء النجف عليهم تدور رحى المعالجة والتداوي وهم حاذقون خبراء نطاسیون ماهرون وكانوا محل وثوق واطمئنان عند أهالي النجف وهم أرأف بها من الأم الحنون يرحمون الكبير ويعطفون على الصغير و يصِلُون الفقير بأموالهم فضلاً عن سعيهم. وقد  مضت على النجف عدة أعوام لم تعرف طبيباً غيرهم ولم تألف أحد سواهم – فهم الخبراء بالداء والدواء والذوات – يعاملون كلَّاً بحسب حالته وشأنه. انشطرت هذه الأسرة شطرين فشطر وقف نفسه ضد الجهل والضلالة وشطر ضد الأمراض الفتاكة، وقد عرفت بالنسبة إلى جدها الأعلى الخليل بن على بنإابراهيم بن محمد على الرازي المؤسس لكيان هذه الأسرة في النجف والغارس لدوحتها الزاهية..)) ماضي النجف وحاضرها 2/220 (الطبعة الثانية – دار الأضواء – بيروت 1986م).

 وذكر الاستاذ محمد علي البلاغي (1903-1976م) الأديب والمؤرخ النجفي وصاحب مجلة الاعتدال النجفية المحتجبة:

(( الخليليون من أشهر الأسر العلمية البارزة في النجف ومن أكثرها نفعاً للبلاد. فلقد تشاطر رجالها خدمة الناس شطرين وقسَّموا وظائفهم التي أوجبوها على أنفسهم إلى قسمين مُهمين فشطرٌ منهم اخذَ على عاتقه حفظ الأرواح والنفوس عن طريق الدين فتسنموا كراسي الاجتهاد والتقليد وأخذوا بزمام الرئاسة الدينية وقاموا بأداء الواجب خير قيام، وقادوا الأمة الشيعية الإمامية إلى منهج الشريعة القويم وانتشلوا العامة من هوة ‏الجهل والضلال حتّى أصبح العالم الإسلامي لهم من الشاكرين. والشطر الثاني التزم بحفظ صحة الأبدان ومكافحة الأمراض والأسقام فكانوا أمنع سد لصد تيار الأمراض وأقوى سناد لإبقاء الصحة والعافية.  لذلك فقد نبغ فيهم مشاهير في العلم والتقليد وأعلام نطس في الطب والعلاج خدمة للناس ولا سيما النجف ردحاً من الزمن غير قصير…)).

وفي آل الخليلي يقول الشاعر النجفي الشيخ عبد المنعم العكّام (1900-1974):

آل الخليلي بين الناس إن ذُكروا             وحال للسبق في الأفَضال ميدان

قامت لتشهد في بغداد فضلهمُ              من الخلائق أرواح وأبدان

الدين والعلم والأخلاق شيمتهم             وسيرهم في الورى برٌ وإحسان

 

وقد اكتسبت أسرة آل الخليلي لقبها نسبة لاسم جدها الأعلى الخليل بن علي بن إبراهيم بن محمد علي الرازي المولد في سنة (1180هـ/1766 م) والنجفي المسكن والمتوفى عام (1280هـ /1864 م). دُفن في داره بمحلة العمارة في النجف، وكان والده المولى إبراهيم من طلاب العلم فسار الولد على خطى والده في طلب العلم. ووصفه الباحثون بحدَّة الذكاء وصفاء الذهن والإقبال على العلم ولهذا فقد دخل في مداخل علمية واسعة لكنه آثر الطب بعد أن ألمَّ به مرضٌ عُوفي منه فقرر اختيار مسار الطب وحده وتتلمذ على خيرة الأطباء فكان الطبيب الحاذق والعالم الفاضل في فنِّه الذي تفرَّد فيه بزمانه.

