فيما يأتي بعض كلمات التأبين التي عبرت فيها عن حزني بفقدان أعزاء عرفتهم في مجالات الحياة وقد تسلسلت أسماؤهم حسب الحروف الهجائية. لابد من الإشارة إلى تكرر استخدام أمثلة وأفكار في تلك الكلمات لوحدة الموضوع في فقدان أعزاء.
هناك متميزون آخرون سأذكر عنهم في فصل أشخاص وبصمات وأشخاص وذكريات.
الدكتور إبراهيم طه*
فقيد الطب والجيش
فوجئ المجتمع الطبي العراقي في طبابة الجيش وخارجها بفقدان رائد من روادها الذي يعتز به الجميع في الرابع من كانون الأول عام 2008.
ولد الدكتور إبراهيم في العام 1932 في كركوك وتخرج في كلية طب بغداد عام 1956 وكانت دراسته على نفقة وزارة الدفاع. تدرج في المهنة الطبية وتخصص في الطب الباطني وحصل على شهادة عضوية ثم زمالة كلية الأطباء الملكية البريطانية. كان طبيبا بارعا عالما فى الطب وضابطا ناجحا فأصبح آمراً لمستشفى الرشيد العسكري وبعدها مدير الخدمات الطبية للجيش العراقي.
تمتع الدكتور إبراهيم بهدوء في حديثه ومشيته مما لم تجده في شخص آخر. طيب القلب سليم السريرة مخلصا لمهنته ومسؤولياته. وكان الدكتور ابراهيم قدوة صالحة للجميع في خلقه وتفانيه في سبيل الجميع والتزامه بالقيم الطبية والاجتماعية النبيلة. إعتز الدكتور ابراهيم بعراقيته وكورديته وتفاخر بهما.
توثقت علاقتي به عن طريق صديقنا المشترك الدكتور عبد السلام محمد. عاش للطب وللمريض بأعلى مستوى من الخلق الطبي والكفاءة المهنية. ساهم في بناء وقيادة الخدمات الطبية العسكرية في العراق على أفضل وجه وفي أصعب الظروف.
تراه حينما تلقاه حتى في خضم الأزمات باسم المحيا هادئ الطبع لا يثور ولا يشط ويشع أملا وثقة بنفسه وبمن حوله. لم يتوان عن تلبية أي طلب من صديق أو غريب. كان رائدا من رواد الطب في العراق ساهم في النشاطات الطبية العلمية والمهنية والاجتماعية مساهمة فعالة وكان حضوره واضحا ومتميزا. كسب ثقة واحترام الجميع للمزايا الخيرة العديدة التي يتصف بها. ابتلاه الله بمرض عضال لسنوات طويلة لم يئن ولم يشكُ فيها وكان بالرغم من كل ذلك مستمرا في عمله وعطائه وكأنه يتصف بمقولة جبران خليل جبران حينما سئل: ماذا تعمل إن علمت بيوم أجلك؟ حيث أجاب: أستمر في عملي حتى يوافيني أجلي. فقد وصل إلى القناعة التامة بأن ما هو فيه حيث كان أقصى مايطمح إليه. وكانت هذه حالتك تماما يا أبا شوان فقد حققت ما كنت تصبو إليه من سعادة وسمو في تقديم كل ما تستطيع وما تملك لخدمة أهلك ومرضاك وأحبائك والمجتمع. ووصلت إلى الشعورالكامل باطمئنان النفس بما حققت وعملت، وستلاقي ربا رحيما رؤوفا ندعوه مخلصين أن يحشرك برحمته مع النبيين والمباركين ويجزيك جنة الخلد.
* الدكتور ابراهيم طه الاختصاصي في الطب الباطني، اللواء الطبيب الذي كان مدير الأمور الطبية في الجيش العراقي
رحم الله الأستاذ أبو شوان الذي توفي بين أهليه فتحقق أمله في أن يدفن فى مدينته كركوك.
عاش مخلصا لبلده وأفنى عمره فى خدمة الطبابة العسكرية وسيبقى ذكره خالداً بين زملاء الطبابة العسكرية والطب العراقي بكامله.
أسكنه الله جنات الخلود وألهم عقيلته الدكتورة قمري علي أمين ومحروسيه الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأستاذ الدكتور إحسان البحراني*
فقدان ليس كأي فقدان
وهذه الأرض تحتضن من جديد قامة سامقة من قامات الطب في العراق والعالم العربي. قامة لها حضورها المميز في تطور الطب علماً وخلقاً وخلدت بصماتها على كل من عرفها.
لقد فقدنا أستاذنا وأخينا وعزيزنا أبا علي، الأستاذ الدكتور إحسان البحراني، وبفقده تهدم ركن مهم من أركان الطب وبالأخص طب القلب في وطننا.
