حفل المقام العراقي:
لم يستمتع العراقيون في الولايات المتحدة منذ عقود بحفل موسيقي عراقي تراثي يجمع الشمل ويوحد الكلمة من خلال الفن الأصيل. لم يكن في الساحة المحلية فنانون عراقيون يمكن أن يؤدوا الدور المطلوب ومن الصعوبة دعوة فنانين من العراق للقيام بذلك. وبعد اتصالات مع المعنيين في الجالية في منطقة واشنطن وخارجها علمت بوجود فنان شاب متطلع ولد لأب عراقي كان أستاذاً جامعياً وللولد موهبة فنية وحب للتراث العراقي. هذا الشاب هو أمير الصفار الذي درس الفن في المعاهد الأمريكية وأجاد في عزف الآلات الهوائية، وكانت له أخت (دينا الصفار) تتمتع بالكفاءة الموسيقية كذلك. كان معهما زوج دينا تيم موور(تيمور) وقد شكل الثلاثة فرقة في ولاية انديانا. اتصلت بأمير ودعوته مع فرقته لتقديم ما عندهم من فن غنائي وموسيقي عراقي فرحب بالفكرة. وفي ذلك الحين كنت قد شجعت شاباً آخر من ولاية نيو مكسيكو السيد رحيم الحاج وهو عازف عود متطلع وكنت قد عممت نشاطاً سابقاً له في مركز كندي الفني في واشنطن وحقق حضوراً كبيراً. وافق هو الآخر على المشاركة في النشاط المزمع إقامته. وبسبب قلة المورد المادي المتاح حاولت الحصول على قاعة مناسبة وبالمجان. تمكنت بعد اتصالات عديدة تحقيق ذلك في الجامعة الأمريكية التي فتحت أبواب معهد “كاتزن” الفني الكبير التابع لها لنقيم فيه احتفالنا. وفر لنا هذا العرض الكثير من الجهد والمال. ومركز كاتزن واسع ومؤهل لعروض متنوعة وعليه تقرر أن يصاحب الحفل الفني عرضا للرسوم والنحت لفنانين عراقيين (تفاصيل ذلك لاحقا).
ولكي يكون النشاط مقرونا بالعلم فقد دعوت التراثي والصديق العزيز موفق التكريتي من مونتريال كندا. ودعوت بناءً على اقتراحه، أستاذاً من كندا معروفاً بتعمقه في المقام العراقي وهو الأستاذ بوب سيمز وهو صديق للأخ موفق.
وبذا تم لقاء الفن بالعلم حيث سيتحدث الأستاذ سيمز بشأن المقام العراقي والقرن الحادي والعشرين ويتحدث موفق بشأن المقام في التراث. ولكي تكتمل الصورة الفنية تمت دعوة الأستاذ الفنان فؤاد ميشو الساكن في نوكسفيل تنسي.
تقرر أن يكون موعد الحفل في يوم السبت الموافق الواحد والثلاثون من كانون الثاني 2007. بدأنا الإعلان لهذه المناسبة في أنحاء الولايات المتحدة وشمل جميع أفراد الجالية العراقية.
مركز كاتزن للفنون:
عقد النشاط على قاعات الجامعة الأمريكية (مركز كاتزن للفنون). وقد تبرعت الجامعة باستخدام قاعة تسع 220 شخصاً للعرض الفني وقاعتين كبيرتين لعرض الأعمال الفنية. وللعلم فإن الإيجار اليومي لكل قاعة يبلغ 1800 دولار والذي تنازلت عنه الجامعة لصالح دائرتنا الثقافية.
الحفل:
بدأ الحفل بترحيبي بالحضور والضيوف من المحاضرين والموسيقيين والفنانين وكذلك قدمت نبذة مختصرة عن تاريخ الموسيقى في العراق منذ زمن بابل وإلى يومنا هذا. وبعد ذلك ألقى الأستاذ سيمز محاضرته الأكاديمية بشأن المقام في القرن الحادي والعشرين وفيها وضح تطور الموسيقى في الشرق الأوسط بصورة عامة والعراق بصورة خاصة. وبعدها قدم الدكتور الصيدلي موفق التكريتي محاضرة شيقة عن التراث العراقي الفني بكل أبعاده والتركيز على المقام العراقي.