نقل عنه الشيخ النوري في كتابه “دار السلام” كرامات عديدة، وقال عنه الأستاذ البلاغي: (( ذكره جماعة من ثقاة المؤرخين  في النجف كالعلامة الشيخ محمّد رضا كاشف الغطاء في الحصون المنيعة، والشيخ أغا بزرك في الكرام البررة، والسيد حسن الصدر في التكملة وغيرهم، وأطروه بقولهم “الحاج مرزا خليل من حذّاق الأطباء ومن صلحاء العلماء الأبرار جامعاً للكمالات الصورية والمعنوية متديناً محتاطاً متشرعاً خيِّراً نقياً كاملاً فاضلاً عالماً أدرك العلماء الأعلام  كالمرزا القمي صاحب القوانين، والسيد علي صاحب الرياض،  والشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء، والسيد محسن الأعرجي والشيخ أسد الله صاحب المقاييس والسيد محمّد المجاهد، وصحبهم فكانوا يعظمونه ويبجّلُونه ولكل واحد من هؤلاء معه حكاية تدل على جلالة قدره وأنه من أهل العرفان”….)). هذا النص الذي كتبه الأستاذ محمد علي البلاغي، والنص السابق المنقول عنه، كتبه (رحمه الله) في أوراق بخطه لا تزال، محفوظة في مكتبتي، زوَّدني بها ولده الفاضل سعد محمد علي البلاغي.

أعقب الخليل خمسة أولاد اثنان عالمان مرجعان هما المولى علي والمرزا حسين، وثلاثة  من أشهر أطباء النجف : المرزا حسن والمرزا باقر والمرزا محمد الذي توفي مبكراً. عُرف عدد غير قليل من رجال الأُسرة بلقب مرزا أو ميرزا وهو “اسم ولقب نبالة استخدم في بلاد فارس والدولة العثمانية وهو مشتق من كلمة أمير. كذلك يُعطى هذا اللقب لمن يصل نسبه للرسول محمد (ص) في الدول العربية من جهة الأم فقط”.

ويتمتع غالبية أبناء الأسرة بالإضافة إلى تميزهم في مجالات الحياة المختلفة، بالفكاهة وحضور النكتة وسرعة البديهة وحب الشعر بل ونظمه. وقد تعددت مواطن الأسرة وهاجر بعض أبنائها من النجف إلى عدد من المدن العراقية الأُخرى ومنها: بغداد، الكاظمية، الحلة، الهندية، المحمودية، السماوة والكوفة. “اقتصرت على ذكر بعض الشخصيات توخياً للاختصار، وقد وثَّق التفاصيل الدقيقة عن الأسرة وأعلامها صهرنا القاضي السابق الدكتور محمد جواد الطريحي في كتاب يحمل عنوان (آل الخليلي تاريخهم وأعلامهم)”.

آل الخليلي وعلم الأديان

توجه اثنان من أولاد الجدّ الأعلى للخليليين وسلكا طريق الدين والفقه وهما المجتهد آية الله المرزا حسين الخليلي (1230-1326 هـ) وأخوه المولى علي (1226-1297 هـ) وهما من أعلام التقى والصلاح في زمانهما.

بلغ المرزا حسين درجة الاجتهاد وانتهت إليه رئاسة الطائفة الشيعية. وكان أحد أركان حركة (المشروطة) التي كانت تدعو للحكم الديمقراطي في الشرق الأوسط عام 1906. وكان ممن خدم مدينته النجف حيث قام بجلب الماء إلى أهالي النجف عن طريق قناة بقيت تسقي الناس لمدة سنتين ثم طمست، وهو الذي أسس مدرستي الخليلي الكبرى والصغرى في النجف، ومن آثاره الخالدة الخان الكبير في مدينة الهندية (طويريج) والذي أوقفه على زائري الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنشأ الطارمة الجديدة في صحن الإمامين الكاظميين (عليهما السلام). انتقل إلى رضوان الله تعالى في مسجد السهلة (بالكوفة) سنة 1326 هـ عن تسعين عاماً ونُقل على الأعناق إلى النجف. ورثاه عدد من الشعراء منهم السيد جعفر الحلي، والشيخ عبد الحسين الحويزي، والشيخ محمد علي قسام السيد مهدي أبو الطابو  ومما جاء في قصيدة السيد أبو الطابو:

إذا ما جئت قبر أبي محمد                              فلُذ بحماء في الدَّارين تُسعد

ترى نفر الملائك بازدحامٍ                                     للثم ثراه والأنوار تصعد

أقول لزائريه ألا فطوفوا                                  بقبر أبي التقي بخير مرقد    التقى ؟

