سمير الخليلي
الأعزاء أفراد عائلة الخليلي الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فجعنا جميعا بالخبر الأليم المفاجئ بوفاة عزيز الكل المرحوم سمير الخليلي، أبي زينة رحمه الله.
تحدثت معه هاتفياً قبيل العملية بساعات وكان مليئا بالأمل بنجاح العملية. وبعد العملية تحدثت مع الفاضلة أم زينة التي شكرت الله على زوال مرحلة الخطر وبدا عليها الاطمئنان. ولكن الفرحة لم تدم وكان الموت بالمرصاد وكانت مشيئة الله التي لامرد لها “إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ“.
كان رحمة الله على روحه الطاهرة نعم الأخ والوالد والزوج والرفيق الذي خدم بتفان وإخلاص القريب والبعيد لا سيما في الغربة.
فقدت عائلتنا ركنا من أركانها وأفل نجما ساطعا من نجومها وكذا فقده كل من عرفه.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وحشره مع النبيين والأولياء والصالحين.
عزاؤنا للفاضلة المصون أم زينة والأحبة زينة، سحر، أحمد وزهراء ومواستنا لأخوتنا الأحبة عبد الإله ورجاء وعوائلهما وكل أفراد العائلة الخليلية.
إنا لله وإنا إليه راجعون
عبد الهادي الخليلي
* الاستاذ سمير الخليلي ابن العم الحاج حسن الخليلي
الأستاذ صالح حمدان
ببالغ الآسى تلقينا الخبر المؤلم المفاجئ بوفاة الأخ صالح الحمدان رحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته وحشره مع النبيين والصديقين.
ترك رحمه الله فراغا في شمل الجالية العراقية في واشنطن التي عرفته بطيبته وخلقه وهدوئه، وكذا فراغا كبيرا في المساهمة في خدمة التعليم العالي في الشقيقة المملكة العربية السعودية حيث عمل في ملحقيتها الثقافية لسنين طويلة. عرف بإخلاصه وتفانيه في العمل وشاهدت بنفسي مدى الحب والتقدير اللذين كان يحظى بهما حينما زرته في الملحقية السعودية والتقيت بمسؤوليها.
قدر الله أن تتسامى روحه الطاهره إلى بارئها عند أهله في لندن حيث ” لاتعلم نفس بأي أرض تموت”.
رحمك الله يا أبا فراس وأدام ذكراك الطيبة بمن خلفت وصبـّرهم وصبـّر محبيك على الخسارة الفادحة بفقدك
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد الهادي الخليلي
* الاستاذ صالح حمدان من وجوه الجالية العراقية في منطقة واشنطن
الأستاذ الدكتور صالح الوكيل
عالمٌ عراقي فقدته البشرية
“كل نفس ٍ ذائقة الموت”
غادرنا إلى الرفيق الأعلى العالم الأستاذ الدكتور صالح جواد الوكيل في يوم الخميس الحادي عشر من شهر تموز 2019.
عاش الدكتور الوكيل حياة حافلة بالإنجازات العلمية والبحث العلمي الذي استمر بالقيام به حتى لأسابيع قليلة قبيل وفاته. رشح لأكثر من مرة لنيل جائزة نوبل لما حققه من بحوث واستنباطات علمية في مجال اختصاصه الكيمياء الحياتية.
ولد الدكتور صالح في السادس عشر من شهر آب 1927 في مدينة كربلاء ثم انتقلت عائلته إلى مدينة الحلة. أرسلته الدولة العراقية عام 1945 إلى بيروت لنبوغة حيث حصل في الجامعة الأمريكية على درجة بكالوريوس علوم في الكيمياء عام 1948. حصل على بعثة إلى الولايات المتحدة لدراسة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية في جامعة واشنطن، ولاية واشنطن وقد منح الشهادة عام 1952.
بدأ حياته العلمية كباحث في جامعة واشنطن سياتل وبعدها رئيس باحثين في معهد الإنزيمات في جامعة ويسكونسن. عيّن بعدئذ أستاذاً مساعداً في جامعة ديوك إلى أن منح درجة الأستاذية فيها عام 1965.
تمت دعوته شخصيًا عام 1971، من كلية بيلور للطب، هيوستن تكساس ليرأس قسم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية حيث شغل منصب أستاذ ورئيس مجلس الإدارة.
في حياته وسعت إنجازاته في أرجاء المجتمع العلمي العالمي. كانت أهم اكتشافاته عثوره على الجين الذي يمنع تراكم الدهون في الجسم، وهو كشف عدّته مجلة “ساينس” واحدًا من أهم الاكتشافات العلمية للعام 2001.
اكتشف في مجال تمثيل الأحماض الدهنية تفاصيل جديدة في مسار التحكم بسلسلتها الطويلة وكشف دور فيتامين H (البيوتين) في تخليق الأحماض الدهنية وغير ذلك من تفاصيل تمثيل الدهنيات.
واصل الدكتور الوكيل بحثه عن عملية التمثيل الغذائي في خضم وباء السمنة والسكري والبحث عن السيطرة على تلك الأمراض وحقق في ذلك نتائج مبهرة.
نشر من البحوث ما زاد على المائتي بحثاً وله العديد من براءات الاختراع المسجلة باسمه. أشرف على العشرات من طلبة الدكتوراه وتوزع طلابه في أوربا واليابان فضلا عن الولايات المتحدة.
أصبح عضواً فعّالاً في الأكاديمية الوطنية العلمية الأمريكية وكما ذكرت آنفاً فقد تم ترشيحه لنيل جائزة نوبل أكثر من مرة لاكتشافاته العلمية المبتكرة.
أختيرعضواً في رئاسة تحرير العديد من المجلات العالمية في الاختصاص ومُنح العشرات من المداليات والتكريم من مختلف الجهات العلمية في أمريكا وخارجها.
أحب العراق وود لو يتمكن من خدمة التعليم العالي والبحث العلمي. زار العراق في السبعينيات مع الأستاذ الدكتور صلاح العسكري لدراسة واقع التعليم العالي فيه وإمكانية تطويره.
ساهم في مؤتمر الأكاديميين العراقيين الذي عقد في واشنطن عام 2009 ومنح جائزة “وادي الرافدين” كأفضل عالم عراقي في الولايات المتحدة. كان عضواً في الهيئة الاستشارية لمشروع “سوية من أجل العراق” الذي بدأناه في الملحقية الثقافية بعد المؤتمر.
بعد توقف مشروع “سوية من أجل العراق” كان العضو الفاعل في منظمة المجتمع المدني “توفيق” المعنية بدعم التعليم العالي والبحث العلمي في العراق.
كان لرحيله إلى جوار ربه صدمة كبيرة للعلم والبحث والإبداع وخسرته المحافل العلمية في العالم والعراق وخسرناه كصديق وأخ ومربٍ فاضل ومثل أعلى في الخلق والعلم والإصرار على البحث لتحقيق الأفضل للإنسانية جمعاء. لن تنهتي حياته لمجرد رحيل جسده وسيبقى عطاؤه خالداً في ميدان العلم والطب.
أسكنه الله فسيح جناته وألهم قرينته السيدة فوزية البحراني وأولاده سونيا، عايدة، عادل ويوسف وكل الأهل، الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور صالح الوكيل أستاذ الكيمياء الحياتية في كلية بيلور، حامعة هيوستن
الدكتور ضياء السنوي
وجه باسم غاب عنا إلى الأبد
إنه الدكتور ضياء عبد الهادي السنوي صاحب الوجه الباسم والقلب الكبير الذي انتقل إلى رحمة الله سبحانه مساء يوم السبت الموافق الثاني من آذار 2018 في مدينة لندن مقاطعة أونتاريو الكندية.
ولد الدكتور ضياء عام 1942 وتخرج في كلية طب جامعة بغداد عام 1966.
كان مولعا بالفسلجة منذ كنا في الصف الثاني حيث كان الساعد الأيمن للأستاذ فيصل صبيح نشأت في بحوثه على الأوردة الحيوانية وخصوصا وريد حيوان الجمل النادر ذبحه في تلك الحقبة من الزمن. تحمل ضياء المشاق في الحصول على وريد رقبة الجمل لا سيما من مجازر الذبح أو القصابين لتقديمه لأستاذه وكان يشاركه في تحضير التجارب حتى بعد الدوام الرسمي.
عمل معيدا في قسم الفسيولوجي في الكلية وبعدها حصل على الماجستير ثم الدكتوراه في الفسلجة العصبية من جامعة لندن أونتاريو.
عاد إلى الوطن وعمل تدريسيا في ذات القسم الذي بدأ به علم الفسلجة في كلية طب جامعة بغداد ثم في جامعة البصرة.
دعوته لاستحداث وحدة الفسلجة العصبية في شعبة الجراحة العصبية التي كنت مسؤولها في مستشفى الجراحات لإيماني بأهمية العلاقة بين العلوم الطبية الأساسية والسريرية فكان خير الاختصاصي وخير المعلم للملاك الذي يذكره دوما بالذكر الحسن لما أغناهم به من علم ومعرفة. غادر إلى عمّان عام 1992 ليلتحق كأستاذ بإحدى جامعات الأردن الشقيق حيث كسب خلال تلك الخدمة الجامعية رضا الأساتذة ومحبة الطلبة. إلتمسته الجامعة بالبقاء في موقعه التدريسي حتى بعد بلوغه وتجاوزه السن القانوني لما قدم من خدمات أكاديمية صادقة إلى حين تقاعده عام 2017.
نـُكِب في عام 2007 بوفاة زوجته ما كان له الأثر البليغ على حياته.
عاد إلى كندا بعد تقاعده واستقر في مدينة لندن حيث يسكن محروساه رشاد وسما وأحفاده.
زاملت ضياء منذ الصف الأول في الكلية الطبية ومن ثم أصبح الصديق والأخ طوال السنين التي تلت حتى انتقاله إلى جوار ربه.
أصيب بمرض عضال خبيث سرعان ما انتشر إلى الرئتين وحاول الأطباء المتخصصين بكل الوسائل إنقاذه منه ولكن مشيئة الله كانت هي الأقوى. خلال فترة مرضه كان مؤمنا بقدره ولم يؤثر ذلك مطلقا على ابتسامته وحبه للحياة ومحبته لأصدقائه. شارك على الإنترنت وبكل نشاط وأريحية في مجموعة خريجي عام 1966 فكان نعم الأخ لكل الزميلات والزملاء يحاول في كل رسالة أن يبعث السرور لدى الجميع بتذكر النوادر والحكايات في سنوات الدراسة وكذلك القفشات خلال الخدمة العسكرية الإلزامية.
بدأ التدهور في حالته الصحية في الأشهر القليلة الماضية فأدخل المستشفى، وعند مكوثه فيها كنت على اتصال مستمر معه. لم تفارقه النكتة ولا الابتسامة حتى في أحلك ساعات الألم. صّورته مرة ونحن نتحدث على الفيديونت وكانت الابتسامة تملأ وجهه بالرغم من الأنابيب وسوائل التغذية التي حوله.
كانت لي معه ذكريات قبيل سفره عام 1992 حينما كنت ألقي محاضرات في المحافل الثقافية أحاول أن أدعو المجتمع العراقي القانوني لقبول حالة موت الدماغ كموت حقيقي والتي حضر إحداها حيث استشهدت بقول الشاعر:
مالهذا المــوت يكرهـه كل من سار على الغبرا
وبعين العقل لو نظروا لرأوه الراحـة الكبـرى
تحققت الراحة الكبرى لك يا أخي أبا رشاد عند انتهاء معاناتك من آلام المرض العضال وندعو الله أن تدوم راحتك الأبدية بجوار الرب الرؤوف.
ولكن برحيلك يا أيها الوفي فقد الأهل الراحة وفقد أحبتك ذلك الوجه الباسم والخلق الرفيع والطيبة المتناهية.
رحمك الله يا أعز الأصدقاء ويا زميل العمر.
ألهم الله الصبر والسلوان للأعزاء رشاد وسمى وإخوتك وأخواتك وزملائك وطلبتك وكل محبيك.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الاستاذ الدكتور ضياء السنوي زميل دراستي ورفيقي في مستشفى الجراحات
الأستاذ الدكتور طالب الأسترابادي*
غياب نجم ساطع
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.
ألا قـاتل الله المنـايا ورَميَهـا…من القوم حبّاتِ القلوب على عَمد
فوجئنا بغياب نجم ساطع آخر من نجوم الطب العراقي هو المرحوم الأستاذ الدكتور طالب محمود الأستربادي الذي وافته المنية يوم السادس من شباط 2013 في داره الواقعة في ميريلاند.
لقد فقد الطب في العراق والوطن العربي أستاذا فاضلا ومربيا يربي بما يفعل وليس فقط بما يقول حيث كان رحمه الله قليل الكلام كثير العمل.. يعمل في صمت وعمق. كان باحثا متميزا وعالما متبحرا في الفسلجة وخصوصا فسلجة الغدد الصماء. لقد تحدثت حينما بلغنا نبأ انتقاله إلى بارئه، مع عدد من الزملاء الذين تتلمذوا على يديه، إذ لم أحظ بهذا التشريف بأن أكون من بينهم حيث كان خارج الوطن حينه. كان أحدهم يحاول جاهدا أن يخنق عبرته وهو الجراح الشهير المعروف على مستوى الولايات المتحدة، والآخر المعروف في مجال الطب أثنى وأغدق على المرحوم وخص بالذكر طيبته، وآخرون غيرهما فأدركت مدى تأثير المرحوم في الأجيال التي عاصرته وتعلمت منه العلم والقيم العلمية.
في عام 2009 وفي حفل تكريم من بلغ أو تجاوز الثمانين خلال مؤتمر الأكاديميين العراقيين في واشنطن لم يستطع الحضور بسبب حالته الصحية فأناب عنه الأخ والزميل الدكتور عامر الجبوري.
إلتقيته في داره في ميريلاند يوم الثلاثين من شهر تموز 2012 وهناك كان مسجى على الفراش لايمكنه التعبير بالكلام ولكنه كان رحمه الله مليئا بالتعابير الكاملة عبر نظراته واجاباته الإيمائية على العديد من المواضيع المختصرة االتي تحدثنا حولها. كانت عقيلته الدكتورة الفاضلة نجلاء الحاضرة الدائمة، خير رفيق وأنيس له، ترعاه بكل ما أوتيت من قدرة وعاطفة.
التقطتُ له في حينها بعض الصور التذكارية ولعل الصورة في نهاية هذا الرثاء وثـّقت ابتسامته كرسالة منه إلى كل من عرفه من الزملاء والطلبة والمحبين.
ولد المرحوم في الخامس من شهر أيلول عام 1922 في مدينة الكاظمية. تخرج في كلية طب جامعة بغداد عام 1945 بدرجة شرف في التشريح وعلم الأمراض. إلتحق بفرع التشريح عام 1945- 1946 ثم عمل كطبيب مقيم في المستشفى الملكي من عام 1946- 1950. حصل على زمالة تدريبية في الطب التجريبي من جامعة مينوسوتا (مؤسسة مايو) بين عامي 1950-1952 حيث حصل فيها على الماجستيرفي العلوم الطبية. بعد عودته إلى الوطن حصل على لقب أستاذ مساعد في فرع الفسلجة 1953- 1958. غادر إلى أدنبرة كتدريسي في جامعتها في فرع الفسلجة من 1960-1962، وبعدها عاد ثانية إلى الوطن عام 1962 وإلى كليته ليتسلم مسؤولية فرع الفسيولوجي كأستاذ مساعد ثم أستاذ ورئيس للفرع حتى عام 1973. إنصرف للبحوث في مجال الغدد الصماء في أماكن مختلفة كان أهمها مجلس البحوث البريطاني في أدنبرة. غادر إلى الكويت وعين رئيسا مساعدا في دائرة التخطيط في وزارة الصحة العامة وفي مجال التعليم المستمر وساهم كذلك في إنشاء معهد الكويت للتخصصات الطبية بين عامي 1980-1986. نشرت له بحوث أصيلة في مختلف مجالات الغدد الصماء في أمهات المجلات العلمية المتخصصة في أوربا والولايات المتحدة.