كان الأستاذ إحسان عـَـلماً في اختصاص القلب وقد وضع أسس الاختصاص مع العديد من الرموز الخالدة الذين توفاهم الله؛ الأستاذ الدكتور يوسف النعمان والأستاذ الدكتور مؤيد العمري وغيرهم من الأفذاذ.
كان رحمه الله قلباً نابضاً بحب مريضه وطالبه، مخلصا متفانيا في سبيل إعلاء شأن الطب في كل آفاقه. كان صوته الجهوري الذي تسمعه على البعد والذي يطغى على أصوات كل الحضور في اجتماع علمي أومؤتمر أو لقاء أخوي، يطغى ليس فقط بعلوه ولكن بالأصالة النابعة من القلب التي تجعل الجميع يسمعون وينصتون.
بالرغم من علو شأنه لم يكن هناك أي حاجز بينه وبين طالب أومريض أوزميل فبتواضعه الجم حبب الجميع له واستمع لهم ولبى حاجتهم بكل ما يستطيع.
كان رحمه الله نعم الأستاذ المعلم في الصف وفي الردهة ونعم المثل في التعامل مع المريض والآخرين.
لم يكن يبغي من خدمته للآخرين وعلى كل المستويات سوى رضا الله ورضا نفسه الخيرة وإعطاء مثل صالح يـُقتدى به.
مع الألم والحسرة اضطر كما اضطر جلُّ من هم على شاكلته أن يغادر الوطن ويخسر العراق هذا العـَلَم ويخسر أقرانه الذين ساهموا ببناء هرم الطب الشاهق.
غادرنا العزيز وقد نضب الدمع في المقل وجفت الحنجرة من كثرة ما سكبنا من دمع وبكينا على من فقدناهم من أعزة خارج وداخل العراق. ولكن فقدانك أدمى القلوب وعزاؤنا فيما خلَّفت من ذكرى خالدة لن تمحوها السنين، ذكرىً عبقة تسمو بالخلق والمعرفة والإخلاص.
ذكراك لن تغيب بما خلـَّفت وبمن خلـَّفت من أنجال صالحين ساروا على نهجك الصالح محروسين بعناية الله.
* الاستاذ الدكتور إحسان رؤوف البحراني: أستاذ الطب الباطني والأمراض القلبية في كلية طب جامعة بغداد
أعزي السيدة الفاضلة الصابرة شريكة حياته والدة العزيز شامل.
وكذا أعزي الأخت الكريمة بشرى والأخت العزيزة أم رؤوف، الدكتورة فائدة والعزيز الدكتور نزار الرحيم وأعزي كل آل البحراني الطيبين الأكارم وأعزي كل محبيه وأصدقائه.
أخص بالعزاء أحبتي علي ومحمد وغادة وأيمن وكذلك عادل الراوي ومحمد الكيلاني بهذا المصاب الجلل وأرجو الله أن ينعم عليهم وعلى الجميع بالصبر والسلوان.
أسكن الله فقيدنا فسيح جناته وأنعم عليه بالسعادة الأبدية وحشره مع النبيين والصديقين والصالحين.
وإنّا لله وإنّا اليه راجعون.
الدكتور أسعد ناصر*
وداعاً يا صديقي
ببالغ الأسى والحزن العميق تلقيت نبأ وفاة الأخ والصديق أبي خلدون. رحمه الله برحمته وأسكنه جناته مع الطيبين والصالحين.
كان المرحوم مثلا خيرا للخلق القويم والوفاء والمحبة للجميع، ترى الابتسامة على وجهه حتى في أحلك الظروف والأمل بالمستقبل حتى في وقت أشد الأزمات.
لقد عاشرته لعدة عقود وعملنا معاً في أحلك الأوقات وواسيته في أزماته وعرفته بالتفاصيل عن قرب؛ فلم أر فيه غير النبل والالتزام بالقيم والوفاء والمحبة للجميع والتفاؤل بالمستقبل ولم تخزن ذاكرتي عنه إلا تلك الذكريات العبقة المعطرة بعطر روحه الطاهرة. ونحن كذلك إخوتك ومحبيك أيها الأخ الوفي أسعد نتذكرك دوما وأبدا أيها العزيز الغالي. أتذكرك شخصيا من أيام العمارة أيام الحرب العراقية الإيرانية وكيف كنت تقدم الكثير لمن يحتاج المعونة بوساطة إدارتك الطبية وخلقك العالي.
أتذكر الأيام الحلوة التي كنا نجتمع فيها في بغداد الحنونة في المجالس أو في مكتبك في شارع السعدون الذي كان محطة للمجتمع الطبي حيث يجد الجميع ما يبغون بأفضل ما يتوقعون. أتذكرك في الولايات المتحدة في فيلادلفيا وواشنطن في أحلى أوقاتك. أتذكرك عند إصابتك بالمرض الذي لم يرحمك ولم يرحم أهلك وأحباءك.