وهى قلب الحجا فاسعد وأرخ                              “بلثم وادخل الأبواب سجد”

 

وبلغ الابن الثاني للخليل وهو الحجة المولى علي درجات عليا في التقى والورع حيث قال عنه السيد محمد حسين الجلالي (نزيل شيكاغو)  في كتابه فهرس التراث: “هو العالم المجاهد الرباني، الفقيه، المحدث الرجالي، أزهد أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم…”. ألف كتاباً معتمداً في التاريخ هو كتاب “سبيل الهداية في علم الدراية والفوائد الرجالية”. له مؤلفات فقهية عديدة ومن آثاره تشييد مرقد ميثم التمار في الكوفة. وتوفي في النجف عن عمر يناهز الثلاث والسبعين عاماً. أعقب خمسة أولاد: إسماعيل، أسد، أحمد، محمود وعبود.  ورثاه العديد من الشعراء كالسيد موسى الطالقاني والشيخ حسن مصبح الحلي وغيرهم، وأرخ وفاته صاحب فصوص اليواقيت بقصيدة منها:

 

غاب عليٌ فعلى الدنيا العفا                                           ضوء محاريب سجود انطفى

قضى عليّ بن الخليل نحبه                                             بكى عليه كل حقٍّ أسفا

إذا نظرت في محيا وجهه                                   قلت سناً أومضَ أو برقٌ خفا

له أياد رحمة فكم همت                                       راحته لمن عرى أو اعتفى

كم حجَّ ماشياً وعجَّ داعياً                                       وحجَّ ساعياً بأكناف الصفا

وزار مرقد النبي راجلاً                                     وزار آله الهداة الشرفا

وقد توارى في الحجاب وجهه                                الوضاح قد أرخت “بدر اختفى”

 

وقد برز أيضاً عدد من الأبناء والأحفاد في التقى والفقه والدين ولكنهم لم يبلغوا ما بلغه الأخوين.

آل الخليلي وعلم الأبدان

كان أول من مارس الطب من عائلة الخليلي هو الجد الأعلى الخليل بن علي بن إبراهيم بن محمد علي الرازي المولود في العام 1180 والمتوفى في العام 1280 هـ الموافق 1677-1863م.

ذكر الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ مؤكداً على مساهمة آل الخليلي في تاريخ الطب العربي الإسلامي ومقارنته بعوائل اشتهر أفرادها بممارسة الطب قال: “…عرف النجاشعة، آل بختيشوع، وآل طيفور، وآل ماسويه، وحنين بن إسحاق وابنه، وآل قرة، وأبو إسحاق الحراني وابنه، ومبدوس وابن ابنه، وديلم وداود بن ديلم، وأبا سعيد اليمامي وابنه، وابن بكس وابنه، وابن التلميذ وابنه، والحراني وابنيه، وإسحاق الطيبي وابنه وابن ملكا وابن أخيه، وآل حسراي، وبن زهر، وابن رشد وابنه، وابن حسان وابنه، وابن الكتاني، وابن أخيه، نسكاس وحفيده، وابن البطريق وابنه، وسهلان وابنه، وسلامة بن رحمون وابنه، وآل ابن سليمان وأبا حليقة وابنه، وابن اللبودي وابنه، والرئيس موسى وابنه، وابن أبي الخواطر وابنه، موفق الدين وابنه، وآل الرحبي، والسامريين، والمنفاخين، وأبا الفرج النصراني وأولاده، وآل ربيع، وآل ربيع الآخرين، وآل الخليلي، وآل الحكيم، وآل الشيخ راضي العطار والصيدلانيين، وقد أنجب  آل الخليلي جمهرة لم تنجب بمثلهم أسرة في تاريخ الطب، وهو أمر ينفرد به هذا البيت المجيد”  كتاب الأستاذ مؤيد عبد القادر “من وطن القباب الزرق الحكيم عبد الهادي مسيرة حياة” (دار تالة للنشر والتوزيع، دمشق، 2010)