وبعد هذه المسيرة العلمية الغنية في البحث والتعليم أدى الرحوم الأستاذ طالب رسالته في المساهمة الفاعلة في بناء قواعد الطب الأصيلة في عراقنا الحبيب. وهذه الرسالة هي الصدقة الجارية والذكر الحسن الذي سيبقى في عقول وقلوب الجميع.
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثا حسنا لمن روى
فهنيئا لك يا أستاذنا ومربينا أن الحديث عنك سيبقى دائما وأبدا أحسن الحديث. رحمك الله وأحسن إليك وحشرك مع النبيين والصديقين. ألهم الله الأستاذة الدكتورة الفاضلة نجلاء الفلكي والمحروسين الدكتور شبل و أجدل والأهل جميعا وكل المحبين الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الأستاذ الدكتور طالب الأسترابادي أستاذ متمرس في علم الفسلجة
الأستاذ الدكتورعادل سليم*
غادرنا طبيب القلوب
ببالغ الأسى فوجئت وفوجئ الجميع برحيل الأخ الكريم العزيز المرحوم عادل سليم رحمه الله. إن خسارته خسارة للطب وللتعليم وللعراق كله.
كان المرحوم إنسانا قدوة وطبيبا قدوة ومعلما قدوة. استمر بالعمل الدؤوب والتضحية والتفاني في سبيل المهنة والعلم والمجتمع لخمسة عقود وحتى آخر رمق في حياته.
بالرغم من مرضه المستعصي الذي عانى منه لسنوات، لم يتأخر أو يكل عن تقديم كل ما يستطيع لتحقيق أفضل ماعنده لطلبة البورد العراقي والعربي وطلبة الكلية الطبية ومرضاه وللمجتمع. إن فقدانه لا يعوض ولكن ذكراه الخيرة سوف تبقى ذخرا ومنارا لمحبيه وطلابه ومرضاه.
رحمك الله يا أيها الأخ والصديق والزميل، وأسكنك فسيح جناته وحشرك مع الصديقين والنبيين وحسن اولئك رفيقا.
ألهم الله أهلك الأكارم وأصدقاءك الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور عادل سليم أستاذ أمراض القلب كلية الطب جامعة بغداد
الدكتور عبد السلام محمد*
العلم الخفاق
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. وأشهد أن الموت حق، والبعث حق، والنشور حق، والحساب حق، والجزاء حق. ولولا الموت لم تعرف الحياة. والموت هو النهاية المحتمة لكل ابن أنثى.
كل ابن أنثى وإنْ طالتْ سلامتُه يوما على آلةِ حدباء محمولُ
ولولا هذه الحقائق لما آل الرسل والأوصياء والعظماء إلى نفس هذه النهاية .
تعرفت بالمرحوم عام 1975 في مدينة ليدز في إنكلترا حينما كان في زيارة لصديقه وصديقي، وزميلي في العمل آنذاك، الدكتور رافد صبحي أديب. لقد بهرني منذ أول اللقاء بلطفه وواقعيته وحسن معشره وعمق تعليقاته. وعند عودتي إلى الوطن عام 1976 كان من أوائل الأشخاص الذين زرتهم. وتوثقت علاقتي به كذلك، عن طريق تقاريره على نماذج آفات مرضاي. وقد استفدت الكثير من علاقتي الوطيدة معه طوال هذه السنين التي أراها الآن وهي ومضة خاطفة من عمر الزمن ولكن تأثيرها سيدوم مدى الحياة.
شاءت صروف الدهر أن ترغمني على أن أساهم مع الأخ الأكرم الدكتور سعد الوتري في عملية رفع الورم المنتقل من رئته إلى دماغه .لقد كانت سويعات إجراء تلكم العملية من أحرج أوقات حياتي .وكنا متيقنين بأن رفع هذه الآفة سيرجع لنا عبد السلام كما عهدناه ولو لمدة ما. وحينما دخلنا على الدماغ وكشفناه أمعنت فيه فرأيت دماغه كبقية الأدمغة في الظاهر، ولكنني أعلم علم اليقين بأن هذا الدماغ يتميز في الأداء. فحاله كحال القلم الذي يستعمله المرحوم هاشم الخطاط أو فرشاة خالد القصاب أو أدوات نحت محمد غني حكمت فهي في ظاهرها تشابه غيرها ولكن أداءها مع هؤلاء الأعلام يختلف عن أدائها عند غيرهم من الناس. كان بودي وأنا أتطلع إلى طيات دماغه بقشرته ومادته البيضاء أن أرى خبايا ذكائه الخارق وسرعة بديهته وقيمه الأصيلة وحبه لأصدقائه وتفانيه في سبيلهم وتحديه للظروف القاهرة. ولكن هيهات فان ذلك ما يخبيه الدماغ داخل كنز أسراره .
على أية حال فلقد كان السرور بالغا بإزالة الورم كاملا من دماغه. وسارت الامورعلى مايرام حتى بدأت صحته بالتدهور التدريجي الذي لابد منه ووصلنا إلى حيث يحكم القدر حكمه ويقضي أمرا كان مفعولا.
في أيامه الأخيرة وحينما أحس بفقدان الأمل بالشفاء بدأت كآبته الشديدة . في آخر لقاء لي معه طلبت منه أن يدرك واقعا أنه افضل بكثير مما يعتقد، فنظر إليّ بعين أليمة وبدون إجابة.
خسر العراق بفقدانك علماً ورائداً وخبيراً في علم الأمراض الباثولوجي وتشخيص أصعب الحالات التي كانت تستعصي على الكثير من زملائك في الاختصاص.
رحمك الله يا أيها الأخ والعزيز وأسكنك أفضل مسكن وألهم قرينتك فوزية والحبيب شوان الصبر والسلوان.
* ألقيت في حفل التأبين في نقابة الأطباء في بغداد
الأستاذ الدكتور عبد الكريم الخطيب*
خسارة الجراح الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
كلُّ نفسٍ ذائقة الموت ثم الينا تـُرجعون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حـُكمُ المنـيةِ في الـبرية جارِ مـا هـذه الـدنيا بـدار قـرارِ
بينا ترى الانسان فيها مُخبرا حتى يُرى خـَبرا من الأخبار
شاء القدر أن يرمي فقيدنا الغالي بسهامه وتختطفه يد المنون قبل أوانه فكان لفقده أثر بالغ جدا بين أهله ومحبيه من طلابه وزملائه ومرضاه. ولقد كانت الصدمة مفاجئه وشديدة الوقع وإن كنا على يقين بأن
كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلةٍ حدباء محمولُ
كان المرحوم نعم الأستاذ ونعم المربي فلقد شهد له الجميع بطيب النفس ودماثة الخلق وعلو الهمة ولطف المعشر وحلو الحديث، لم يعرف الكبرياء و لم يضمر حقدا لا من بعيد أو من قريب . عف اللسان واليد.
وإذا ذكر اسمه في أي محفل اقترن بالإطراء و الإكبار. عرفته وأنا طالب طب فكان مثالا للأستاذ الفاضل العالم . كنا نتسابق لحضور محاضراته في القاعة أو في الردهة، وكانت له القدرة على إيصال ما بذهنه إلى الطلبة ..كل الطلبة، ويتفانى في ذلك ولا يبرح حتى يتأكد من أن الجميع استوعبوا مقصده، لم يتأخر عن موعد محاضراته وحافظ فيها على مستوى علمي رفيع وإسلوب سلس مدعم بالتوضيحات الدقيقة. عشت معه كمقيم وأحسست بعظمة هذا المربي حيث كان يتابع تطورنا التقني والسريري بدقة ويتأكد من تقدمنا التدريجي الرصين وبالطريقة العقلانية التي يراها هو وليس بالطريقة الاندفاعية التي كنا نتمناها نحن. وكان رحمة الله عليه يردد كثيرا مقولته التي لازالت تطرق سمعي من أيام الإقامة عام 1968:
“ work to be given and not to be asked for “
حيث يقرر هو متى يرتفع بالمقيم إلى مستوى تقني أعلى.
وضعت على مكتبي في عيادتي الخاصة حينما كنت طبيباً في المناطق النائية، صورة له تجمعه مع الأستاذ خالد القصاب والأستاذ زهير البحراني، أعمدة ردهة 17 / 18 كي تكون دافعا لي للاستزادة من العلم والتقدم ومحاولة السير على طريقهم العلمي الأصيل.
عرفناك يا سيدي يا أبا زينة طبيبا وأستاذا فاضلا وجليلا تقول ما تشعر به وتعني ما تقول. تفيض بالحكمة على من حولك وتتفتق جوانبك بالمعرفة. زرعت في طلابك صـُبابات علمك وخبرتك فأزهرت وأثمرت أطباء أمجادا لاتغرب الشمس عنهم، فقد ملؤوا الآفاق، فهم في العراق العظيم وفي الدول العربية والمملكة المتحدة وأوربا وأميركا وكندا وغيرها. فهنيئاً لك على هذا النتاج الخير وإن تلامذتك هم ذكرك الحسن وذكراك القيمة وتلكم هي الباقيات الصالحات.
وحتى في أواخر أيامك أيها الفقيد الغالي وحينما دعتك كليتك العزيزة إلى قلبك ساهمت في الامتحان النهائي في تموز الماضي، وقد شاركتك في ذلك. كنت أرى آثار السعادة والنشوة عليك حينما يحسن الطالب الإجابة وكنت كما عهدناك سابقا تأخذ جانب الطالب.
إن حكم القدر لا مفر منه فلقد ذهب الأولون ويذهب الباقون. وكما قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرثي أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما عاد من دفنه:
ذهب الذين أحبهم فعليك يا دنيا السلام
لاتذكرين العيش لي فالعيش بعدهم حرام
إني رضيع وصالهم والطـفل يـؤلمه الفـطام
وكما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، عندما مر بالقرب من مقبرة: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع. سنزوركم عما قريب ونلحق بكم بعد زمان قصير. اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز عنا وعنهم. الحمد لله الذي جعل الأرض كِفاتا (مجمعا) أحياءً وأمواتا، الحمد لله الذي منها خلـَقنا وعليها مـُمشانا وفيها معاشنا وإليها يعيدنا. طوبى لمن ذكر المعاد وقنع بالكفاف وأعدَّ للحساب.
وقال تعالى” كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة. أدعو الله عز وجل أن يكون أجرك يا سيدي جنة الفردوس وأن يلهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* الأستاذ الدكتور عبد الكريم الخطيب أستاذ الجراحة العامة في كلية الطب جامعة بغداد
الدكتور عبد الواحد حسن*
…… – 1998
بسم الله الرحمن الرحيم
“كلُّ نفسٍ ذائقة الموت ثم إلينا تـُرجعون” صدق الله العظيم
نجتمع هذا اليوم لتأبين أخ عزيز وزميل قدير وطبيب متفان وإنسان تتمثل فيه صفات الإنسانية العليا هو المرحوم الدكتور عبد الواحد حسن.
شاء القدر أن تختطف يد المنون فقيدنا الغالي ويرميه القدر بسهم من سهامه قبل أوانه فكان لفقده أثر بالغ جدا بين أهله ومحبيه من زملائه وطلابه ومرضاه . ولقد كانت الصدمة مفاجئه وشديدة الوقع وإن كنا على يقين بأن الموت حق. ولولا الموت لم تعرف الحياة . وحكم القدر لا مفر منه فلقد ذهب الأولون ويذهب الباقون. والموت هو النهاية المحتمة لكل ابن أنثى وإن طالت سلامته.
تعرفت بالمرحوم عند التحاقه بمستشفى الشهيد عدنان خير الله بعد عودته من خارج القطر. فكنت التقي معه في مصاعد المستشفى وأروقتها وكانت ابتسامته تضفي عليَّ راحة نفسية أبدأ بها يومي، وأسمع منه عما حققه في القيام ببعض العمليات الدقيقة فأفرح لأننا لازلنا بخير حيث أن هناك من يعمل بجد وتفان. ونتناقش بشأن حالات طبية مشتركة فكان العلميَّ الدقيق الذي يعرف حدوده ومستعد لتقديم أية مساعدة جراحية أو استشارة لخدمة المريض والطالب. وقد اشتركت معه بالقيام ببعض العمليات الجراحية الدقيقة في مجال جراحة محجر العين أثبت لي أنه ذو تقدير صائب وصاحب أنمل كفء وجسور بحذر. كان رحمه الله يأخذ طلابه على محمل الجد ويبذل كل جهد لتقديم ما يمكنه لهم وكان يتفاعل معهم ويحمل همومهم ويحاول إذلالها. وكانت علاقته الطيبة بملاك الشعبة يشهد بها الجميع.
وكعضو في اللجنة العلمية في المستشفى كان السباق في حضور الاجتماعات وتقديم الاقتراحات والأفكار ومتابعة القرارات.
وقد شهد له الجميع بطيب النفس ودماثة الخلق وعلو الهمة و لطف المعشر و حلو الحديث، لم يعرف الكبرياء، عف اللسان و اليد، لم يضمر حقدا لأحد لا من بعيد ولا من قريب حتى لمن كان يشكو لي منهم أحيانا. وأنك لا تسمع من أحد إلا الحمد على أخلاقه والتحسر على فراقه. إن خسارته لا تعوض في هذه الأيام التي يتناقص فيها عددُ الجنود المجهولين. خسرته مدينة صدام الطبية كاختصاصي متميز، وخسرته الهيئة العراقية للاختصاصات الطبية كمدرب رائد، وخسرته مستشفى الشهيد عدنان خير الله كعَلـَم من أعلامها، وخسرته شعبته كيد تتضامن مع العاملين فيها، وخسره طلابه كمثل يقتدى به، وخسرته اللجنة العلمية فهي الآن أفقر بفقدانه. عزاؤنا بما خلفت أيها الفقيد الغالي بعدك من ذكر طيب لدى مرضاك ومشاعر فذة تركتها لزملائك وزرع خير زرعته في طلابك.
قال تعالى” كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة “.
ندعو الله عز وجل جميعا في مدينة صدام الطبية مسؤولين ومنتسبين أن تكون أجرَك يوم القيامة جنةُ الفردوس وأن يلهم أهلك ومحبيك وزملاءك الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* الدكتور عبد الواحد حسن اختصاصي أمراض الأذن والأنف والحنجرة في مستشفى الجراحات التخصصية
الأستاذ عزيز كمونة*
خسرنا مربي الأجيال
بسم الله الرحمن الرحيم
“نصيبُك في حياتِك من حبيبٍ نصـيبُك في مـنـامِك من خيالِ
رمـاني الـدهرُ بـالأرزاءِ حـتى فــؤادي فـي غشـاء من نبـال
فصـرتُ إذا أصـابتـنـي سهام تكسّرت النصالُ على النصال”
ببالغ الأسى والحزن أكتب هذه السطور مستذكرا فقدان أخ عزيز كان بحق يمثل اسمه في كل مراحل حياته حيث كان عزيزا على قلوب كل من عرفه؛ كبيرا أو صغيرا عالما أو متعلما قريبا أو بعيدا طالبا أو أستاذا ألا وهو المرحوم الأستاذ المربي الفاضل والمثقف والإنسان أبا سعد، عزيز كمونة.
أدى واجبه بأفضل مايمكن في تهيئة أجيال وأجيال من الشباب الذين أطرهم بإطاره التربوي المقرون بالقيم العالية والخلق القويم الذي كان مثالا لهم يحتذى به.
أدى واجبه الأبوي بإهدائه للمجتمع المحروسين الطيبين سعد وعادل ورغد ونغم وأصبح كل منهم خير خلف له بما يقدموه للمجتمع كل في مجال عمله. وأصبح عملهم ودعاؤهم له صدقة جارية تزيد في ميزان حسناته.
أدى واجبه لإخوانه الذين لم يكن يتخلف رحمه الله عن كل تجمع اخواني للذين أحبهم من كل قلبه وأخلص لهم بكل ما تعني الصداقة.
أدى واجبه للمجتمع فكان زينة المجالس بحضوره الدائم حيث كانت تعليقاته وتعقيباته وحبه للنكته والابتسامة الدائمة المرسومة على وجهه علامة دائمة من علامات شخصيته المحببة للجميع.