لوحة موسيقية من أيام بابل !:
عرفت من الآثاريين الأمريكيين الذين كنت ألتقي معهم بخصوص الآثار العراقية المنهوبة، بأن أستاذة الآثار آن كلمر من جامعة بيركلي في كاليفورنيا قد اطلعت على رقيم طيني وجد في سوريا كتبت عليه مقطوعة موسيقية تعود إلى 1400 سنة قبل الميلاد. فكت الأستاذة كلمر رموزه وحولته إلى نوطة موسيقية تتماشى مع النوطة الموسيقية لعصرنا الحاضر.
وهنا رجوت الحضور الكرام أن يتخيلوا أنفسهم وكأنهم يعيشون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد في بابل القديمة وينصتوا بهدوء وبعد أن خففت الإضاءة في القاعة وساد الظلام والهدوء في القاعة بدأ عزف تلك القطعة الموسيقية مسجلة من أداء الفنانة الأمريكية جانيت سميث. كانت القطعة الموسيقية إيقاعية ولم تستغرق أكثر من ثلاثين ثانية ولكن تأثيرها على الحضور كان رائعا.
الحفل الموسيقي:
استمتع الحاضرون بالمقام العراقي على أنغام فرقة جالغي الصفافير وكانوا متفاعلين إلى درجة كبيرة وترى الأعين وهي تدمع من الفرح والشوق للأيام الخوالي في الوطن العزيز. وقدموا عرضا فريدا من الأغاني التراثية والموسيقى العذبة تفاعل معهم الحضور بالهمهمة والتصفيق.
وبعد ذلك جاء دور عازف العود رحيم الحاج الذي شنف أسماع الجميع بعزفه على العود وبعد ذلك اشترك رحيم مع الصفافير وقدموا أغان طرب لها الجميع.
وأخيرا ارتقى المسرح السيد فؤاد ميشو وهو ابن الثمانين عزف على الكمان لوحده ثم بصحبة باقي الفنانين وتفاعل معهم الحضور بكل عواطفهم.
الهدايا التذكارية:
بختام الحفل تم تقديم الهدايا التذكارية إلى المحاضرين وقد صنعت خصيصاً لهم من مؤسسة عراقية، وكذلك قدمت باقات الورد إلى الفنانين من بنات الجالية في واشنطن.
أمريكي يبكي:
عند انتهاء الحفل شاهدت الشاب المسؤول عن منظومة الصوت والصورة في القاعة وقد اغرورقت عيناه بالدموع. استغربت من ذلك سائلا عن السبب فأجاب بأنه لم ير في حياته عواطف جياشة من الحضور كما شاهد تلك الليلة وهو بطبيعة الحال لم يفهم كلمات الأغاني وكذلك فإنه لأول مرة يستمع إلى موسيقى تراثية عراقية ولكنه الشعور الإنساني الذي لا تحده حدود.
المأكولات العراقية:
تخللت الحفل أكلات عراقية وحلوى تبرع بإعدادها سيدات فاضلات من الجالية ما أضفى على الجو الطعم والرائحة التي أغنت الليلة وأكملت النشوة. وقد ساعد في التحضير والإدارة للحفل كله لفيف من السيدات والسادة الأكارم.
الختام:
اختتم الحفل هتفت من على المسرح وردد الحضور جميعا معي وبصوت واحد (عاش العراق..عاش العراق..عاش العراق). كان تعليق الكثير من أفراد الجالية المخضرمين الذين زادت سنوات وجودهم في الولايات المتحدة على الأربع عقود بان هذا النشاط المشهود لم يكن له مثيل عبر وجودهم في المهجر. كان الحضور متميزاً زاد على قدرة استيعاب القاعة ما سبب ازدحاماً شديداً داخل القاعة وخارجها ما يدل على رغبة الجالية في التفاعل مع ما يمثل الوطن من فن وتراث يجتمع الكل على محبته.