لقد نظم الخليل بن علي الرازي أبو الأسرة قصيدة بألف بيت (ألفية) في الطب لخصّت كل ما كان في ذلك الزمن من أركان الطب العربي الإسلامي تشخيصاً وعلاجاً وكذلك الأخلاق الطبية. ومن تلك الألفية ما يبدأ فيها باختيار الطبيب، قال في أوَّلها:

قال الخليل بن علي الرازي          أحمد من بلطفه احترازي

مصلياً على النبي الطاهر                    محمد وآله الأكابر

وبعد فاسمع يا بنيَّ مني             واروِ لمن تحب بعدُ عني

تحلّ بالطب ففيه للجسد            والروح منجاة إذا ما السقم جد

فنسبة الطب إلى العلوم            كنسبة البدر إلى النجوم

فلا تقس به العلوم الباقيه           وما الذي تقيسه بالعافيه

وهل يعد شأنه وفضله             إن صحَّ جسم المرء صح عقله

يُختار للطبّ سليم العقل            عفّ اللسان ذا تقى ونبل

كامل خلقة عريق مغرس            جميل هندام نظيف ملبس

يُسر من رآه هشاًّ بشّا               لم يحو قلبه هوى وغشا

 نسبته للناس بالسواء               مشخصاً للداء والدواء

لا يطلق المقال كيفما يشا           ولا تميل نفسه للارتشا

عفيف عين وعفيف مسمع        لأنه يدخل كل مخدع 

وليأخذ الصدق له شعارا           إلا إذا جاوزه اضطرارا  

 ولا يعظّم مرض لديه                فإن من أمرضه يشفيه 

 لا يهمسن عنده بهمسه             فإنها قد تقتضيه النكسة

ولا يجسّ النبض وهو عابس               أو انه يقول إني يائس

فاليأس لا يأتي مع الحياة                   ولا الحياة مع يأس تأتي

سار على نهج الخليل الكبير، أولاده الثلاثة المرزا حسن والمرزا باقر والمرزا محمد. توفي الأخير مبكراً ولكن إخوته خلَّفوا أجيالا من الأطباء خدموا العراق بطبهم العربي الإسلامي، وتبعهم عدد كبير من أطباء الجيل الحاضر كي يحافظوا على تراث الأسرة الطبي العراقي.

وبلغ عدد الأطباء القدامى تسعة عشر طبيباً وهم: الخليل أبو الأسرة وأولاده الثلاثة باقر وحسن ومحمد وأولادهم وأحفادهم. وخلف باقر خمسة من الأولاد والأحفاد الأطباء: خليل، صادق، خليل، محمد وكاظم. وخلف حسن  ثمانية من الأولاد والأحفاد وهم: محسن، مهدي، رضا، حسن، صالح (والدي)، عبد الحسين، محمود، جعفر وصادق. أما من نسل المولى علي فكان أسد (والد جعفر الخليلي) واسماعيل.

نقلت كتب التاريخ والتراث ما بلغه أطباء الخليلي من براعة في الطب وحسن السيرة وحب الخير ورعاية الفقير ونظم في مدحهم الشعراء من أمثال السيد جعفر الحلي الذي قال في قصيدة في المرزا حسن بن الخليل (1238 هـ – 1308هـ):

لو دار في خلد الدهر الخؤون بأن            يمحي إساءته أبقى لنا حسنا

الألمعي الذكي البارع الفطنا                 والأريحي السخي المصقع اللسِنا

وبرز كذلك من أطباء آل الخليلي المبرزين المرزا باقر بن الخليل الذي ولد في النجف عام  ـ1247 هـ وتوفي فيها عام 1332 هـ. قال فيه حفيده المرزا محمد:

يا باقر العلم ويا من غدا                             للطب والأخلاق عنوانا

أصمَّ سمع الدهر ناعيك إذ                             عمَّ الورى رزؤك أشجانا

فاهنأ فقد نلت بأعمالك                           الغراء في التاريخ “غفرانا”