ستبقى أيها العزيز عزيزا في قلوبنا وندعو الباري أن يسعدك في دارك الأبدية وأن يلهم العزيزة الفاضلة أم خلدون والأحبة خلدون، زيدون، أسيل، سعدون، مأمون وسلام وكل أفراد العائلة الكريمة ومتعلقيهم الصبر والسلوان.
أعزي كذلك الطائفة الصابئية المباركة بكل أفرادها لهذه الخسارة الفادحة لرمز من رموزها الخيرة.
إنا لله وإنا إليه راجعون شئنا أم أبينا
* الدكتور أسعد ناصر: طبيب الأسنان في الجيش العراقي ومدير مستشفى العمارة العسكري
الدكتور أكرم صادق
فقدان صديق
ببالغ الأسى والحزن تلقيت نبأ وفاة المرحوم الأخ الدكتور أكرم صادق. بوفاته يهوي نجم آخر من نجوم طب العيون في العراق.
لقد ساهم المرحوم مساهمة فاعلة في تطوير الاختصاص في العراق بكل المجالات ولاسيما اختلاطات الجهاز الدمعي المعقدة. أهدى رحمه الله العراق كوكبة من أطباء العيون الشباب الذين تدربوا على يديه وخدم مرضى العيون في العراق خدمة جليلة لما يزيد على الخمسة عقود. بدأ كطبيب مقيم في مستشفى الرمد في الصالحية ببغداد ولعله كان المقيم الرسمي الأول في المستشفى، في منتصف الستينيات، والذي جاء بعده قتيبة محمد ومن ثم مجموعة المرحوم نايف الحسوني، ياسين طه الشيخ أحمد، موفق الوتري، عبد القادر العزاوي وعبد الهادي الخليلي. رحمك الله يا أيها العزيز أكرم، وأكرم مثواك وأسكنك في جنة الخلد وحشرك مع النبيين والصديقين. عزاؤنا بذكرك الطيب وبما خلفت من ولد صالح، العزيز أنيس اختصاصي التخدير المميز رعاه الله. ألهم الله أهلك ومرضاك وطلبتك ومحبيك الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الدكتور أكرم صادق اختصاصي طب العيون، المستشفى الجمهوري التعليمي ومستشفى ابن الهيثم للعيون
المطران بولص فرج رحو*
شهيد الإرهاب
غبطة المطران إبراهيم إبراهيم، راعي أبرشية مار توما الرسول في الولايات المتحدة
السلام عليكم
ببالغ الأسى تلقينا جميعا نبأ استشهاد قداسة رئيس أساقفة الكلدان في الموصل، المطران بولص فرج رحو.
إن استشهاده بعد اختطافه ومعاناته على أيدي مختطفيه المجرمين لمدة إسبوعين تثير في النفس الحزن والألم الشديدين.
إن فقدانه وفي هذا الوقت الراهن خسارة كبيرة للموصل الحدباء وللعراق، ولكل الخيرين في العالم من كل الطوائف والأديان. جمعه الله في الملكوت الأعلى مع القديسين والصالحين.
أعزي الأخوة الأكارم الكلدان جميعا بهذا المصاب العراقي الجلل، وألهم ذويه الصبر والسلوان
وإنا لله وإنا اليه راجعون
* المطران بولص فرج رحو هو أحد أساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في مدينة الموصل
أمان الخليلي*
المربي المتفاني
بحزن شديد تلقينا نبأ وفاة الأستاذ أمان (أبو سلام) أحمد إسماعيل علي خليل الخليلي في 16 تموز 2002.
توفي بهدوء في داره بعد أن عانى من التدهور التدريجي بسبب جلطة دماغية لمدة عام أو نحو ذلك.
ولد أبو سلام عام 1920، درس وصار معلماً خرج أجيالًا كثيرة منذ الأربعينيات. كان محبوبًا من قبل جميع طلابه وزملائه وكل من عرفه. كرس كل طاقته لخدمة مهنته وطلبته وحرص على علاقة طيبة مع زملائه وكل من حوله.
تشرفت بكوني أحد تلاميذه في مدرسة ابن حيان الابتدائية بالكوفة. كان له حضور إجتماعي متميز حيث اتصف بالهدوء والذكاء وروح الدعابة ورعاية الجميع. ذكر في وصيته قبل وفاته بعدم إقامة مجلس فاتحه على روحه وأن يقدم للمعزين الوافدين لداره عصير الفواكه بدلاً من القهوة المرة التي اعتاد أهل المتوفى أن يقدموها للمعزين. سيبقى ذكره في قلوب طلابه وزملائه وسيخلد ذكره أبناؤه الخمسة المحاسب سلام، مهندسي الكهرباء فلاح وصباح، والدكتور أحمد جراح الدماغ المعروف. أما ولده الخامس نجاح فقد استشهد في الحرب العراقية الإيرانية. لأبي سلام بنتان الإدارية أحلام والدكتورة إكرام اختصاصية الأمراض النسائية.