بالرغم من معاناته في صراع المرض العضال الذي لم يمهله كان متفائلا صبورا راضيا بما قسمه الله مهدئا لإخوانه الذين كانوا يتألمون لألمه. ولقد حصل على أفضل علاج لحالته ولكن الطب يبقى عاجزا وقاصرا أمام إرادة الباري عز وجل إذ نقله سبحانه إلى جواره ليحشره مع النبيين والصديقين ويسكنه جنات الخلد فهنيئا له على تلكم السعادة الأبدية.
إن فقدانه رحمه الله خسارة كبيرة للأهل والأصدقاء والمجتمع العراقي ككل.
رحم الله أخينا وحبيبنا أبي سعد وألهم محروسيه والسيدة الفاضلة عقيلته وكل المحبين الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ عزيز السيد كريم كمونة المربي والمثقف الألمعي، درّس في عدة مدارس ثانوية في مدن عراقية عديدة ومشرفا تربويا لعدة سنوات
الأستاذ الدكتور علي الكليدار*
طود هندسي فقده العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
“كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنبَوِّنَّنهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين” صدق الله العظيم
أخي وصديقي أبا الحسين الدكتور علي الكليدار
أشهد ويشهد كل من عرفك بأنك من الذين آمنو وعملوا الصالحات أيها الصالح بن عبد الصالح ولسوف يكون سكنك في غرف جنة الفردوس خالدا فيها وهو ما تستحقه من أجر على ما قدمت للعراق والإنسانية في مسيرة حياتك العلمية والاجتماعية من التفاني والوفاء والعطاء وتربيتك للمئات بل الآلاف من مجتمع العلوم الهندسية وخارجه.
لقد توجت تلك المسيرة بما تحمله من خلق عال وتحلٍ بالقيم السامية وحب الخير. وزدت على ذلك ما تحمله من موسوعية الثقافة العامة التي كنت تحاور وتنافس فيها المتخصصين في أغلب العلوم والثقافة. فكنت خير مرب وخير باحث وفوق ذلك كله خير إنسان.
قدحتُ زفيري فاعتصرتُ مدامعي لو لَـَم يَؤلْ جزعي إلى السلوانِ
ترقـى الدموعُ ويرعوي جزعُ الفتى ويــنـام بعــد تفــرّق الأقـران
إنه فراق ولكن ليس كالفراق بل إنه الفراق الأبدي الذي حرمنا من تلك الطلعة البهية والابتسامة الدائمة والعقل النير. كنا ياعلي وكلنا شوق لاستقبالك هنا في هذه الأيام بين أهلك وأحبائك ولكن فوجئنا بأن بَلَغَتْ روحُك التَّرَاقِي وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بالساق وكان الْمَسَاقُ إلى رب كريم. فلاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
عرفتك منذ لقائنا الأول في مانجستر عام 1971 حين كنت تحضِّر لرسالة الدكتوراه مع أخي الدكتور ضامن الخليلي ومنذ لحظة ذلك اللقاء وجدت فيك الإنسان الذي تمثلت فيه كل الصفات النبيلة.
عرفتك لا تهادن ولا تجامل ولا تقبل إلا الحق وأذكر إذ أذكر موقفك الشجاع في منتصف الثمانينيات حينما اجتمع بنا وزير التعليم العالي في قاعة الوزارة الكبرى. وقفت أمام الميكرفون لتقول بملء فمك ماكان يكنه ضميرك ولم تبال بما يترتب على ذلك فقلت للوزيربعد خطابه التهديدي الموجه للمئات من الأساتذة “إن ماتقوله لا أفهمه ولايخص الموضوع بصلة” ما أغاض الوزيروطلب مقابلتك وقد شفعت لك في تلك المقابلة معه نقاوة سريرتك وإخلاصك المشهود لوطنك مما كسبت احترام الوزير لشخصك بعد تلك الوقفة الشجاعة وكذا ازداد احترام الآخرين لك.
وإن أنسى فلا أنسى تكرر لقاءاتنا في إنكلترا في الثمانينيات حيث كنا نناقش أفضلية العودة إلى العراق بما فيه من ألم وتضحية وبين البقاء في الغرب فكنت تكرر دوما عبارتك التي لم ولن تنسى “يجب أن نعود ونكون شوكة في أعين من لايريد عودتنا”. وهكذا عدنا معا إلى الوطن العزيز.
بكاؤكما يشفي و إن كان لا يجدي فجـودا فقـد أودى نظيركما عندي
ألا قـــاتـل اللهُ المــنايـا بـرمــيها من القومِ حبات القلوب على عَمدِ
كنت والله يا علي حبة القلوب وعزيزها، حبة قلب رفيقة العمر الأستاذة الدكتورة أمل شلاش أم حسين وحبة قلب أبنائك المحروسين بالله الدكتور حسين والدكتور عمار والمصونات الدكتورة زينب والسيدة نورالذين تفانيت في رعايتهم. وكنت حبة قلوب إخوتك وأخواتك وكل عائلة آل الكليدار وآل طعمة وآل شلاش وآل الأسترابادي بل وكل أحبتك وزملائك وطلابك والمجتمع كله.
فزت ورب الكعبة حينما رحلت إلى بارئك في يومك الموعود وقد لحقت بجدك الإمام علي عليه السلام في ذكرى استشهاده. رحلت إلى ربك وأنت في وطنك وجاور جسدك الطاهر مرقد جدك الإمام الحسين عليه السلام فنم قرير العين بشفاعته وشفاعة أبيه وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وارد على الحوض في موكبهم المبارك.
ونم قرير العين بصدقتك الجارية بما خلفت من خلف صالح متمثلا بالمحروسين والمحروسات والتراث العلمي الهائل.
أتوجه للأخت الفاضلة الكريمة رفيقة دربك التي كانت ترعاك بكل ما تملك من قدرة ووقت والتي ستفتقدك طول الزمن ولكن إيمانها بالله والقدر المحتوم على كل ابن آدم يمنحها الصبر وعزاؤها وعزاؤنا بما لك من ذكر طيب خالد في كل المحافل في العراق وخارجه.
عزاؤنا كذلك إلى المحروسين أولادك وبناتك وإلى السادة إخوتك الأكارم الدكتور عادل والدكتور عبد الإله والسيدات أخواتك الكريمات السيدة عفاف والسيدة عواطف وكل المتعلقين والمحبين.
منح الله القوة للجميع على تخطي صعوبة الفراق بالصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون
* ألأستاذ الدكتور المهندس علي الكليدار عميد كلية الهندسة، جامعة بغداد. كلمة رثاء ألقيت في حفل التأبين الذي أقيم في واشنطن
الدكتور فائق السامرائي*
فقدنا رائد علاج السرطان في العراق
بمزيد من الأسف والحزن تلقينا نبأ رحيل علم من أعلام الطب في العراق الدكتور فائق السامرائي رحمه الله برحمته الواسعة. وبفقده حدثت ثلمة في الطب في العراق في مجال علاج السرطان.
من منا لم يعرف الدكتور فائق السامرائي اختصاصي علاج السرطان الإشعاعي والدوائي الذي يعد رائد علاج السرطان في العراق. تمتع فائق بالخلق الكريم وكان المتواضع المتميز في مهنته والمتفاني من أجلها.
تصدر المرحوم فائق نشاط مكافحة السرطان في العراق لعقود عديدة في المجال الطبي العلاجي والتدريسي والاجتماعي. عمل مع المرحوم الأستاذ خالد القصاب والرواد الآخرين جاهدا لخلق أسس قويمة للتعامل مع السرطان في العراق. فقد عمل في مستشفى الإشعاع والطب النووي التي كان الراعي الحقيقي لها لعدة عقود، بوساطة جمعية مكافحة السرطان التي كان سكرتيرها المتكرر والفعال والفارس الذي تجده في كل محفل طبي له علاقة بالسرطان، وفي أي مكان كان، في مستشفيات بغداد والعراق والوطن العربي. زاملته في جمعية مكافحة السرطان حيث انتخبت لعضوية الهيئة الإدارية وكسكرتير لها لمرة واحدة فوجدته ذلك المتفاني الذي لا يتعب من العمل الدؤوب المتميز العالي المهنية في تنظيم حلقات دراسية وندوات طبية ودورات سريرية وعلى مدار السنة. وكان أول الحضور ومن أكثرهم عطاء.
مر بصعوبات كثيرة في مسيرة بناء صرح مستشفى الإشعاع والطب النووي والتي هي المركز الأساس في علاج السرطان في العراق ولكنه وبحكمته وكفاءته خلق منها معهدا متميزا على مستوى الوطن العربي في حينه وأنقذت حياة الآلاف من مرضى السرطان.
رحمك الله يا أخي الكريم والزميل العزيز وتقبل سبحانه وتعالى منك صدقتك الجارية، مستشفى الإشعاع والطب النووي، وحشرك مع النبيين والأكرمين ومنحك الخلود في جنة الفردوس.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
عبد الهادي الخليلي
* الدكتور فائق السامرائي اختصاصي علاج السرطان في مستشفى الإشعاع والطب النووي، بغداد
الدكتور فاضل السكافي*
وداعا زميلي وأخي فاضل
لكـل اجتـماع من خليلين فرقةٌ وكل الذي دون المـمات قليلُ
وإن افتقادي واحداً بعد واحدٍ دلـيلٌ على أن لا يدوم خليلُ
بالأمس في يوم الأحد الخامس عشر من تشرين الأول 2017 غادرنا إلى بارئه الأخ والصديق والزميل الدكتور فاضل حميد السكافي والذي كان قد ولد عام 1942.
عرفت فاضل منذ أيام الصغر حينما كنّا نلتقيه مع صديق العائلة خاله المرحوم الحاج عبد الأميرالسكافي في محل عمله في مدخل مدينة النجف الأشرف. تكفّل خاله الطيب برعايته بعد ان توفي والده وهو صغير. كنّا في مرحلة دراسية متقاربة في الثانوية وكنا نستمتع كثيراً بلقاء بعضنا.
كان منذ صغره عالي الخلق يتميز بالجدية في تصرفاته متفوقاً في دراسته وقد كسب احترام وتقديرالجميع وهو بذلك السن المبكر. استمرت علاقتنا في كلية الطب حيث كان يسبقني بمرحلة واحدة ومعنا زميل دراستنا الدكتور جبار مهدي الذي كان أقرب صديق له منذ نعومة أظفاره.
كان في مرحلة دراسته في الكلية من المتفوقين في كل المراحل وتخرج فيها عام 1965.
إقترن بزميلتنا في الدراسة الدكتورة فريال باقر حمودي التي تخرجت معنا عام 1966. غادرا إلى الولايات المتحدة بعد التخرج مباشرة.
بدأ تدريبه في اختصاص جراحة العظام والجراحة التقويمية ومن ثم تخصص في جراحة اليد وأصبح من أشهر من عمل في ذلك الاختصاص في ولاية انديانا بل تعداها إلى مستوى الولايات المتحدة كلها.
أحَبه كل سكان مدينته لما قدمه من خدمة خالصة نابعة من حب حقيقي للمهنة والإنسانية. تدرب على يده العديد من الجراحين الشباب. ولذا كان خير سفير للعراق في طبه وإنسانيته. ولقد كان للدعم الذي قدمته له رفيقة حياته الدكتورة فريال طوال مسيرتهما في الغربة الأثر البالغ فيما وصل إليه.
لم يمهله المرض العضال الذي عانى منه كثيرا في السنة الماضية ولحين لحظات حياته الأخيرة. فقد عجز الطب بكل ما قدم له من العلاج بآخر التقنيات أن ينقذه مما أصابه فكان أمر الله سبحانه هو الغالب.
خلّف ونعم ما خلّف ثلاثة أولاد هم: نجد وزيد وباسل. أصبح نجد من المشهورين في جراحة المسالك البولية وتميز ولداه زيد وباسل في مجال العمل الحر.
وهنا أرى أن من المناسب ذكر شقيقه الذي يكبره بمايزيد على العقد من السنين الأستاذ الدكتورمجيد السكافي العَلَم في اختصاص علم الاجتماع والذي عاش ولايزال في الولايات المتحدة منذ بداية الخمسينيات. فهو مثال العالِم القدير والإنسان المتواضع. أما أخوه عدنان الذي فارقنا إلى دارالخلود قبل السنتين تقريبا فكان يحمل ذات الصفات النبيلة.
اللهم آنِسه في وحدته وفي وحشته وفي غربته وأسكِنه فسيح جنتك وأحشره مع النبيين والصالحين.
وألهِم اللهم أهله وذويه الصبر والسلوان وأخص بذاك الفاضلة الدكتورة فريال وأولاده نجد وزيد وباسل وأخيه الدكتورمجيد وكل محبيه.
فوداعاً غير دائم أخانا وعزيزنا الدكتور فاضل فكلنا على هذا الطريق.
وإنَّا لله وإنا إليه راجعون
عبد الهادي الخليلي
* الدكتور فاضل حميد السكافي اختصاصي جراحة الكف عمل في مستشفيات ولاية إنديانا الأمريكية
الأستاذ الدكتور فخري البزاز*
خسارة لبيئة العالم
بسم الله الرحمن الرحيم
” تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموتَ والحياة َ ليبلوَكـُم أيـُّـكـُم أحسنُ عملا وهو العزيزُ الغفور” صدق الله العظيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلق اللهُ الموتَ والحياة َ بعد أن خلق الكون. وعرف ابن آدم الموت عندما قتل قابيلُ هابيلَ، وكان أول درس تعلمه من الطير هو درس الموت والتعامل مع الموت.
ولو لم يكن الموت لم تكن الحياة. فالموتُ ضرورةٌ لإدامةِ الحياةِ وسبر غور كنهها.
نحن لم نعرف معنى الحركةِ لولا السكون، ولا مغزى الحلاوةِ بدون المرارة، ولا النور إلا بوجود الظلام. فلابد إذاً للحياة من الموت. ولقد ” خـُط الموت على ابن آدم خـَط القلادة على جيد الفتاة”. والموت نهاية حتمية، ولكنه للقلائل من البشر بداية حياةٍ جديدةٍ يعيشها في حياة وذاكرة الناس بروحه لا بجسده. فيبدأ الأخيارُ والطيبون حياة ثانية أبديةِ بعد الموت، حيث إنهم يعيشون بما قدموا وبآثارهم التي تظلل ذكراهم. ” إنّـا نحن نحيي الموتى ونكتبُ ما قدموا وآثارَهم وكلَّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين ” صدق الله العظيم، فهم يعيشوا الذكر الطيب الحسن الدائم بما خدموا به بني البشر قبل وبعد رحيلهم بصدقتهم الجارية في علم ينتفع به.
وفقيدنا المرحوم الأستاذ الدكتور فخري البزاز هو الميت الحي وهو من الرعيل الذي ما انفك يقدم الخدمة إلى بني البشر في كل يوم من أيامه وبدون مقابل.
ولد فخري عبد اللطيف حسن البزاز عام 1933 من عشيرة (الأسلم) وهي فرع من عشيرة شمر قدمت من نجد إلى العراق قبل حوالي 600 عام واستوطنت الجبهة الغربية من نهر الفرات وبالذات في قرية المعاضيد الواقعة بين دير الزور وعانة على الحدود العراقية السورية. والده الحاج عبد اللطيف حسن البزاز كان تاجر قماش. أخوه المرحوم عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق 1965- 1966 وخاله الشيخ نجم الدين الواعظ مفتي الديار العراقية الأسبق.
لا أود أن أدخل في تفاصيل حياته وإنجازاته لأن المتحدثين بعدي سيوفون ذلك. ولكني أذكر أن المرحوم كان نجما ساطعا في سماء العلم والمعرفة وقد بنى كيانه العلمي في أرقى المؤسسات العلمية في العالم من خلال مساهماته في البيئة والتعريف بخطر التأثير الحراري. نشر بحدود 300 بحثا وستة كتب تعتبر مراجع أساسية في علم البيئة.
حصل على شهادات تقدير وعضوية وزمالة من أغلب المعاهد المتخصصة في العالم، فضلا عن جوائز عالمية عدة.
كان البزاز ممن نصحوا نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور في قضايا البيئة عندما كان سيناتورا. كما كان أول من أدلى بشهادة في جلسات استماع في مجلس الشيوخ الأميركي بدعوة من غور للحديث عن تأثير الحركة البشرية السلبية على البيئة في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
برز اسم البزاز مجدداً عام 1997، إذ كان الأول من بين 21خبيرا بيئيا كتبوا رسالة مفتوحة إلى الرئيس الاميركي حينه، بيل كلينتون، تطالبه بمواجهة التغيير المناخي، من خلال الحد من الانبعاثات الغازية.