وساهم صادق بن باقر الخليلي في التراث الطبي الموثق بتأليف كتاب ” التحفة الخليلية في الأبحاث النبضية” وقد اطلعت عليه وتصفحته شخصياً في مكتبة ولده محمّد الخليلي (ت 1969) في النجف الأشرف. وضمَّ الكتاب ما يقارب المئة وعشرين صفحة من الحجم المتوسط مخطوط بالحبر الأسود وعنوانه خط باللون الأحمر. فصّل الكتاب أنواع النبض وطريقة تشخيص أمراض عديدة في التركيز على جسِّه واكتشاف ما تحدث فيه من تغيرات. وذكر المؤرخون أنه ألف كتاباً آخر بعنوان “التحفة الخليلية في شرح الكليات الطبية” والمقصود بها المواضيع العامة الأساسية في الطب. راجع كتاب معارف الرجال1/372، ماضي النجف2/233، معجم أدباء الأطباء 1/200، نقباء البشر : 861،  والفتلاوي في مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف.

صفحة من كتاب مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف

وفي ستينيات القرن الماضي ألَّف محمد الخليلي العديد من الكتب المتعلقة بالصحة العامة منها كتاب المغريات العشر وطب الإمام الصادق والقرآن والطب الحديث. كما وألَّف (عبد الهادي الخليلي صاحب هذه المذكرات) كتاب “مكافحة السرطان في العراق بجزأين، ومعجم المصطلحات الطبية العصبية، وإسعاف حالات الشدة على الرأس والدليل على كتابة الاطروحة وكذلك ترجم كتاب الموجز المصور لفحص الجهاز العصبي وغيرها من الأبحاث والكتب الطبية التي سنستعرضها أثناء سيرتنا  هذه إن شاء الله.

الجيل الجديد من أطباء آل الخليلي

سار عدد كبير من أفراد العائلة من الجيل الجديد على خطى الآباء والأجداد والحفاظ على تراث العائلة الطبي.  بلغ عدد الاطباء الثلاثين طبيباً بأجيال مختلفة ابتداءً بالدكتور أحمد محمد حسين اختصاصي -الجراحة البولية (تخرج في كلية طب بغداد عام 1956) إلى الدكتور نسيم فارس عبد الغني (تخرج عام 2020 جامعة ستوكهولم السويد). يضاف لذلك العدد عدد من المختصين في الصيدلة والعلوم الطبية.

آل الخليلي والثقافة

هناك عدد من آل الخليلي الذين برزوا في ميدان الثقافة والعلوم وأولهم الأستاذ جعفر الخليلي وأخيه عباس الخليلي ولدي الشيخ أسد. كان الأستاذ جعفر الخليلي (1904-1985م) رائداً للقصة العراقية وعميداً من عمداء الصحافة في العراق حيث أصدر جريدة الفجر الصادق عام 1930 وبعدها جريدة الراعي عام 1934 وبعدهما جريدة الهاتف من العام 1935 حتى 1954. وألّف من الكتب ما يربو على الأربعين كتاباً بينها موسوعة العتبات المقدسة باثني عشر جزءاً وكتاب هكذا عرفتهم بسبعة أجزاء. وتنوعت مؤلفاته بين التاريخ والقصة والقصص الخيالية والتوثيقية. الأستاذ جعفر الخليلي  كُتبت عنه الكثير من الكتب والدراسات ومن أشهر من كتب عنه الكاتب الأمريكي الدكتور جون توماس هامل ودراسته طبعت باللغتين العربية والإنكليزية  بعنوان “جعفر الخليلي والقصة العراقية الحديثة” وقد نال بها درجة الماجستير من جامعة مشيغن. ومن أبرز الكتابات التي ظهرت عنه كتاب (هكذا عرفوا جعفر الخليلي) الذي حرره ووثق معلوماته محمد سعيد الطريحي وقدَّمت له ابنة الراحل الأستاذة فريدة جعفر الخليلي ونُشر في المجلد المرقم 63-64 من موسوعة الموسم الهولندية عام 2008م (من ص 13 الى ص 172)، وذيّله بملفٍ ضخم آخر لأحد أعلام الخليليين الأدباء المشاهير وهو الأستاذ عبد الغني الخليلي (1925-2002م)، (أنظر مجلد الموسم المذكور من ص 173 الى ص 222).  أما شقيقه الأكبر الأستاذ عباس الخليلي فهو الدبلوماسي والأديب والصحافي والشاعر. ألف ما يزيد على العشر مؤلفات منها ديوان شعر، وكان يعشق الشعر النجدي البدوي وله في ذلك الميدان قصائد نشرت في مجلة المقتطف المصرية في عشرينيات القرن الماضي . وذكر الدكتور إبراهيم الوائلي أن عباس الخليلي كان أول شاعر أورد ذكر فلسطين في شعره بعد وعد بلفور.