المعرض الفني العراقي:
أقيم على هامش الحفل وفي قاعة كاتزن الواسعة معرض فني ضم الرسم والنحت الذي شارك فيه 35 فناناً معظمهم من الفنانين العراقيين المقيمين في الولايات المتحدة ومعروضات لمقتنيات فنية شخصية لفنانين عراقيين رواد. افتتح المعرض في نفس ليلة الحفل الموسيقي واستمر لمدة خمسة أيام . وقد ساهم في التحضير للمعرض الفنان والكاتب السيد عامر فتوحي من مشيغان ولفيف من الفنانين الأكارم.
كان للمعرض الفني صدى كبير واستمتع زوار المعرض بما عرض من نتاجات عراقية فذة وكان رواده من العراقيين والعرب والكثير من طلبة وأساتذة الجامعة الأمريكية.
حفل الشموع حول مسروقات الآثار:
من مآسي الاحتلال بعد العام 2003 كان سرقة الآثار العراقية من المتحف العراقي والمواقع الآثارية. وللتضامن مع الجهود العالمية للإعلان عن تلك الجرائم بادرت الملحقية الثقافية في واشنطن وتضامناً مع النداء الذي أطلقته المجموعة الآثارية الأمريكية المعنية بمتابعة المسروقات من الآثار العراقية بإقامة حفل خاص في بناية سفارة جمهورية العراق في واشنطن في 27 من تشرين ثاني 2007 لإضاءة الشموع حضره السيد السفير ومجموعة كبيرة تزيد على المئة من وجوه الجالية العراقية في أمريكا وقد أوقدت الشموع عند الاحتفال وحمل كل فرد من الحضور شمعهً تدل على التضامن مع مشروع ملاحقة الآثار العراقية المسروقة. وتحدث السفير والملحق الثقافي بخصوص تلك الجرائم وتم الإشادة بكل الجهود الخيرة لإعلام المجتمع بما يجري. ومن المفيد أن نذكر بأن هذه المجموعة من خبراء الآثار قد طلبوا من المدارس والمؤسسات العلمية في الولايات المتحدة أن تقوم بإضاءة الشموع في نفس اليوم لإظهار تضامنهم مع هذا المشروع الإنساني الذي كنا نحن العراقيون أولى بأن نكون المبادرين فيه ولكن المأساة في سرقة الآثار مأساة العالم كله فهي ملك الإنسانية معنويا وملك العراق ماديا ومعنويا.
فرحة الفوز بكأس آسيا
مشاركة بالفرحة العارمة التي عمت كل العراقين في كل أنحاء العالم بفوز الفريق العراقي في بطولة قارة آسيا بكرة القدم، أقامت الدائرة الثقافية في واشنطن احتفالاً شعبياً في بناية السفارة تخللته الموسيقى الشعبية والدبكات وتوزيع الحلوى. وقد ساد الفرح والحبور كل الحاضرين من الشباب والكبار والأطفال والنساء والرجال وكان عددهم يربو على المائة شخص.
شعور وطني أصيل: وفي هذه المناسبة يجب أن أذكر قصة حدثت في تكساس في ذلك اليوم السعيد. حدثني صديق عزيز من الطائفة الأرمنية الكريمة الذي يسكن هناك بأنه استلم مكالمة هاتفية من ابنته التي كانت تتحدث على الهاتف من مدينة خارج تكساس. يقول صديقي بأن ابنته كانت منفعلة جدا وهي تصيح بأعلى صوتها وبالإنكليزية: يا والدي لقد ربحنا !!، قلت لها ماذا تعنين فردت لقد ربحنا كأس آسيا. والتفت لي الصديق قائلا انظر إلى العواطف الحقيقية المزروعة في الجينات فابنتي مولودة في أمريكا ونحن نتحدث اللغة الأرمنية والإنكليزية والعربية في البيت وهي لا تتحدث العربية مطلقا ولم تزر العراق ولكن انفعالها وفرحها وشعورها بالولاء إلى الأصل (العراق) قد جعلني سعيدا كسعادتها. وهكذا فإن شعور العراقيين تجاه وطنهم “محفورا” في الحامض الأميني DNA حيثما يكونوا وأفضل ما يجمعهم ويلم شملهم الرياضة والفن. نأمل أن يسري جمع الشمل على مناحي الحياة الأخرى..