وفي عام 2000 ساهم في إنشاء المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا في الإمارات العربية المتحدة. وهذا غيض من فيض.
إلتقيت به للمرة الوحيدة في لندن في نهاية 2003 في مبنى الجمعية الملكية البريطانية حيث كنا نحن الإثنين مع 10 إخوة آخرين أعضاء مؤسسين للأكاديمية العراقية للعلوم. كانت مساهمته فاعلة في جلسات استحداث تلك المؤسسة العلمية العراقية. وعرفته صارما في طرح أفكاره، وفي ذات الوقت تراه مستمعا جيدا لأفكار الآخرين. وتشاهد دوما الابتسامة الرقيقة على محياه.
أختم حديثي بمقولة معبرة كان يحلو للدكتور فخري البزاز أن يرددها في أكثر من مناسبة وباللهجة العراقية بأنه : “حزين مثل بـِلبل صحا متأخر … شاف البـِستان من غير تين “. وحسب ما أظن أنه كان يقصد من ذلك أنه صحا على فقدان البيئة العالمية السليمة، وفقدان الوطن وفقدان الأهل ولكنه وبفضل الله وبتفانيه في سبيل العلم كسب الذكر العبق والخلود والصدقة الجارية بما ترك للإنسانية. أعزي العالم والأمة العربية والعراق بفقدانه. أسأل الله أن يتغمده برحمته ويحشره مع الأنبياء والصالحين ويسكنه فسيح جناته ويلهم أصدقاءه وطلابه ومحبيه الصبر والسلوان.
عزائي للسيدة الكريمة الفاضلة مآرب البزاز البكري، شقيقة أستاذي وأخي الدكتور خلدون البكري، وأعزي العزيزة سحر والعزيز عمار. رعاهم الله جميعا وأطال في عمرهم بصحة وعافية. أتقدم بشكري الجزيل للمتحدثين الأكارم الذين تجشموا عناء السفر ليشاركونا في إحياء ذكرى الفقيد. ولكم أيها الحضور الكريم الشكر والامتنان ووقاكم الله جميعا من كل مكروه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور فخري البزاز، أستاذ بيئة النبات في جامعة هارفرد الأمريكية 1984- 2004
الاستاذ الدكتور فرحان باقر*
فقيد الطب فقيد العراق
فقد الطب وفقد العراق علماً من أعلامه ورائدا من رواده وعموداً من أعمدته، بانتقال الأستاذ الدكتور فرحان باقر إلى جوار ربه في الثامن عشر من تشرين الأول من عام 2017.
لم يكن انتقاله إلى بارئه مفاجأة لنا حيث كنا جميعا نتوقع ذلك لما كان يعانيه من مرض عضال في السنوات الأخيرة وإنه نزيل المستشفى في أبوظبي منذ منتصف الشهر الرابع من هذا العام.
كان لي شرف الاتصال الهاتفي به عند رقوده في المستشفى. وبالرغم من مرضه وصعوبة حياته في المستشفى كانت معنوياته عالية ويتمتع بذاكرة كاملة وحملني تحياته وتمنياته لكل أعضاء المجتمع الطبي العراقي وقد بلغت رسالته إلى العديد من الزملاء في حينه.
ملأت أخبار نعيه الآفاق في مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل الالكترونية وغيرها إذ تحفل بسيل من التفاصيل الخاصة بحياته المهنية الشامخة بالعظاء العلمي المتميز وإنجازاته الثرة في ميدان الطب والمجتمع العراقي وخارجه ولاسيما ما وثقه الأخ الدكتور سعد الفتال.
ولئن أعجز عن أن أضيف إلى ما ذكر من مناقبه أرى لزاما علي أن أساهم مع الزملاء إيفاءً بالعلاقة الحميمة التي ربطتني به طوال العقود الماضية. العلاقة التي بدأت بين طالب وأستاذه في ستينيات القرن الماضي حتى صعود روحه الطاهرة إلى السماء.
كم كنت سعيداً حينما كلفني عام 2008 في أن أكتب مقدمة لكتابه “حكيم الحكام من قاسم إلى صدام” ولئن أبدع في اختيار عنوانه فقد سرد التجربة الطبية الفريدة عبر حقب متعاقبة من الرعاية الطبية لحكام العراق الذين عاصرهم المتميزة بالالتزام بالنهج المهني الطبي الذي لم يتشوه بالتيارات السياسية تلكم المدة التي استغرقت عقودا أربعة. وحينما تصفحت تراثنا الطبي وجدت أن بعضا من أساطين الطب قد حمل لقبا خاصا مثل ابن زهر “طبيب السلاطين” في العهد الاندلسي والرازي “طبيب الخلفاء” في العهد العباسي. وقد لاحظت في كتابه توثيقا لحوادث تاريخية مهمة في مسيرة العراق السياسية إذ سردها ووثقها بكفاءة عالية كما ضمتها علاقاته وخدماته إلى شرائح مجتمعية أخرى لاتقل أهمية عن الحكام. وهكذا شعرت بالإحراج لذلك الطلب فإنه يعز علي أن أرد طلبه من جهة ومن جهة ثانية أخشى ألا أعطيه حقه. ولكني امتثلت لطلبه فكتبت ثلاث صفحات فيها تاريخ وإنجازات الأستاذ فرحان.
طلب مني ثانية أن أنوب عنه في حفل توقيع كتابه الآخر ” لمحات من الطب المعاصر في العراق ” الذي عقد في مكتبة الحكمة في واشنطن عام 2011. والكتاب إضافة موسوعية للمكتبة الطبية العربية في التاريخ والسيرة. إستعرض فيه تاريخ الطب في وادي الرافدين منذ فجر التاريخ مرورا بالعصر الذهبي العربي الإسلامي والعهد العثماني وانتهاء بتاريخ الطب العراقي المعاصر. كتبه بخبرة من عاصر الأحداث ووثقها كشاهد عيان ومن ساهم فيه. وقد وثق أحداثا ذات أهمية سياسية مرتبطة بالمسيرة الطبية. فالكتاب يعد بحق سجلا أمينا لتاريخ الطب العراقي المعاصر.
أخيرا في عام 2014 كلفني عبر الهاتف بتمثيله في مؤتمر الأطباء العراقيين الأمريكان بتلاوة رسالة شخصية منه على المؤتمرين يحييهم فيها ويذكرهم بتاريخ جمعيتهم.
سأقتصر في تأبين أستاذنا الخالد على بعضٍ مما قدمه للمجتمع الطبي العراقي داخل العراق وخارجه.
- أصدرت في الستينيات من القرن الماضي طبعة جديدة لكتاب “الطب الباطني” لمؤلفه ديفدسن. كان ذلك الكتاب المنهجي رفيقنا في الدراسة. ذكر الكتاب في موضوع داء السكر “بأن هناك مراكز طبية قليلة في العالم استحدثت عيادة خاصة لمرض السكر ورعاية المصابين به”. كان فخرنا واعتزازنا بوجود هذه العيادة التخصصية في وطننا والتي كان قد بدأها الأستاذ فرحان في المستشفى الجمهوري. وهي بالتأكيد من أوائل العيادات في الوطن العربي إن لم تكن الأولى.
- عند الإقامة في المستشفى الجمهوري كان شعورنا نحن الأطباء المقيمون بالترقب والرهبة في صباح كل يوم خميس، على ما أذكر، من يوم ندوة الوفيات، حيث يقدم كل طبيب مقيم أمام جمع من الأساتذة حالات الوفيات التي حصلت في ردهته ويبدأ النقاش بل “المحاكمة” العلمية الدقيقة لحالة المتوفى وطريقة علاجه واستنباط الدروس من تلك الحالة. وكان الأستاذ فرحان يصول ويجول فيها، وهو الذي استحدثها في العراق. وأذكر أن في إحدى الندوات عندما ناقشنا حالة وفاة بجلطة قلبية كنت قد قدمتها طلب مني بعد الانتهاء من النقاش أن أحاول أن أسجل له التغيرات التي تحدث في تخطيط القلب عند مريض بذبحة صدرية عند فحص الجهد. وكان حظي كبيرا في اليوم التالي حين راجعنا مريض مصاب بها حيث تمكنت من تسجيل ذلك وقدمت له وباعتزاز لوحة كاملة فيها نماذج من تخطيط القلب الطبيعي للمريض مصحوبة بنماذج من التغيرات الحادة بعد إجراء فحص الجهد التي أظهرت الإقفار (قلة ورود الدم) القلبي وعودة التخطيط إلى حالته الطبيعية بعد الجهد. واستخدم الأستاذ فرحان تلك اللوحة لتدريس التغيرات التي تنذر بالإصابة بالجلطة القلبية. ومازلت أحتفظ بنسخة من ذلك التخطيط لحد الآن.
- كان للسنين التي قضاها بعد التخرج مباشرة كمعيد في الفسيولوجي أثر بالغ في رغبته في البحث العلمي العميق وربط العلوم السريرية بالعلوم الطبية الأساسية في عمله الطبي. ومن ذلك اهتمامه بالجهاز التنفسي وأمراضه، حيث استحدث مختبر الفحوصات التنفسية السريرية في المستشفى الذي كان مثالا للعلاقة التطبيقية بين العلمين الطبيين السريري والأساسي.
- كان الرائد في استحداث الندوة السريرية الباثولوجية CPC في المستشفى الجمهوري، حيث يجتمع أساتذة الطب الباطني والجراحة وعلم الأمراض لمناقشة الحالات المعقدة التي تم إجراء العمليات الجراحية لها وخضعت للتحليل النسيجي الكامل.
- بدأ بما يسمى بالدورة السريرية الكبرى GRAND ROUND حيث كانت تناقش العديد من الحالات المهمة والنادرة التي تواجه أطباء الأمراض الباطنية في الإسبوع التي تحتاج إلى استشارة جماعية أو إنها حالات نادرة يتطلب الأمر إطلاع الجميع عليها.
- من المشهود له بالريادة أيضا هو تصميمه على تثبيت دستور عراقي للأدوية عملا بما هو موجود في كل دول العالم المتقدم. فقد أصدر دستور الأدوية العراقي تحت إشرافه في الخمسينيات والستينيات.
- كان من أوائل الذين استخدموا الزرع المختبري في حالات الالتهابات الذي كان في بداياته لمعرفة أفضل المضادات الحيوية التي تفيد في علاج الحالات الإلتهابية وعدم الاعتماد على الحدس في علاج الحالة.
- في الستينيات وفي أيام وباء الكوليرا الذي هجم على العراق كان له السبق في تنظيم الخدمات اللازمة للتعامل مع المرض والمصابين.
- أصيب كثر من العراقيين في السبعينيات بالتسمم بالزئبق فكان هو من الرواد الذين قدموا خدمات طبية ومتابعات علمية وبرامج للتعامل مع الحدث بأفضل إسلوب.
- ساهم مساهمات متميزة في الجمعية الطبية العراقية في الستينيات من القرن الماضي وما بعدها في الحفاظ عليها كجمعية طبية علمية مستقلة عن الجو السياسي العارم الذي كان يسود نقابة ذوي المهن الطبية.
- تميز في المجال البحثي كتميزه في المجالات الأخرى، فقد نشر نتاج بحوثه القيمة في أفضل المجلات العالمية والمحلية. ومن الجدير بالذكر القول أنه الوحيد من الباحثين العراقيين الذي نشر له بحث في مجلة “علوم” الأميركية الذائعة الصيت.
- في مجال الخدمات الطبية في العيادات الخاصة كان له قصب السبق في إرساء قيم جديدة على المجتمع الطبي العراقي في الممارسة الطبية غير الحكومية. فلقد كان الأول في استحداث إسلوب تحديد عدد المرضى المراجعين في العيادة وزيارة المريض لعيادته بموعد مسبق.
- كان من الداعين والمتحمسين في بداية الثمانينيات لتطبيق نظام التفرغ الطبي (بما لذلك النظام ولما عليه) بهدف تفرغ الطبيب الجامعي لرفد عمله المهني بالعمل الأكاديمي وتوفير الوقت له لإجراء البحوث لتطوير المعرفة .
- بعد تقاعده المبكر دعته عدة جهات طبية وأكاديمية في الوطن العربي وخارجه ليساهم في قيادة مؤسسات أكاديمية ومهنية عديدة، ولكنه استقر ما بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات الشقيقة.
- في الولايات المتحدة ومع نفر من الخيرين من زملائه الأطباء العراقيين الأمريكان عرض عام 1997 فكرة جمع شمل الأطباء العراقيين في أميركا لتقوية ارتباطهم ببعضهم وبالوطن الأم وتقديم ما يمكن من الخدمات والاستشارات للزملاء في العراق في مجال التعليم الطبي والخدمات الصحية. ولولا احترامه وإجلاله من الجميع لما تمكن من جمع الأطباء بالشكل الذي شمل حتى المتضادين منهم، واستحدثوا في عام 1998 جمعية خريجي الكليات الطبية العراقية في أميركا IMCA . وذكر الأستاذ الدكتور محمود ثامر بأن ” الجمعية لم تكن تقوم لولا أفكار وجهود وصمود الأستاذ فرحان”. وبعدها تطورت عام 2000 إلى مدى أوسع لتصبح الجمعية العراقية للعلوم الطبية IMSA لتضم العراقيين العاملين في الميادين الطبية في الولايات المتحدة والتي لازالت تزاول نشاطها وجمعها للعاملين في المجال الطبي في الولايات المتحدة.
- ساهم عام 2003 بتأسيس الأكاديمية الوطنية العراقية للعلوم التي ضمت اثني عشر عضوا مؤسسا كان لي الشرف أن أكون أحدهم.
- أتذكر أننا التقينا في دبي عند منتصف شهر مايس 2003. وكان قد جاء من أبو ظبي بهدف زيارة مستشفيات أهلية في دبي. هيأت له مع زميل لي برنامج زيارة لستة مستشفيات أهلية كي نطلع عليها ونتفق على بلورة أفكار للعمل في فتح مستشفى ذات مستوى عال في العراق بعد تغيير النظام تليق بما يستحقه العراق العزيز. كان أستاذنا أكثرنا نشاطا وحيوية ونقاشا مع مسؤولي تلك المستشفيات.
- ومن حرصه على الاستمرار في خدمة التعليم والطب في العراق ساهم مساهمة فعالة عام 2008 في أعمال “المؤتمر العلمي العالمي الأول للكفاءات والخبرات العراقية في المهجر” الذي عقد في بغداد. وكذلك في أعمال “المؤتمر العالمي الأول للتعليم والتطوير الطبي المستمر” الذي عقد في بغداد عام 2009 بدعم من منظمة الصحة العالمية.
حينما أصبح في عمر يتطلب منه الراحة والاستمتاع بما حققه من نجاحات لم يتوقف، وقد آل على نفسه أن يبقى مثالا في النشاط والحيوية في المجالات العلمية والاجتماعية وشعلة وهاجة تنير الدرب للآخرين.
باختصار اتصفت مسيرته بالريادة الطبية والأكاديمية وخدمة المجتمع بكل ما يستطيع مدعومة بالمواقف الوطنية ابتداء من تطوعه للدفاع عن أرض العرب في فلسطين عام 1948، إلى التميز في خدمة ورعاية المرضى في عموم البلاد وإرساء قواعد طبية رائدة واستمرارا في الإبداع فهو مثال يحتذى به للطبيب القيادي والأستاذ الأكاديمي في العراق بل في الوطن العربي كله. وهو بحق ليس فقط “حكيم الحكام” بل حكيم الشعب وحكامه.