ساهم المرزا محمد صادق الخليلي الطبيب والشاعر والأديب بتأليف عدد من الكتب بلغت الاثنا عشر كتابا منها كتاب معجم أدباء الأطباء بجزأين، وديوان شعر. ومن الشخصيات البارزة الأخرى في ميدان التأليف القاضي جواد جعفر الخليلي الذي ألف عشرات الكتب منها دواوين شعر. أما الأستاذ عبد الغني حميد الخليلي فله السبق في ميدان الأدب الرقيق والشعر العاطفي وكان راوية محمد مهدي الجواهري. وألف القاضي باقر خليل صادق عدة مؤلفات في ميدان القانون والقضاء. لم يقتصر النتاج الأدبي للعائلة على التأليف بل امتد إلى الترجمة وكان الرائد في ذلك جعفر صادق الخليلي الذي ترجم أمهات الكتب منفرداً أو بمشاركة الدكتور عناد غزوان. وأما مرزا جواد أحمد الخليلي فهو من رواد الطباعة في العراق فقد بدأ أعماله في النجف في ثلاثينيات القرن الماضي ثم انتقل بمطبعته إلى بغداد باسم مطبعة الزهراء. وساهم بطبع المئات من الكتب التراثية والعلمية لأساطين الفكر والثقافة في العراق. 

برز من الجيل الجديد في التأليف في المجال الثقافي الدكتور جميل (جم) صادق محمد الخليلي  في بريطانيا وسنأتي على ذكر إنجازاته العلمية لاحقا. أما الكاتب الآخر فهو فائق محمد حسين محمد علي الخليلي في الحلة حيث تربو مؤلفاته على الخمسة عشر مؤلفاً في الرواية والأدب والنقد. ساهم كذلك الأستاذ الدكتور ماهر جبار محمد علي الخليلي بتأليف مجموعة من الكتب الثقافية، ومن الشعراء هناك كاظم عبد المنعم الخليلي وعماد مرزا جواد الخليلي وغيرهم في مجالات ثقافية أخرى.

آل الخليلي والعلوم

لم تقتصر كفاءات أفراد العائلة من الجيل الجديد على ميدان الطب وعلومه بل تعدى ذلك إلى ميادين العلم والمعرفة الأخرى. ففي ميدان علم الفيزياء برز من الجيل الجديد في بريطانيا والعراق عَلمان هما البروفسور الدكتور جميل (جيم) صادق محمد الخليلي عالم فيزياء الفضاء الذي ألف ما يزيد على العشرين كتاباً في مواضيع الفيزياء الكونية والثقافة العامة وتاريخ العلوم الإسلامية. احتضنته مؤسسة الإذاعة البريطانية وأفردت له برنامجاً علمياً إسبوعيا يذاع على الهواء وله كذلك المئات من التسجيلات على الإنترنت. كرمته بوسامٍ ملكة بريطانيا وحصل على جوائز علمية عالمية عديدة.

برز في ميدان الهندسة البروفسور الدكتور ضامن الخليلي (أخي) والبروفسور الدكتور عاصم جواد الخليلي اللذان ساهما في تأسيس الجامعة التكنولوجية ببغداد في بداية السبعينيات. هاجرا الى كندا والتحقا بالتدريس والبحث في أرقى الجامعات الكندية التخصصية. وحصل ابن أخي حسن صفاء الخليلي على الدكتوراه من جامعة مانشستر عام 2020. وهناك جمهرة من شباب آل الخليلي في ميادين العلوم والحاسبات والقانون والمالية وغيرها.

آل الخليلي والتجارة

اتجه بعض أفراد العائلة إلى ميدان التجارة والصناعة، فقد أسس المحامي التاجر والصناعي صادق الخليلي (والد زوجتي) في الخمسينيات أول معمل لأكياس النايلون في العراق وكذلك معمل لظروف الرسائل (SK). كذلك أنشأ محمّد علي الخليلي وولده المحامي خليل الخليلي في تلك الحقبة معامل للحلويات والبسكويت والتجارة العامة. أحتفظ من مواد الدعاية التي كانا يوزعانها “نفاضة” سجاير ذهبية لم تفقد بريقها لحد الآن كتب عليها تفاصيل الشركة.

"نفاضة" سجاير دعاية شركة الحاج محمد علي الخليل وولده

كان الأستاذ عبد الغني حميد الخليلي مديراً في المصرف اللبناني وشقيقه الأستاذ علي الخليلي مديراً للمصرف التجاري في بغداد.

كذلك ساهم والدي بقسط متواضع في تجارة الحبوب في الكوفة كما أنشأ أخي صفاء محمد صالح في مدينة الكوفة  معمل الخليلي للجرش والهبش في محافظة كربلاء والذي افتتحه محافظ كربلاء.

مجموعة كبار وشباب آل الخليلي وقد كتب باللون الأحمر اسم كل منهم، يتوسطهم والدي بعمامته وعن يمينه الأستاذ جعفر الخليلي ثم الأستاذ صادق الخليلي وعن يساره المعممين المرزا محمد ثم المرزا صادق

آل الخليلي والحركات الثورية

يُذكر في هذا المجال عباس أسد الخليلي الذي كان من أركان الثورة على الاحتلال البريطاني عام 1918 وحكم عليه بالإعدام ففرَّ إلى طهران، وأصدر بها جريدة “إقدام” بالفارسية، نحو 40 سنة. واشتد في نقد الحكومة الإيرانية، فنفته، ثم استرضته. كذلك ساهم بعض أفراد العائلة في ثورة العشرين وكان منهم الشيخ محمود ابن المرزا حسين بن الخليل.  وقد حصلت على رسالة  مخطوطة حررها الشيخ محمود في العام 1338 هـ (1920 م) معنونة إلى الشيخ سليمان آل شريف زعيم بني زيد النائب عن لواء المنتفك يتواصل فيها مع المجاهدين ويبلغ سلامه إلى السيد محمد آل السيد فياض.

رسالة من الشيخ محمود نجل آية الله المرزا حسين الحاج خليل الخليلي 1338هـ (1920م) موجهة إلى رئيس المجاهدين الشيخ سليمان (زعيم آل زيد) "من مخطوطات مكتبة الاستاذ محمد سعيد الطريحي"

مدرسة الخليلي الكبرى والمدرسة الصغرى

يُذكر في هذا المجال عباس أسد الخليلي الذي كان من أركان الثورة على الاحتلال البريطاني عام 1918 وحكم عليه بالإعدام ففرَّ إلى طهران، وأصدر بها جريدة “إقدام” بالفارسية، نحو 40 سنة. واشتد في نقد الحكومة الإيرانية، فنفته، ثم استرضته. كذلك ساهم بعض أفراد العائلة في ثورة العشرين وكان منهم الشيخ محمود ابن المرزا حسين بن الخليل.  وقد حصلت على رسالة  مخطوطة حررها الشيخ محمود في العام 1338 هـ (1920 م) معنونة إلى الشيخ سليمان آل شريف زعيم بني زيد النائب عن لواء المنتفك يتواصل فيها مع المجاهدين ويبلغ سلامه إلى السيد محمد آل السيد فياض.

مدرسة الخليلي الكبرى

تبلغ مساحة المدرسة الكبرى (600) متر مربع وموقعها في رأس شارع (عقد) السلام في محلة العمارة. وقد نُقشت في بعض المجاميع الخطية تأريخاً لعام إكمال تعميرها ولكن لم يذكر فيه اسم المؤرخ الناظم وهو:

دار علوم لذوي التحصيل                         عمَّرها الحسين ذو التبجيل 

قيل لما كملت أرخ (لها                            معهد علم شاده الخليلي) 1316هـ

والمدرسة ذات طبقتين من جهاتها الأربع وعدد غرفها (48) غرفة وأمام كل حجرة توجد فسحة وفي مقدمتها بني قوس على الطراز الإسلامي. والمدرسة مزينة بالقيشاني الجميل في كل جدرانها وكأنها تحفة معمارية فنية.