ياسيدي أبا أحمد لقد خدمت ووفيت في كل الآفاق التي دخلت فيها وعالجت وأنقذت الآلاف من المرضى من الموت ولكن يقضي الله أمراً كان مفعولا وبما أشار إليه الشاعر:
إِنَّ الطَـبــيبَ بِـطِبـِّهِ وَدَوائِــهِ لا يَسـتَطـيعُ دِفاعَ مَكـروهٍ أَتى
ما لِلطَبيبِ يَموتُ بِالـداءِ الَّذي قَـد كـانَ يُبرِئُ منه فيما قد مَضى
ذَهَبَ المُداوي وَالمُداوى وَالَّذي جَلَبَ الدَواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اِشتَرى
ستبقى وأنت غائبا عنا علما خفاقا ومنارا للأجيال تقتدي بخلقك وبقيمك الطبية والإنسانية وإصرارك على السير في درب الخدمة العامة والتضحية في سبيل إسعاد المجتمع.
رحمك الله أستاذنا وصديقنا وأسعدك سبحانه في رحلتك الأبدية وأسكنك جنة الفردوس وحشرك مع النبيين والصالحين.
نعزي السيدة الفاضلة أم أحمد والمحروسين بالله أحمد وبشرى وريم وسوسن وأسرة آل باقر وكل المحبين من قريب ومن بعيد وندعو الله أن يلهمهم الصبر والسلوان.
وختاماً نذكر قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم:
“الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”.
والكل يشهد بأنك أحسنت العمل في حياتك فنسأل الله أن يغفر لك فهو العزيز الغفور.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد الهادي الخليلي
* الأستاذ الدكتور فرحان باقر أستاذ كلية الطب في جامعة بغداد وشيخ أطباء الباطنية في العراق
الدكتور قحطان جاسم شبيب*
فقيد طب العيون
بقلب مألوم ونفس حزينة تلقيت نبأ انتقال الأخ الفاضل والزميل العزيز الدكتور قحطان جاسم شبيب رحمه الله إلى جوار ربه.
عرفت قحطان مذ كنا صغارا في مدينة الكوفة عن قرب؛ عرفته يافعا وشابا وطبيبا ومتخصصا بطب العيون. عرفت فيه الإنسانية والطيبة والتربية الصالحة، وكطبيب الكفاءة المهنية العالية.
لقد كان أحد أعمدة طب العيون في العراق قدم كل مالديه من خبرة ومعرفة لمرضاه وطلبته.
فقده العراق وفقده طب العيون وفقده أهله ومحبوه وفقدته صديقا وأخا عزيزا على القلب والنفس.
أسكنه الله فسيح جناته وحشره مع النبيين والصالحين. وألهم أهله ومرضاه وزملاءه ومحبيه الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون
* الدكتور قحطان جاسم شبيب اختصاص طب العيون وهو من أبناء مدينتي الكوفة
السيدة ليلى الخليلي*
(يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
ببالغ الأسى والحزن أعزي الجميع بوفاة المرحومة السيدة ليلى الخليلي والدة الدكتور ماهر الخليلي هذا اليوم الثلاثاء 20 آب 2013 .
المرحومة هي بنت محمد عبد الحسين مهدي حسن خليل الخليلي وهي زوجة المرحوم جبار محمد علي محمود علي خليل الخليلي ووالدة الأعزاء الدكتور ماهر وياسر ومحمود والسيدات ندى وهناء وبيادر وبان ولجين، والمرحومة هي أخت الفاضلة رجاء أم بان والسيدة فاطمة والمرحومة رضية أم قيس والسيدة عدوية.
عانت أم ماهرالطيبة النقية الصابرة الرؤوم والوالدة المثالية من نزف كبير تلقائي داخل الدماغ منذ يوم 12 آب وأدخلت مستشفى اليرموك في بغداد وقد زارها الدكتور أحمد أمان الخليلي الاختصاصي في الجراحة االعصبية وأرسلت لي أشعات الدماغ للاستشارة وقد تابعت حالتها عن بعد، والكل متفق على إن حالتها كانت شديدة الصعوبة بسبب إصابتها بداء السكر وارتفاع ضغط الدم فضلا عن النزف الدماغي. ولم يكن إجراء العملية الجراحية ذا فائدة مطلقا.
عجز الطب عن إنقاذها وكان أمر الله الذي لا مرد لقضائه فانتقلت إلى جواره. رحمها الله برحمته وأسكنها فسيح جناته وجمعها مع الأنبياء والصالحين.
عزاؤنا فيما تركت من صدقة جارية من الأبناء والبنات الذين هم خير خلف في خلقهم وتربيتهم العالية ووفائهم.
ألهمنا الله الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون
* السيدة ليلى محمد الخليلي من بنات العم وهي عقيلة المرحوم جبار محمد علي الخليلي ووالدة الأستاذ الدكتور ماهر الخليلي.
الدكتور مازن جعفر خصباك
خسارة طب التخدير
رحمك الله أخي الدكتور مازن جعفر خصباك
سبيلُ الموتِ غايةُ كلّ حيٍ وداعيهِ لأهلِ الأرضِ داعِ
كان خبر وفاة الدكتور مازن المفاجئ في يوم التاسع والعشرين من شهر كانون الأول (2017) صدمة كبيرة بالنسبة لي وللكثيرين ممن عرفوه. أعزي بفقدانه الأهل وأعزي منتسبي الجراحة العصبية والتخدير في العراق لا سيما في مستشفى الجراحات التخصصية في مدينة الطب ببغداد.
ولد الدكتور مازن عام 1954 وهو ابن عَلَمٍ من أعلام أساتذة التاريخ هو الدكتور جعفر خصباك (1920-1994). تخرج في كلية الطب عام 1976 ثم أكمل الدبلوم العالي في التخدير فأصبح طبيبا اختصاصيا فيه. التحق بمستشفانا، مستشفى الجراحات التخصصية بعد سنة من افتتاحها عام 1990 فكان مسؤول وحدة التخدير في الجراحة العصبية منذ عام 1991 حتى وفاته.
ساهم الدكتور مازن في رفع شأن شعبة الجراحة العصبية في المستشفى بفضل تفانيه في عمله وكفاءته في اختصاصه فوصلت إلى المستوى الذي تضاهي فيه مراكز الجراحة العصبية داخل وخارج العراق. تحمل مسؤولية فريق التخدير من أطباء ومساعدين وكذلك مسؤولية العناية المركزة في الشعبة وهما عماد العمل في الاختصاص. كان مثالا للثقة التامة للتعامل مع الحالات المرضية العصبية التي تحتاج إلى تداخل جراحي قبل وأثناء وبعد العملية. لم يتململ ولم يضجر مهما طال وقت العملية وكانت الابتسامة تعلو محياه. كان حاضرا في كل نشاط علمي واجتماعي نقوم به في الشعبة.
كان له طموح لا تراه لدى غيره فبالرغم من صعوبة العمل في مجال التخدير في الجراحة العصبية وحالة التأهب الدائمة عند المخدر من بداية العملية إلى أن يفيق المريض تماما وضيق الوقت، فقد قرر أن ينخرط في دراسة مسائية في مجال العلوم الإنسانية فكان خياره اللغة العبرية. بذل في تلك الدراسة جهدا كبيرا في أربع سنوات وحصل على شهادة البكلوريوس وبتفوق. لم يقف طموحه عند ذاك فتقدم لدراسة بكالوريوس التاريخ وبجهود مستمرة مضنية تخرج وبتفوق كذلك. كان حديثنا عند إجراء العمليات الجراحية الطويلة عندما يسمح لنا الوقت، يشمل ما تعلمه في هذين الاختصاصين فكنت أستفيد من معلوماته وأستزيد خبرة منه لشواهد تاريخية مهمة درس تفاصيلها.
وقد علمت بعد ذلك أنه قد أكمل دراسة بكلوريوس حقوق وبعدها بدأ بدراسة على البعد مع جامعة إسلامية في لندن لدراسة الفقه الإسلامي.
أحب الخير وقدمه بدون مقابل ومن ذلك فقد كان “مدمناً” على التبرع الدوري بالدم حيث تبرع حسب علمي بما يزيد على المائة قنينة دم.
عشق التدريس فأصبح مع عمله في الشعبة تدريسياً في الكلية التقنية في مؤسسة المعاهد الفنية في بغداد لتخريج مساعدي التخدير وكان يأخذ واجباته التدريسية بكل جدية وإخلاص. ولقد شجعته كثيرا وكنت أفخر بأنه كان من أفضل أساتذة تلك الكلية.
كنتُ وبقيتُ أحبُه كأخ وعزيز وأحترمه كزميل وكعضو مهم في فريق عملنا، أفرح لفرحه وأتألم لألمه. فحينما علمت بوفاة المرحومة زوجته قبل سنتين تقريباً واسيته هاتفيا ودعوت الله أن ينعم عليها بالرحمة وعليه بالصبر.
بالرغم من فراقنا منذ عام 2004 ولحد الآن فإن جذوة موقعه من القلب لم تخبُ وكنتُ بين الحين والحين أتواصل معه بالمراسلة أو على الهاتف لأستمتع بحديثه وأطمئن عليه وعلى أهله.
فقدتكَ يا مازن فقدَ أخٍ وصديق لن يعوّض وأسال الله أن يسكنك جنة الفردوس وأن يحشرك مع النبيين والصالحين وأن يمن بالصبر والسلوان على محروسيك الدكتور المهندس جعفر والمهندسة مريم والصيدلانية أديبة وعلى آل خصباك وعلى كل محبيك.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الدكتور مازن جعفر خصباك اختصاصي التخدير ورئيس الوحدة في شعبة الجراحة العصبية ورفيقي في العمليات الجراحية طوال سنوات عملي في مستشفى الجراحات التخصصية.
الأستاذ الدكتور مازن عبد الحميد السامرائي*
خسارة لا تعوض
أخي الأستاذ الدكتور منذر التكريتي وأخي الاستاذ الدكتور محمود حياوي المحترمين
ببالغ الأسى والألم تلقينا نبأ انتقال أخينا الأستاذ الدكتور مازن عبد الحميد إلى الرفيق الأعلى في يوم الخميس الثاني من محرم الموافق 15/10/2015. لقد كانت صدمة كبيرة وفاجعة حلت بعائلة الدكتور مازن وبكل من عرفه كصديق وزميل وطالب وبكل المجتمع العلمي والثقافي العراقي وخارجه. لقد وفى أخي الدكتور محمود بمرثيته وأدى حق الأخوة وليس لي أن أزيد على ذلك إلا أن أقول لقد كان مازن عالما مؤطرا بتواضع العلماء ومحبا للعراق وأهله وقد بذل حياته في سبيلهما بما أمكنه الله من علم وثقافة. فقدته شخصيا صديقا صدوقا وأخا عزيزا طالما عملنا سوية في مجالات علمية وثقافية مشتركة وستبقى ذكراها العبقة عالقة أمامي مادمت حيا. أسكنه الله فسيح جنات خلده وحشره مع النبيين والصديقين والصالحين وأحسن مثواه. ألهم الله عائلته ومحبيه الصبر والسلوان
* الأستاذ الدكتور مازن عبد الحميد كاظم السامرائي أستاذ الهندسة الكهربائية من مؤسسي الجامعة التكنولوجية في بغداد ثم عميد كلية الهندسة جامعة صدام (النهرين) وعضوا في المجمع العلمي العراقي
الأستاذ الدكتور مجيد السكافي*
خسرنا الحلم والخلق المزكّى
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خسرنا الحلم والخلق المزكّى خـسرنا هـيبة الرجل المثالي
إذا سلب الردى منا “مجيداً” فذكره سوف يحيا في الخيال
نجتمع اليوم، 19 كانون الثاني 2019، لنعزي أنفسنا بفقدان عزيز على قلوبنا الأستاذ الدكتور مجيد حميد السكافي رحمة الله على روحه الطاهرة.
عرفت مجيداً سماعاً وأنا طالب في الثانوية في النجف حينما كنا نزور صديق العائلة خاله المرحوم عبد الأمير السكافي الذي احتضن رعاية إخوته منعم وعدنان وفاضل بعد وفاة والدهم المبكرة.
كان مجيد قد غادر إلى أمريكا ولم ألتق به شخصيا بل أسمع عنه من خاله ومن زميل دراستي أخيه فاضل.
إلتقيت به لأول مرة عام ٢٠٠٩ عندما عقد مؤتمر الأكاديميين العراقيين. في المؤتمر تم تكريم المشاركين من الأكاديميين الذين بلغوا أو تجاوزوا الثمانين من العمر حيث كان مجيد من ضمنهم. توثقت علاقتنا بانتسابه إلى منظمة توفيق التي ساهم في تأسيسها وكان عضواً في هيئتها الإدارية. ساهم معنا في فعاليات المنظمة حيث كان مؤمناً بهدفنا السامي في خدمة العراق بوساطة التعليم العالي والصحة. كان القوة الفاعلة في كل نشاط ومؤتمر أقامته المنظمة ويبعث وجوده وحديثه النشاط والهمة في نفوسنا جميعاً.
ولد الدكتور مجيد في النجف الأشرف عام 1932. درس في مدرسة السلام ومتوسطة الخورنق وثانوية النجف. لتفوقه في الدراسة منح بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة حيث وصل إليها عام 1958. حصل على البكالوريوس من جامعة ولاية أوكلاهوما ثم الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة ولاية لويزيانا عام 1965. تدرج في المراحل الأكاديمية إلى أن حصل على درجة الأستاذية ثم أستاذ متميز distinguished professor في جامعة ألاباما في برمنكهام. تقاعد واستقر في مدينة ريشموند حيث أصبح عضواً فاعلاً في نشاط الجالية في المدينة.
فضلا عن جمال طلعته وهيبته فقد تمتع بخلق مثالي ويحمل قيماً إنسانيةً قلَّ مثيلها. هاديء الطبع، مستمع جيد، متحدث لبق، سهل التعبير باللغتين العربية والإنكليزية. رحلت يا صديقي وسنرحل نحن عن قريب أو بعيد وننزل منازل كما نزلت ونقف بين يدي الملك القدوس يوم الوعيد وهذه سُنة الله في خلقه انه لا يبقى سواه.
نعزي الأخت الفاضلة زوجته السيدة أم بهاء على مصابها وفقدانها لمن رعاها والذي رعته هي بأفضل رعاية في صحته ومرضه. وأذكر بالعرفان وقفة الأخ الكريم الأستاذ نزار حيدر لما قدمه مما يؤمل من صديق لصديقه وأخٍ لأخيه.
“رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.”
صدق الله العلي العظيم
إن قلوبنا وعقولنا مطمئنة أيها العزيز مجيد بأنك من أصحاب اليمين. فنم قرير العين برعاية رب رحيم جزاء ما قدمته من عمل صالح في كل مراحل حياتك. فلقد غادرت الدنيا من حولك أفضل مما وجدتها.
رحمك الله وأسكنك فسيح جناته وحشرك مع النبيين والصديقين والمعصومين والصالحين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور مجيد السكافي أستاذ علم الاجتماع في عدة جامعات أمريكية وعضو فعال في منظمة توفيق ، ألقيت في الحفل التأبيني في مدينة ريجموند في أمريكا
الأستاذ الدكتور محمد جواد رضا
خسارة عالم تربوي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلامُ عليكم أيها الجمعُ الكريم
”قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ“ صدق الله العظيم.
نجتمعُ اليومَ لاستذكارِ علمٍ من أعلامِ التربيةِ والتعليمِ في العراق والوطن العربي الذي غادرنا إلى جوارِ ربِّه في يوم الثلاثاء الثامن من مايس من هذا العام 2012 . عَلَمٌ أفنى جُلَّ حياتهِ في معالجةِ قضايا الأمةِ العربيةِ في مجال التربيةِ وتخرَّج على يدهِ الكثيرُ من الباحثين. ساهمَ مساهمةً فاعلةً في مسيرةِ التعليم بتأليفهِ الكتبَ التخصصيةَ والعامةَ والنشرِ في وسائلِ الإعلام والتدريس في العديدِ من جامعات الوطن العربي وخارجِه.