توجد في المدرسة ساحة واسعة مبلطة بالطابوق يتوسطها حوض كبير.  وفيها سرداب يدور حول جهاتها الأربع. أما باب المدرسة فهو من جهة عقد (شارع) السلام. وقد استخرجت من الجانب الشرقي ثمانية دكاكين وقّفت على مصاريفها الضرورية من كهرباء وماء واُجور خدم.

جانب من مدرسة الخليلي الكبرى وتظهر فيها الساحة والحوض والحجرات وعدد من طلبة العلم المقيمين فيها

صورة لمجموعة من آل الخليلي؛ الشيب والشباب والأطفال في مدرسة الخليلي الكبرى 1944 يظهر في الوسط عمي الحاج حسن الخليلي (لابساً العقال) وعن يمينه والدي بعمامته

يسكن تلك الغرف طلبة العلم الوافدين من خارج النجف ومن خارج العراق. ويكون سكنهم مجاناً وتتكفل عائلة الخليلي بإطعامهم وبمصاريفهم الأساسية من وارد تلك الدكاكين الثمانية. 

يعقد رجالات العائلة مجالس لعامة الناس في مناسبات دينية أو اجتماعية يؤمها كافة أفراد الأسرة كباراً وشباباً والذين يفدون إلى النجف الأشرف من كافة المدن التي يتواجدون فيها.

مدرسة الخليلي الصغرى

كانت أصغر مساحة حيث تبلغ (230) متراً مربعاً ذات طابقين وعدد غرفها (18) غرفة محكمة البناء عدا الجانب الغربي منها فإنه لا غرف فيه. ولكل غرفة من الغرف السفلية في الطابق الأول إيوان صغير. أما الغرف العلويات فأمامها ممر مسقف. تقع في محلة العمارة في الشارع الذي يقع فيه دار الإمام السيد محسن الحكيم. دفن في بيت مجاور للمدرسة الصغرى أبو الأسرة الخليل ووالدي.

مقبرة الخليلي

وهي بناية بطابق واحد ملتصقة بالمدرسة الكبرى في جهة الجنوب الشرقي. دفن في أرضها المرزا حسين الخليلي وبعض أفراد الأسرة. تحوي المقبرة قاعة كبيرة مفروشة بالسجاد القديم ولها باب مطلة على سوق العمارة. كان الشباك المطل على السوق يغطيه مشبك خشبي متين بسمك الأربع إنشات تقريباً ومصنوع على شكل ضريح الصالحين. وكانت المقبرة مقر “عيادة” الشيخ محمّد صادق الخليلي الذي كان يمارس الطبّ العربي الإسلامي.

المقبرة من الداخل والى اليسار مشبك خشبي يشبه مشبك المقبرة المطل على السوقته

هدمت المقبرة والمدرستان الكبرى والصغرى في بداية الثمانينيات بقرار جائر من السلطة الحاكمة قضى بهدم وتخريب القسم الأكبر من محلة العمارة  لما تضمه من بيوت علمية ومدارس دينية ومساجد تاريخية وقبور لأعلام الطائفة.

بيعت محتويات المدرستين والمقبرة بالمزاد. تعرفت على المشتري (ع م) وهو من عائلة معروفة من  عوائل مدينة الكاظمية. حاولت شراء المحتويات كلها أو بعضها ولكنه رفض. أشار العلماء بأن ينقل رفات والدي  المرزا خليل وولده المرزا حسين وآخرين إلى مقبرة أخرى وهذا ما حصل، فلقد اشتريت بالاشتراك مع بعض أفراد العائلة قطعتي أرض متجاورتين في مقبرة وادي  السلام وبنينا في إحداهما سرداباً باثنين وأربعين لحدأ لدفن الرفات ودفن المتوفين من أفراد العائلة في المستقبل.

وهناك مقبرة أخرى لآل الخليلي أنشأها المولى علي بن الخليل دفن فيها ومن بعده دفن عدد من أولاده وأحفاده. رممها حفيده صادق الخليلي وهي تقع على الشارع العام بين النجف والكوفة محاذية لمقبرة وادي السلام.