كان صاحبَ فكرٍ واضحٍ ومبادئَ تربوية حديثة، كرّسَ معظمَ ما ألفه لعرضه وتفسيره وتقديم التطبيقات العملية عليه، من خلال نقدٍ علميٍّ منهجيٍّ لما هو رجعيٌ سائدٌ وتقليديٌّ متخلفٌ في التربيةِ المدرسية. وصفه أحدُ مريديه بأنه “مثقَّفٌ عالي المستوَى، له تميُّزُهُ وخبراتُه وقراءاتُه وعُمقُ تفكيره. والأدقُّ في الوَصف: شفافيَّتُهُ وقوَّةُ حُجَّتهِ ومنطقهِ… أكاديميٌّ مُتمِّرسٌ، له خبراتهُ مُنذ سنواتٍ طِوال في فلسفةِ التربية المُعاصِرَة، وله باعُه المؤثِّرُ في تقديم خبراتٍ واقتراحاتٍ واستشارات… عربيُّ النَزعةِ والهوَى، له مواقفهُ السياسيَّة القوميَّة التي دفعَ ثمنَ تمسُّكِهِ بها غاليًا.
وعلى العُموم فقد سعى هذا المفكِّرُ لقلبِ نُظُمِ التربيةِ والتعليم المطبَّقةِ في الوطن العربيّ، من كَونِها تعتمدُ على الذاكرةِ والحفظِ تحضيرًا للامتحان، الذي يعتمدُ على مَدى حفظِ الطالب للمَوادِّ التي تلقَّاها من المعلِّم، إلى جعلها عمليَّةَ توَاصُلٍ وحوارٍ وتبادُلِ رأيٍ ومَعارف وبحثٍ مُستمرّ. وقصْدُه الأخيرُ من ذلك تأسيسُ عَقل الطالبِ على حريَّةِ التفكير والإبداع بعيدًا عن التقليدِ والاتِّباع.”
ولـِدَ المرحوم عام 1931 وحصل على بكالوريوس في الأدب العربي والتربية عامَ 1951 من جامعة بغداد وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة مشيغان عام 1959.
ألـَّف من الكتب ما يربو على العشرينَ كتابا في مجال التربيةِ والأدبِ والتعليم والاجتماع وحقوق الإنسان والثقافة.
في مجال التعليم بدأ بالتدريس منذ عام 1953 وبعدَ اكمالِه الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة بدأتْ رحلتُه التربوية ُالقيادية ُفي جامعة لبغداد عام 1959 وحتى 1963 وبعدها التحق بجامعةِ أم القرى في مكة المكرمة ليعودَ بعدَها عام 1967 إلى جامعة بغداد التي غادرها إلى جامعة الكويت عام 1968 ثم غادرها أستاذا إلى العديد من الجامعات العربية في الأردن والبحرين إلى أن استقرَّ به المطافُ في الولايات المتحدة.
تسلـَّم المناصب الإدارية القيادية المتعددة ففي الكويت كان عميدا لكلية الآداب والترجمة وبعدَها عميدا لمعهدِ المدرسين العالي في بغداد ثم عميدا لكلية الآداب والعلوم في جامعة عمّان الأهلية.
كان للملحقيةِ الثقافية في واشنطن شرفُ تضييفه والأساتذة الدكاترة حسين طعمة، مؤيد الحسيني، محمود ثامر، مهدي الصندقجي، ومهدي العبيدي في واشنطن في تموز 2008 للمشاركة في اجتماع مهم لوضع الصيغةِ المُثلى لقبول طلبةِ البعثات في العراق. ومن هذا اللقاء الذي استغرق يوما كاملا ثـُبتت أسسٌ عادلة شاملة تتماشى مع العصر لإسلوبِ اختيار الطالب المتقدم إلى البعثة وكان المرحوم الرائدَ في الأفكار والمقترحات.
فلسفتـُه في التربية لخّصَها في ظهر كتابه “إعادة البناء التربوي للعراق إستعادة الذات الوطنية” الذي أصدره عام 2008 حيث قال: إن سلوكـَنا الاجتماعيَ يتميزُ بدرجةٍ عاليةٍ من الحدية. فالأشياءُ عندنا أما خطأ وإما صواب ولا مكانَ بين المنزلتين. والمواقفُ من هذه الاشياء إما الرفضُ وإما القبولُ مع تجاهل احتمالات التعامل المرن والتسليم للزمن بحقِه في توضيح الرؤيةِ أو تنضيج الحلول. والأشخاصُ إما خصومٌ وإما أصدقاء، إما أعداء وإما أولياء…. إن تحريرَ الأجيال العراقية الجديدة من إسار (البعد الواحد) يجب أن يكونَ مقصدا تربويا رئيسا يمكن التماسُه بإشاعةِ ثقافةِ الحوار وتدريبِ المتعلمين عليها”
وضعَ خارطة َطريق ٍ للإصلاح التربوي في الوطن العربي حينما أكدَ على إن الطريق إلى الإصلاح التربوي في ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻌربي ﻟﻴﺲ ﻗﻀﻴﺔ َ ﺩﺭﺱ ﻭﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻌﺎﻧﺔٍ بخبراءَ ﺃﺟﺎﻧﺐ، وإنما ﻫﻲ في المقام ﺍﻷﻭﻝ والأخير قضية إرادة. وخير المداخل الإجرائية إلى الإصلاح أن نبدأ بواقع التربية العربية المعاصرة باستعمال سمطين ﻣﻦ أسماط المؤﺷﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ… ﺃﺣﺪُهما ﻳﺮﺻﺪُ ﻣﺎ أُنجز ﻭﺍﻵﺧﺮُ ﻳﺮﺻﺪُ ﻣﺎ لم ﻳﻨﺠﺰْ، ﻭﻣﻦ ثـَمَّ ﻧﻀﻊُ ﻧﺴﻘﺎ ﻣﺘﻜﺎﻣﻼ ﻹﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻳـُﻠﺤﻖ المؤﺳﺴﺔ َﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ َبحرﻛﺔ ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕ الحضارية الحادثة في ﺍﻟﻌﺎلم.. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ القصدُ من ”ﺧﺎﺭﻃﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻺﺻﻼﺡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺍﻟﻌﺮبي”
كان رحمَهُ اللهُ من المؤمنين بشدة بالالتزام بالخـُلق القويم كأساس ٍمن أسس التربية والحياة وقد أشارَ خلالَ مقابلة صحفية ثقافية بقولهِ: حينما يكونُ النبلُ والخلقُ الكريمُ سيدَ الموقفِ في أيِّ حوار ، وحينما تكونُ العقولُ قد استوعبت ثقافة َالاختلاف ، وحينما يكونُ احترامُ الرأي الآخرِ رغم الاختلاف هو الشعار ، وحينما يكونُ النهجُ العلميُّ والبحثُ والتقصي والانفتاحُ والمنطقُ اساسَ الحوار .. عندها ، فلا غرابة َفي انْ نلتقيَ وأن يتحولَ تباينُ الافكار والآراءِ بيننا إلى إضافةٍ لجسدِ الثقافةِ ونمائِها وبهائِها وجمالِها ، وأن يكونَ ذلك الاختلافُ أداةً للجمع والتوافق والائتلافِ وتكونَ المقولة ُ(اختلافُ الرأي لا يفسدُ للود قضية) ، حقيقة ً يمارسها الجميع.
وختاما أرددُ ماقاله المرحومُ على الدوام:
“الحياة ُمواقف .. والمواقفُ ساحاتُ اختبار للأصيل من المعادن”
لقد كنت أيها المربي والعَلـَمُ والانسانُ، ذلك الأصيلَ من المعادن صاحبَ المواقف. وفزتَ باختبار الحياةِ وستبقى ذكراكَ خالدة بما خلفتَ من كتابٍ ينتفعُ بهِ وأولادٍ صالحينَ يدعونَ لك وذكرٍ حسنٍ خالدٍ في نفوس محبيك وطلابـِك.
وليس لنا إلا أن نؤمنَ بأنَّ للحياة نهاية ًحتمية ً ولايمكنُ للطبِ أو غيرِه أن يغيرَ هذا المسارَ الأبدي فقد أعيى دواءُ الموت كلَّ طبيب:
وقبلـَـك داوى الطبيبُ المريضَ فعاش المريضُ ومات الطبيب
وكــن مســتعداً لــدار الفـناء فـإن الـذي هـو آت قــريـب
لفقيدِنا المرحومِ السعادةُ الأبدية في جنةِ الفردوس بصحبةِ النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
إلى الفاضلة السيدة أم معتز وللمحروسين من أبنائِه والأهلِ جميعا نتقدم بالعزاء راجينَ الله أن يلهمَهم الصبر والسلوان. والشكرُ والتقديرُ لحضوركم الكريم أيها السيدات والسادة.
ولاحول ولاقوة إلا بالله، العليِّ القدير، مالكِ الملك، الأولِ والآخر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الاستاذ الدكتور محمد جواد رضا اختصاصي التربية والتعليم والخبير المعروف على مستوى العالم العربي
الأستاذ الدكتور محمد علي خليل*
في ذمة الخلود
“كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون”
بقلوب مفعمة بالأسى والحزن والحرمان ننعى انتقال الأستاذ والطبيب والمربي والمرشد الدكتورمحمد علي خليل المدامغة رحمه الله، إلى الفردوس الأعلى.
تتلمذنا على يديه وزرع فينا نحن طلبته أسس الطب القويم والخلق الطبي حيث كان مثالا حيا لكليهما. كنا نتشوق للذهاب للردهة الثامنة في المستشفى الجمهوري حيث عمل الأستاذ محمد علي فهو صاحب العلم الحديث والشباب والحيوية والهدوء والرغبة اللامنتهية في إيصال المعلومة للطالب.
ولد المرحوم في الشهر العاشر من عام 1929. تخرج في كلية الطب عام 1953 وحصل على عضوية كلية الأطباء الملكية البريطانية عام 1962 وعلى زمالة كلية الأطباء الملكية البريطانية في إدنبرة عام 1974.
عمل مقيما في المستشفى الملكي ” الجمهوري” من عام 1953 وحتى 1961. وعمل استشاريا في المستشفى الجمهوري عام 1962. ثم التحق بكلية طب جامعة بغداد كعضو هيئة تدريسية عام 1963. وفي عام 1976-1977 باشر في جامعة كاليفورنيا (سان دياغو) كزميل باحث.
أصبح رئيس فرع الطب الباطني في الكلية عام 1977-1978. أختير لعمادة الكلية للعامين 1978- 1979 فكانت الكلية في تلك الحقبة تمثلها القيم النبيلة والتعامل الإنساني والمستوى الأكاديمي الرفيع بما كان يتمتع به رحمه الله.
وفي عام 1979 أحيل إلى التقاعد وهو في أوج نشاطه وعطائه مع العديد من الأساتذة الأكارم، وبالرغم من هول الصدمة آثر أن يبقى في العراق ليقدم ويستمر في تقديم الرعاية الصحية للمجتمع وأن يبقى مثلا أعلى يحتذى به.
واختير من عام 1988 إلى 2003 رئيسا للجنة المشرفة على المجموعة الطبية في الجامعة المستنصرية.
كانت حياته الطبية حافلة بالنتاج العلمي الغزير والمساهمة في تطوير الكلية فأنشأ عيادة الغدد الصماء في مدينة الطب عام 1972 . وفي عام 1971 وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية حقق مشروع تجديد عملية توثيق سجلات المرضى في مدينة الطب. وكذلك بدأ بنظام إحالة المرضى بين الاختصاصيين بإسلوب حديث. ساهم في استحداث قانون التفرغ الطبي عام 1972. وفي عام 1986 ساهم مساهمة فاعلة في إنجاز قانون الصحة العامة، قانون وزارة الصحة وقانون التدرج الطبي. أشرف على العديد من طلبة الماجستير والدكتوراه، ونشر العديد من البحوث في المجلات العالمية المرموقة مثل اللانسيت وغيرها.
في حفل التكريم الذي أقيم عام 2009 في واشنطن لأربعين من الأكاديميين العراقيين في الولايات المتحدة الذين بلغوا أو تجاوزوا عمر الثمانين عاما كان المرحوم من ضمن المكرمين. وقد طلبنا من كل مرشح أن يوجه نداء إلى الشباب في مجال مهنته. فكانت نصائح الأستاذ محمد علي (أذكرها باللغة الانكليزية كي يكون التعبير الموجه من لسانه مباشرة وكما كتبه شخصيا):
1. Put your soul to medicine: the more you will enjoy it.
2. While medicine is getting increasingly molecular, don’t lose the human side of it.
3. In clinical practice the more you interact with patients, the more pleasure you will drive, the more grateful and trusting the patients are, the quicker the illness heal.
4. Never forget the code of medical ethics
5. Never look down on others’ opinions, they might be right and you might be wrong.
6. Stay abreast with the latest developments in your field, or you will lose the trust of your juniors.
7. Always question the present “facts”, they are not the final words.
أصيب المرحوم قبل شهور طوال بجلطة دماغية كبرى أعيته عن الحركة. كم كنت سعيداً ان أتحدث معه بالهاتف عدة مرات بعد أن تحسنت حاله وتمكن من الحديث وليس ترك السرير. كنا نأمل أن يشفى مما هو فيه بفضل الرعاية الطبية ورعاية الأهل الأكارم، ولكن مشيئة الله سبحانه كانت قد قدرت انتقاله إلى جواره جل وعلا “فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون”.
بفقدك ياسيدي هوت نجمة أخرى من نجوم الطب المضيئة في سماء العراق ولكنك ستبقى أبدا في قلوب الجميع من مرضى وطلبة ومحبين وكل المجتمع العراقي.
رحمك الله أبا عارف وأحسن مثواك وأسكنك جنة الفردوس وجمعك مع النبيين والصديقين.
نعزي الأستاذة الفاضلة الكريمة الدكتورة لطيفة القفطان والأعزاء الدكتور عارف والدكتورة زينا والمهندسة لينا وكل الأهل، وألهم الله الجميع الصبر والسلوان.
ونعزي أنفسنا بهذا المصاب الجلل…. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الأستاذ الدكتور محمد علي خليل المدامغة أستاذ الطب الباطني في كلية طب بغداد ثم عميد كلية طب بغداد
الأستاذ الدكتور محمود الجليلي
رحيل مرجع في الطب والعلوم
“يا أيتها النفس المطمئنة ʘ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ʘ فادخلي في عبادي ʘ وادخلي جنتي”
فقد العراق وفقدت الأمة العربية والموصل الحدباء في السادس عشر من تشرين الثاني 2011 علماً من أعلام الطب والعلم والثقافة والمبدأ الثابت، هو العلامة الطبيب والمعلم الأستاذ الدكتور محمود الجليلي رحمه الله وأحسن اليه. كتب العديد من أساتذتنا وزملائنا ما يليق بصاحب الذكر الحسن المرحوم الأستاذ الدكتور الجليلي “وإنما المرء حديث بعده فكن حديثا حسنا لمن روى”.
في كلية الطب تبدأ مرحلة الدراسة السريرية في الصف الرابع وتستمر حتى الصف السادس حيث التخرج. هناك تعرفنا على جل أساتذتنا في أغلب الاختصاصات إما مباشرة أو بالسماع عنهم. وكان للمرحوم الأستاذ الجليلي وقع خاص لدى الطلبة حيث كان ذلك الأستاذ العالم المهيب المتفاني الدؤوب الذي أعطى كل وقته للتعليم والعمل. كان شديد المراس لا يثنيه عائق عما يؤمن به، وكان يمنح جل جهده ووقته للكلية والمستشفى ولم يأبه كثيرا بالعيادة الخاصة.
كان الأستاذ الجليلي رئيس لجنة امتحاني بالطب الباطني في نهاية الصف السادس. وبالرغم مما عرف عنه من الصرامة والشدة فقد أثبت في تلك اللحظات العصيبة التي كان يمر بها الطالب بأنه ذلك المربي الفذ اللين العريكة المريح للنفس. ولله الحمد كنت عند حسن تقديره وتخرجت الأول على دفعتي في الكلية.
عند تعييني عام 1968 في المستشفى الجمهوري كمقيم سنة أولى تسنمت مسؤولية الردهة السادسة بسبب قلة المقيمين الأقدمين في تلك المدة حيث استلمت وجبتنا من المقيمين الدوريين المسؤولية كاملة في مختلف الردهات بدون مقيم أقدم، وهذه حالة غير معهودة. كان الأستاذ الجليلي هو المسؤول عن الردهة السادسة وشاركه فيها الأستاذ الدكتور زهير قصير ومن بعد ذلك التحق بهما الدكتور قيس الملي. عند مباشرتي حاولت أن “أجدد” تنظيم غرفة الطبيب المقيم على يسار مدخل الردهة. كانت إحدى زوايا الغرفة مكدسة بملفات وعلب لم يدخلها النور لسنوات عديدة كما تبدو في حينها. وعند القيام بتفريغ الرفوف شاهدت ما بهرني ولحد الآن. كانت هناك على الرفوف العشرات من القناني الصغيرة بحجم 30 مليلتر محكمة الغطاء وتحوي سائل الفورمالين تسبح داخلها أكباد فئران مختبرية. ذكر لي الأستاذ زهير قصير بأن تلك كانت بقايا البحوث التي قام بها الأستاذ محمود الجليلي في الأربعينيات من القرن.
كان رحمه الله مولعا بالبحث في أسرار تشمع الكبد. بهرني هنا الأستاذ محمود كباحث حيث أن القيام بالبحوث المختبرية من قبل أستاذ الطب السريري في ذلك الوقت شيء غير متعارف عليه وطريق لا يسلكه كثير من الأطباء. أحنيت رأسي أمام هذا المربي والرائد وعرفت حينئذ بأن الربط بين العمل السريري والبحث المختبري ممكن ومهم.
مما يذكر بالعرفان للأستاذ المرحوم الجليلي أسلوب تدريسه المتميز النظري والعملي وكذا تنظيمه ومتابعته للبرنامج التعليمي لطلبة المراحل السريرية. إستحدث برنامج الحلقات النقاشية للطلبة فوزع الطلبة على مجاميع لكل مجموعة أستاذ يشرف عليهم من قسم الباطنية ووفق جدول منظم حيث يبدأ البرنامج صباحا وفي تمام الساعة الثامنة ولمدة ساعة واحدة. وترى الجليلي وكأنه في الميدان العسكري وبكل حرص وتفان يتفقد كل المجاميع والويل لمن لم يحضر من الطلبة “والأساتذة”! وقد كان هذا البرنامج رديفا مهما جدا للتدريس النظري والسريري.
كنت مرة قرب الهاتف حينما اتصل الجليلي بأحد الأساتذة الذي كان قد تأخر عن الحضور عن موعد الحلقة النقاشية مما عجل بحضوره وبقي ينتظره لحين حضوره!
ترأس المرحوم الجليلي قسم الطب لسنوات عديدة فكان الساهر على مصلحة الطلبة والمرضى والكلية على حد سواء، وغادر كلية طب بغداد حين استلم مسؤولية جامعة الموصل الفتية عام 1967 والتي رعاها وساهم في جعلها منارا للعلم في عراقنا العزيز.
كان متفانيا في تطبيق النظام بدرجة لا لين فيها مما يؤجج بعض النفوس أحيانا. وتكمن قوته هنا أنه لا يتوخى من ذلك أية مصلحة شخصية وكسب ذاتي. كان رحمه الله مثلا أعلى في سبيل خدمة المرضى وإرساء أصول المهنة وعدم التفريط بالوقت والجهد إلا بما يفيد.
وبالرغم من شواغله والتزاماته السريرية وإدارة قسم الباطنية ورئاسة جامعة الموصل وغير ذلك من المسؤوليات والنشاطات، كانت له الرغبة والقدرة على الولوج في بحور العلم الأخرى خارج الطب السريري. فتراه رائدا في تاريخ الطب العربي الإسلامي فبحث وكتب عن ذلك. وحمل مشعل التعريب واستحداث معجم طبي موحد للوطن العربي فساهم مع الأساتذة الرواد الاخرين د. جميل عانوتي (لبنان)، ود. حسني سبح (سوريا)، د. سعيد شعبان (الجزائر)، ود. الصدّيق الجدي (تونس)، ود. عادل حسين لطفي (مصر)، د. عبداللطيف البدري (العراق)، د. عبداللطيف بنشقرون (المغرب)، د. محمد أحمد سليمان (مصر)، د. محمد هيثم الخياط (سوريا)، د. مروان المحاسني (سوريا)، و د. أحمد عبد الستار الجواري، في تأليف المعجم الطبي الموحد الذي تبنته منظمة الصحة العالمية في القاهرة. وكذلك وبفضل جهوده الخيرة تم إصدار الطبعة الثانية للمعجم في جامعته؛ جامعة الموصل عام 1978.
زرت لندن عام 2010 واتفقت مع الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور إسماعيل الجليلي أن أزور الأستاذ محمود في الفندق الذي كان يقيم فيه حينما كان في زيارة إلى لندن. ومما يؤسفي ويؤلمني شخصيا هو عدم قدرتي على اللقاء به حينما حالت دون ذلك ظروف قاهرة. ولكن ما يخفف ذلك أني تحدثت معه بالهاتف وأبديت له ما يجب من العرفان والتبجيل.
رحم الله أستاذنا الجليل، الجليلي، الذي أفنى حياته في العمل على رفعة شأن الطب في عراقنا والوطن العربي وساهم مساهمة رائدة في إرساء الخلق الطبي وآمن برعاية لغة القرآن واستثمار ثرائها في لغة الطب وأعطى مثلا صالحا في الإيثار ونكران الذات والتفاني في أداء الواجب الذي تجاوزه كثيرا لتقديم الأكثر والأفضل.
ستبقى ذكراه منارا للأجيال المقبلة وستبقى سيرته نبراسا يضيئ الدرب لمن يعمل على خدمة المبدأ والنفع العام ويتمثل فيه بصدق الحديث النبوي الشريف أن “خير الناس من نفع الناس”.
أسكنه الله فسيح جناته وحشره راضيا مرضيا مع النبيين والصديقين وألهم ذويه وطلابه ومرضاه ومحبيه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور محمود الجليلي أستاذ الطب الباطني ورئيس فرع الطب الباطني كلية طب بغداد ثم رئيسا لجامعة الموصل
الدكتور مصطفى الورد*
“ليس بالإمكان أحسن مما كان!”
إنها لصدمة وفاجعة خبر انتقال الأخ والعزيز والصديق أبا محمد، الدكتور مصطفى الورد إلى جوار ربه.
خدم المرحوم طب وجراحة القلب والأوعية الدموية منذ ستينيات القرن الماضي خدمة صادقة ومتميزة إذ عمل في مستشفى ابن النفيس في بغداد. حمل لواء الاختصاص في ذلك الصرح العلمي الصحي مع إخوة له منهم الأخ الدكتور فيصل حبة والأخ الدكتور صديق الخشاب وغيرهم. قال عنه مدير مستشفى ابن النفيس الدكتور حسين الكعبي: “كان رحمه الله أبا وصديقا لكل الجراحين ومن أهدافه تطوير جراحة القلب في العراق فكان لا يبخل بأية معلومه لطلابه”.
كنت قد تحدثت معه بالهاتف قبل أسابيع قليلة واستعدنا ذكريات الماضي الجميلة وما نحن فيه من واقع أليم. إستعدنا مقولته الشهيرة التي كان يرددها منذ عام 1981 حينما كنا نلتقي في مستشفى العمارة أيام الحرب العراقية الإيرانية وهي: “ليس بالإمكان أحسن مما كان”. لقد أثبت الزمن صدق مقولته وعلى مر العقود.
لم أستطع كبح جماح دموع سالت من عيني، دموع الحزن على فقدانك أيها الأخ الوفي والوطني الشريف. لقد كنت نعم الطبيب ونعم الإنسان ونعم الصديق ونعم المعلم.
غادرتنا يا مصطفى وتركتنا نتجرع الألم والأسى على فقدانك وفقدان العديد من إخوتنا وأخواتنا الذين حرموا من استنشاق نسمات هواء الوطن في لحظاتهم الأخيرة.
إِلى اللَهِ أَشكو لا إِلى الناسِ أَشتَكي أَرى الأَرضَ تَبقى وَالأَخِلّاء تَذهَبُ
أَخِـلّايَ لـَو غَـيرَ الحِـمامِ أَصابَكُم عَتِبـتُ وَلـَكِن مـا عَلى المَوتِ مُعتَبُ
ألهم الله ولدك وحبيبك محمد والفاضلة الدكتورة آمال وآل الورد الأحبة ومتعلقيهم وكل محبيك ومرضاك وطلابك وزملاءك الصبر والسلوان.
ستبقى في قلوبنا وعقولنا ما دمنا أحياء وستبقى ذكراك في كل مرفق من مرافق الحياة الطبية في العراق وخارجه.
رحمك الله وأسعدك في سفرتك السماوية وحشرك مع الأنبياء وأجدادك الأكرمين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الأستاذ الدكتور مصطفى هاشم الورد اختصاصي جراحة القلب والأوعية الدموية والصدر
الأستاذ الدكتور مهدي مرتضى*
فقيد العراق والطب
يعز علينا ويملأ قلوبنا الحزن بانتقال علم آخر من أعلام الطب العراقي الأستاذ الدكتور مهدي مرتضى إلى دار الخلود وهو بعيد عن وطنه الذي أحبه وتمنى ألّا يتركه، ولكن “إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون” صدق الله العظيم.
سمعت بالأستاذ المرحوم مهدي مرتضى وأنا في الصف الرابع في كلية الطب، جامعة بغداد، ولكن للأسف لم أوفق بأن أتتلمذ على يديه مباشرة في الردهات الطبية في المستشفى الجمهوري ولا المحاضرات النظرية. ولكن وجوده كان ظاهرا في آفاق الطب تعليما وبحثا. إلتقيت بالمرحوم في مناسبات علمية عديدة؛ كطالب وطبيب مقيم وأخيراً كعضو في الهيئة التدريسية في كلية الطب وكنت من المبهورين بكفاءته الطبية وبهدوئه وخلقه العالي.
لقد عُرف عن المرحوم بأنه شعلة نشاط وحيوية شغوفا بحب عمله وخدمة الجميع بأفضل صورة، لا تفارقه الابتسامة الهادئة التي تبعث الثقة بالنفس لدى الطلبة والمقيمين والمرضى.
عرفت الأستاذ مهدي رحمه الله كباحث فضلا عن تميزه في الطب السريري بوساطة بحث كان قد نشره في مجلة الكلية الطبية العراقية في الستينيات من القرن الماضي. كان البحث حول الجلطة الدموية الوريدية في الساقين عند المرضى الراقدين في العناية القلبية المركزة.
في مرحلة تدريبي في المملكة المتحدة وفي عام 1975 لفت نظري أن نسبة الإصابة بالجلطة الدموية الوريدية في الساقين عند المرضى الراقدين في قسم الجراحة العصبية في المستشفى الجامعي في ليدز أعلى بكثيرعما وجده الأستاذ مهدي عند المرضى العراقيين بالرغم من تشابه الظرفين. حفزني ذلك على أن أقوم ببحث مقارن مفصل بشأن تلك الاصابة وبمشاركة اختصاصي أمراض الدم الشهير الأستاذ الدكتور بيتر كيرنوف (قبل انتقاله إلى الكلية الجامعة في لندن) وفريقه في قسم ومختبر أمراض الدم. فكان بحث الأستاذ مهدي من الرصانة بمكان بحيث اعتمد كمرجع مقارنة موثوق به.
في العام 1979 شملته النكبة التي حلت بكلية الطب حينما أحيل على التقاعد مع المجموعة الخيرة من أساتذة الكلية وهم في قمة عطائهم والذين لم يتسنًّ لهم تسليم الراية الطبية للجيل الذي تلاهم ما سبب انتكاسة في مسيرة الطب في العراق.
خلال التحضير للمؤتمر الذي عقد في الأكاديميات العلمية الوطنية الأميركية لجمع الجالية العراقية العلمية في الولايات المتحدة عام 2009، سعدت بالحديث معه على الهاتف وقدمت له الدعوة بأن يساهم كأحد الكواكب الساطعة في المؤتمر ولكنه اعتذر بسبب سوء صحته.
أقول أنه لا يسعني أن أضيف على ما سطره الفاضل سلام كبة في تأبينه الموسوم “رحيل الدكتور المتمرد مهدي مرتضى”، إلا أن أذكر بأن المجتمع الطبي في العراق والوطن العربي قد خسر بفقدان الأستاذ مهدي مرتضى قمة من قمم الطب لا يمكن تعويضها، وبرحيله طويت صفحة ناصعة أخرى من تاريخ الطب العراقي وخسرنا مثلا أعلى في الخلق الطبي والتفاني في خدمة القيم الإنسانية والطبية والتربوية.
أعزي عائلة الفقيد؛ وعديله أخي الأستاذ الدكتور سعد الوتري وقرينته، وكذا كل من زامل المرحوم وعمل معه في مسيرة الطب، ومن تتلمذ على يديه، ومن رافقه في طريق الحياة الشاق الذي سلكه في الأيام العصيبة التي مر بها في سنوات حياته الحافلة.
وأدعو الله جل وعلا أن يلهم الجميع الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الأستاذ الدكتور مهدي مرتضى أستاذ الطب الباطني في كلية الطب جامعة بغداد
الدكتور نبيل مجيد ناصر*
عزيز غادرنا مبكراً
“آه من من سفرة بغير إياب آه من حسرة على الأحباب”
إلى الأخت والزميلة الفاضلة نزيهة المرجاني المحترمة
تحيةٌ الأخوة والاعتزاز
صعقت عند وصول إيميل من أخي فائق الحداد نقلا عن الأخ سعدي الجادر ذكر فيه نبأ انتقال الأعز نبيل إلى رحمة ربه. تحاملت وبقيت ساهرا حتى ساعة متأخرة من الليل كي أتحدث معك على الهاتف في وقت يناسب التوقيت المقبول في الإمارات. وهكذا كان وبكينا معا على العزيز الفقيد الذي قل مثيله في خلقه وطيبته وشهامته وحبه لوطنه ولأصدقائه. تذكرنا الأيام الخوالي أيام الكلية حين عشنا جميعا لست سنوات أحلى أيام عمرنا. تذكرنا حفلة التخرج حيث كانت آمالنا الكبيرة في مستقبل يضمن لنا التفوق والهبة الربانيةٌ في خدمة بلدنا وأهلنا، تذكرت أيام الخدمة العسكرية حينما زرته مع مجموعة من زملائنا الأحبة في معسكر الديوانية حيث كان مقر خدمته، وأيام الإقامة السعيدة في المستشفى الجمهوري. تذكرت حفل اليوبيل الفضي لدورتنا في فندق الرشيد في بغداد الحبيبة وتذكرت بعدها الأيام الحلوة حينما كنا نلتقي في الإمارات الشقيقة وزرناكم في بيتكم هناك.
الدكتور نبيل مجيد ناصر اختصاصي الجراحة العامة، من زملائي في الدراسة في كلية الطب 1960-1966
كانت آمالنا أيتها العز يزة الفاضلة أن نستقر في وطننا الذي كنا أسعد الناس فيه بما كان لدينا وبما توفقنا فيه من نعمة خدمة أهلنا بوساطة مهنتنا. كنا نباهي العالم بما كنا فيه فنبيل رحمه الله كان من خيرة الجراحين وكنت أنت من خيرة المتخصصين في الأمراض النسائية وكنا إلى أن حل بنا جميعا ما حل فتركتم البلد الحبيب في التسعينيات وتركته عام 2004 بعد ما حل بنا جميعا ما أجبرنا على ترك الوطن الحبيب والألم يعصر قلوبنا على الفراغ الذي خلفناه وعلى خسران ما بنيناه وعلى الآمال الكبيرة التي ذهبت أدراج الرياح.
أرض آبـائنـا علـيك سـلام وسـقى الله أنـفس الآباء
ما هجرناك إذ هجرناك طوعا لا تظن العقوق في الأبناء
فتحت ألبوم الصور الذي أحتفط به في أرشيفي وتطلعت إلى اللقطات الجميلة التي جمعتنا فيها السنين الماضيات فهذه صورتنا في الكلية وتلك في حفل التخرج جمعتنا معكما وهارفي وكمال تسليمي وقيس أسمر وكذا الأخ عبد المسيح في كلية الطب والأخرى في معسكر الديوانية عندما كنا في الخدمة العسكرية حيث التقينا به وزملاء أحبة منهم فرياد حويزي، علوان زيني وعبد الخالق الجلبي وآخرون.
تطلعت إلى تلك اللقطات وانهمر الدمع من عيني على فقدانه وفقدان تلك الحقبة وتلك الآمال التي كنا نحلم بها قبل أن نصبح مبعثرين مشتتين في أصقاع الأرض أفرادا وعوائل. فعائلتكم تشتتت ما بين الإمارات والمملكة المتحدة وكندا وكذا عوائلنا جميعا. ولله الحمد على ما قدر ودبر.
تحدثت مع العزيزة سلافة في مشيغان وأخبرتها بالحادث الأليم فاغتمت وطلبت رقم هاتفك وستتصل بك لتواسيك وكذا تركت خبرا للزملاء الأعزة سلوى وهارفي عن طريق الأخ الفاضل عبد المسيح.
عزيزتي نزيهة إن مصيبتك مصيبتنا جميعا ونحن معك قلبا وروحا وفقدان العزيز نبيل ثلمة كبيرة تأثيرها كبيرٌ على كل زملاء دورتنا وكل من عمل مع نبيل وعرفه لما له من مكانة لدى الجميع وحبهم له لخلقه السامي وبشاشته الدائمة وحبه للجميع والذي لم نسمع منه ولم يصدر منه أي حديث أو عمل جرح فيه شعور أحد لابالعكس كان هو القاسم المشترك للجميع.
ستبقى ذكراه الطيبة دوما وسيبقى في قلوبنا وعقولنا ولنا فيك وأسامة والجميع خير ما يسلينا بفقدانه.
أسكنه الله فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* رسالة الى عقيلة الدكتور نبيل الدكتورة نزيهة المرجاني وهما زميلا دراستي العزيزان
الدكتور نجيب هنودي*
خسارة الطب والثقافة
إلى روح الأخ والصديق الدكتور نجيب هنودي رحمه الله
بالأمس فقط سمعت بمغادرتك عالمنا إلى العالم السرمدي في أول حزيران بعد معاناة استمرت تسعة شهور تصارع فيها المرض. كم كانت صدمة كبيرة وفاجعة حلَّت علي لما أكنه لك من حب وتقدير واحترام . عشناها سوية تلك الأيام الصعبة التي مرت على عراقنا أيام الحروب والحصار وكنا نلتقي كثيرا ونشكو لبعضنا ما يمر به الوطن من صعاب وبالأخص في مجالنا الطبي.
لم تثنك الصعاب عن تقديم كل ما تملك من طاقة في سبيل الآخرين. فلقد كنت نجيباً بإسمك ونجيباً في عملك وحبك لمريضك وطالبك ولوطنك.
عشت يا أخي وعزيزي نجيب بصمت بالرغم من علمك ونضوجك الثقافي والفلسفي وأخلصت لكل من عرفك. أحببت فيك أوصافا قلَّتْ في غيرك؛ صدقك وصراحتك وأمانتك وبُعدك عن الأضواء وحبك لتطوير معلوماتك ونهمك في القراءة ومساهماتك في النشاطات الثقافية محاضراً ومؤلفاً.
كم كنا نلتقي في المستشفى وخارجها في بيتي أو بيتك ونشكو همومنا ونبذل جهدنا في تخطي الصعوبات أمامنا لتقديم الأفضل لاختصاصَينا وللوطن.
غادرتَ العراق مرغماً بعد الإصابة الشديدة لولدك البكر المرحوم نزار الذي أصابته يد الغدر عام 2003 وبقي فاقد الوعي لما يقرب من العشر سنوات والتي مرت ثقيلة كثقل همومك وكنت فيها جالساً على كرسي بجنبه تحدثه، ووالدته المنكوبة الصابرة بجنبك تحدثه كذلك وكأنه يعي ويُجيب. لقد عشتما معه أصعب أيام حياتكما في العراق وعندما غادرتم إلى أمريكا عام 2007 حين لم يتمكن الطب من إنقاذه ولا في تحسن حالته بقي كذلك حتى يوم وفاته عام 2012. غادرت عراقك وعشت في ديترويت بصمت تنهشك الذكريات والإحباط من عدم تحقيق الطموحات في تطوير طب العيون في العراق الذي كنت أحد رواده وكنت من الأوائل في العراق في فحص تلوين شرايين الشبكية واستخدام الليزر في علاج أمراض شبكية العين.
في أيامك العصيبة في العراق وبعد تقاعدك بدأت مشروعك الثقافي على الإنترنت “رسالة هنودي” وكنت تصب فيه كل مشاعرك وفلسفتك في الحياة والدروس والعبر التي توصلها للقاريء في كل أنحاء العالم. وأصدرت في الولايات المتحدة عام 2013 كتابك باللغة الانكليزية “نكبة عائلة هنودي”.
نم قرير العين ولو بعيداً عن وطنك الأم وارحل إلى الملكوت الأعلى حيث جنة الفردوس. وتمثل بقول الشاعر:
مشيناها خطىً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطىً مشاها
ومن كانـت منـيته بـأرض فليس يموت في أرض سواها
ألهم الله العزيزة أم نزار الصابرة والزوجة الصالحة والأم الحنون وكذا ألهم الله الأعزاء المحروسين سامر ونادية وأخاه الفاضل رياض هنودي وعائلة آل هنودي جميعا الصبر والسلوان.
.
* الدكتور نجيب هنودي اختصاصي طب العيون في المستشفى الجمهوري التعليمي في بغداد
الدكتور يلدرم عباس*
لماذا… لماذا؟
“يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”
ببالغ الألم والأسى تلقيت نبأ استشهاد عزيزي وتلميذي وزميلي الدكتور يلدرم عباس رحمه الله برحمته.
ولد الدكتور يلدرم دميرجيفي 26 حزيران 1961. تخرج في كلية طب الموصل عام 1985 وحصل على شهلدة الاختصاص (البورد العراقي) في الجراحة العصبية عام 1993. أسس قسم الجراحة العصبية في مستشفى آزادي في كركوك عام 1993 وترأسه حتى لحظة استشهاده.
لماذا اغتالتك اليد الآثمة؟ لماذا أزهقت روحك الطاهرة؟ لماذا حرم مرضاك مما كنت تقدم لهم؟ لماذا ولماذا؟؟ ….. هل من مجيب؟؟
كنت يا يلدرم نعم الراعي والعون والمنقذ لمرضاك في كركوك والعراق. الجميع على علم بما كانت تفيض به يداك على الفقراء والمعوزين والمجتمع كله من خدمات طبية واجتماعية. كنت نعم المعلم لطلبة الطب والأطباء تحت التدريب والملاك الصحي.
يتكرر السؤال: لماذا ولمصلحة من؟ وماهو الجرم الذي اقترفه يلدرم وهو يقدم كل مايستطيع من جهد ووقت على حساب صحته وعائلته لمرضاه ولطلابه. قطعت اليد الأثيمة التي تجاوزت عليك وحرمت العراق وكركوك منك. أصبح الأهل في كركوك وفي عموم العراق فقراء بفقدك لأنك حملت ثقلا هائلا طوال مدة عملك يعجز الكثيرعن حمله.
غادرت إلى بارئك وهناك ستلتقي بمن سبقك من شهداء اختصاص الجراحة العصبية: الأستاذ الدكتور جعفر النقيب الذي اغتيل ببغداد في شهر مايس عام 2003 والدكتور خالد المياحي الذي اغتيل في البصرة في آذار 2008 .
عملتُ على أن توفد إلى الولايات المتحدة عام 2008 ولازلت أحتفظ بمراسلاتنا في حينها وما بعدها. كنت تواقا للقائك في واشنطن كي أفخر بك وبكفاءتك أمام الجميع ولكن ذلك للأسف لم يتحقق بسبب البيروقراطية الإدارية. وكانت رسالتك الأخيرة بهذا الخصوص ما أفخر به بما سطرته في رسالتك من وفاء واخلاص واعتزاز.
نم قرير العين مطمئنا، تلقى ربك بقلب سليم راضيا مرضيا.
أسكنك الله في رحاب جنائنه وحشرك مع عباده الصالحين من النبيين والصديقين.
ألهم الله سبحانه وتعالى أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الدكتور يلدرم عباس اختصاصي الجراحة العصبية ساهمت في تدريبه وكان نعم الطالب ونعم الجراح
الأستاذ الدكتور يوسف كالوتي*
خسارة القلب
ببالغ الأسى والأسف بلغنا خبر انتقال الأخ الأستاذ الدكتور يوسف كالوتي ليجاور ربه.
يوسف كالوتي أبو فادي الطبيب الإنسان المكافح المتفاني المخلص لاختصاصه ووطنه.
ولد يوسف في 22 مايس 1941 وتدرج في التعليم في أفضل المعاهد التعليمية؛ مدرسة عادل وكلية بغداد. دخل كلية الطب عام 1959 وتخرج عام 1965 .تخصص في جراحة القلب والصدر واالأوعية الدموية وحصل على زمالة كلية الجراحين الملكية البريطانية عام 1974 ومن ثم حصل على زمالة كلية الجراحين الأميركية والعالمية.
عاد إلى الوطن عام 1975 والتحق بمستشفى الشعب وعمل مع االأستاذ الدكتور عدنان سرسم والأستاذ الدكتور جعفر الكويتي ومن ثم عين مديرا لمستشفى ابن النفيس من عام 1977 إلى عام 1980. خلال عمله في إدارة المستشفى عمل وبدون كلل وبالرغم من الصعوبات الجمة التي كانت في طريقه فحقق نقلة نوعية في المستشفى بخدماتها، وبنائها وإدارتها ما جعلها من المستشفيات الرائدة في العراق.
إنتقل إلى مستشفى اليرموك ليترأس شعبة جراحة القلب والصدر فيها ومن ثم انضم إلى ركب التعليم العالي في كلية الطب في الجامعة المستنصرية ببغداد وكذلك في الهيئة العراقية للاختصاصات الطبية. ساهم في تخرج وتدريب العديد من الشباب المتخصصين بجراحة القلب والأوعية الدموية وساهم بالإشراف على الدراسات العليا في الجامعة والهيئة.
تقاعد وتفرغ لتقديم خدماته الجراحية من خلال عيادته الخاصة حتى مغادرته الوطن إلى كندا عام 2009.
بعد صراع مرير مع المرض وبالرغم من كل ما وفره الطب من تقدم في العلاج كانت مشيئة الله هي الأقوى فاختاره إلى جواره في يوم الجمعة 18 نيسان 2014 .سمت روحه إلى البارئ وهو بين الأهل والأحبة في المستشفى بمدينة تورونتو.
رحمك الله يا أبا فادي وجعل سفرتك السرمدية سفرة سعادة وطمأنينة وأسكنك جنات الفردوس. وستبقى ذكراك في عقول وقلوب أهلك ومحبيك.
عزاؤنا للسيدة أم فادي والدكتور فادي وإخوته ولكل الأهل والأصدقاء.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الدكتور يوسف كالوتي اختصاصي جراحة القلب والأوعية الدموية والصدر
الدكتور يونس الخير الله*
في أربعينية العزيز الدكتور يونس الخير الله رحمه الله
كنـا نقـول غُـربةً يوماً لها إنقضاءُ ثم نعـود حـيث ننسى البعد والشقاءُ
ونلتقي في حيّنا أهلاً وأصدقاءُ هاهي ذي تصرمت وانكشـف العَماءُ
من بعد غربةِ الحياة غربةُ الفناءُ
أربعون يوماً مضت على رحيل العزيز الدكتور يونس. الأربعون يوماً مرت وكأنها أربعون عاما من الألم والحسرة. أربعون يوما افتقده فيها أهله ومحبوه وهم كثر وإن بدأت أبدأ بأعز الناس لديه زوجته ورفيقة دربه الطويل الفاضلة الدكتورة نسرين والمحروسين هند وعلي وهدى وندى. دربه الطويل الملئ بالسعادة والألم. دربه المضيء بابتسامته الوديعة وشخصيته الفريدة التي تجبر من يكون معه على احترامه ومهابته. دربه المضيء الذي هو استمرار لدرب أهله وأجداده من قبيلة الشويلات الأكارم الذين قدموا الغالي والرخيص للوطن منذ أيام الشيخ يوسف الخير الله رحمه الله ومشاركته هو وقبيلته في ثورة العشرين وقد امتدت تضحيات ومساهمات القبيلة الخيرة لعصرنا الحاضر.
عرفته منذ أيام الكلية بالرغم من فارق الخمس سنوات بيننا حيث كان علماً نهابه ونحترمه ونرى فيه ما نحلم من الهدوء والتواضع الجم والتميز العلمي . لازمَته تلك الصفات طوال حياته وفي كل العهود حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى في اليوم الثاني من تموز عام 2017. تحدثت معه على الهاتف وهو في المستشفى في بريطانيا قبيل وفاته بأيام حيث استعدنا في المكالمة الذكريات وضحكنا وتبادلنا المشاعر ونحن في الغربة. كانت ضحكاته لاتزال كتلك التي كانت أيام زمان ولم يؤثر عليها ما كان يقاسيه من المرض ولم يدر في خلده بأن الموت يحسب الساعات لينقله إلى جوارالرفيق الأعلى.
ولد الدكتور يونس عبد الهادي الخيرالله في مدينة الرفاعي محافظة الناصرية سنة 1934 حيث أكمل دراسته الابتدائية فيه،ا وفي الناصرية درس المتوسطة ثم أكمل دراسته في الثانوية المركزية في بغداد. دخل كلية الطب في بغداد و تخرج فيها سنة 1961. إلتحق بعدها بكلية الضباط الاحتياط وتخرج فيها برتبة ملازم وخدم في الجيش العراقي لمدة سنة. أكمل سنوات الإقامة في المستشفى التعليمي ببغداد وتدرب على يد أساتذتنا العراقيين الكبار؛ الدكتور محمود الجليلي والدكتور زهير القصير والدكتور محمود ثامر. وفي ذلك كان لي الشرف أن أكون بعد سنوات الطبيب المقيم في ذات الردهة التي عمل فيها المرحوم وهي الردهة السادسة في المستشفى الجمهوري.
سافر إلى بريطانيا بعد حصوله على بعثة من الحكومة العراقية للحصول على شهادة عضوية الكلية الملكية البريطانية في الطب الباطني (MRCP) ثم تم منحه شهادة زمالة الكلية الملكية البريطانية (FRCP).
عند عودته إلى العراق تعين في مستشفى ابن النفيس التعليمي للأمراض القلبية حيث كان الفريق الرائع في طب وجراحة القلب الذي شمل الجراح الدكتور عدنان سرسم واختصاصي القلب جعفر الكويتي رحمه الله وآخرين. انتقل بعدها إلى مستشفى مدينة الطب وانشغل في التدريس حيث أحبه كل زملائه وطلابه. أحيل بعد عدة سنوات على التقاعد ولكنه استمر بمعالجة مرضاه في عيادته الخاصة في شارع المغرب. هاجر سنة 1997 إلى نيوزيلندا وهناك عمل طبيباً استشارياً في مستشفياتها لمدة خمس سنوات ثم عاد سنة 2003 إلى بريطانيا وعمل طبيباً استشارياً في مستشفياتها لمدة خمس سنوات أخرى حيث شعر بعدها أنه بحاجة إلى الراحة من عناء المهنة التي أدى دوره فيها على أفضل وجه فتفرغ للعائلة والأصدقاء وقضاء الأوقات الممتعة معهم حتى اختاره الباري إلى جواره وهو في المستشفى وبين الأهل والمحبين وهذه نعمة فضيلة حباه الله بها.
ستبقى أيها الأخ والصديق والطبيب نبراساً للأجيال ورمزا للطيبة والخلق العالي والتواضع.
وسيبقى ذكرك الطيب خالداً في قلوب وعقول الأهل والأحبة وأخص بالذكر القرينة وزميلة الدراسة ورفيقة العمرالدكتورة نسرين مصطفى والمحروسين الدكتورة هند الطبيبة الاستشارية في طب الأمراض النفسية في لندن والمهندس المدني علي والذي يعمل في شركة هندسية في بريطانيا والدكتورة هدى الطبيبة في الطب العام في بريطانيا والصيدلانية ندى وهي تعمل في الولايات المتحدة وكذلك الأحفاد الستة، وهم جميعا نعم الخلف لنعم السلف.
أسكنك الله فسيح جناته وحشرك مع النبيين والصالحين
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الدكتور يونس عبد الهادي الخير الله: من خيرة اختصاصيي الأمراض الباطنية في العراق.