رحمك الله يا أبا سلام وأسكنك جنة الفردوس وحشرك مع النبيين ومع آبائك الطيبين.
وإنا لله وإنا إاليه راجعون.
الأستاذ أمان الخليلي من أبناء العم ولد في مدينة النجف ودرّس في مدارسها الابتدائية ثم انتقل إلى مدينة الكوفة
أمير الحلو*
رحل الأمير
“وخيل اليّ تلك اللحظة أن هذه الدقات هي صوت الصمت، وإن الصمت لايكون بلا صوت” هذا ما قاله غسان كنفاني في روايته “ماتبقى لكم”. غسان كنفاني الذي عاشره وتعلم منه أمير. وددت أن أسمع صوت صمتك وكنت قد استمعت لصوت حديثك منذ تزاملنا في ثانوية النجف. كنت ذلك الشاب المثالي صاحب الخلق العالي والقيم النبيلة وأنت في ريعان شبابك كسبت احترام الكبير والصغير. كنت شجاعا غير هيّاب وأتذكر قصة الهجوم الغادر على أخيك المرحوم سمير حينما هجم عليه شخص حاقد شاهرا سيفه ونازلا به على سمير فوقفت أمام سمير وتلقيت الضربة وجرحت رقبتك وبقي أثر الجرح دليلا طول العمر على شجاعتك ووفائك. بقيت علاقتنا الأخوية عبر السنين وحتى في بلاد الغربة كنّا على اتصال دائم كان آخرها قبيل وفاتك بأسابيع قليلة تحدثنا فيها عن إصابتك بالجلطة الطفيفة التي تحسنت بعدها وكانت الفاضلة أم خالد بالقرب منك تسمع حديثنا وتتكرم ببعض التوضيحات. كنت فرحا بأن صحتك مستقرة وإذا بالخبر الصاعق بانتقالك الى الرفيق الآعلى بسبب جلطة شديدة أصابتك. كم كنت أتمنى أن أكون بقربك حين إصابتك التي يبدو أن لا شفاء منها لشدتها فليس لي ولا لأي طبيب أن يدفع ما قدر ولكن لأسمع صوت “صمتك” وأتطلع إلى وجهك الباسم وأودعك الوداع الأخير. كنا أنت ومحمد حسن علام (أبو حسن) وعبد الإله النصراوي وآخرون نعيش حياة الطلبة الدراسية والحياة السياسية الصاخبة في تلك الأيام قبيل وبعد ثورة 14 تموز. عملت في مجال السياحة والصحافة بكل إخلاص وتفان وكنت كما قال العديد من زملائك الأكارم مثالا يقتدى به ومعلما لجيل من الصحفيين الذي يدينون لك بما هم عليه. ذكرت لي سيدة مرموقة وهي زوجة صديق كريم عملت في دائرتك، بأن العديد كانوا يقولون عنك أنت أمير بالإسم وبالإستحقاق. فارقتنا في يوم الأول من شهر آذار 2015 فراقك الأبدي لتسمو إلى الباري والرحمن الذي سيحشرك مع أجدادك ومع النبيين والصالحين. ألهم الله المصونة السيدة إبتسام عبد الله والمحروسين خالد وشقيقته الصبر والسلوان.
* الأستاذ أمير جواد الحلو زميل دراستي في الثانوية في النجف والإعلامي اللامع ترأس تحرير مجلة ألف باء العراقية
باقر الخليلي*
القاضي في ذمة الخلود
إنتقل إلى رحمة الله المحامي والقاضي باقر خليل صادق باقر خليل (أبو الأسرة) الخليلي
ولد المرحوم عام 1928 وتوفي في يوم السبت 3 كانون أول عام 2016 أي إنه غادر إلى الرفيق الأعلى عن عمر يناهز الثمان والثمانين عاماً. والده الأخ الشقيق لمحمد الخليلي والد صادق وصاحب الخليليان وصادق هو والد العالم جميل (جيم) الخليلي.
إنتقل من النجف الى الكاظمية بعد أن أنهى دراسته الابتدائية. تخرج في كلية الحقوق في بداية الخمسينيات ثم أصبح بعد مدة قاضياً.
كان أديباً مؤدبا هادئ الطبع قليل الكلام حسن الاستماع. أحب الإنعزال والهدوء، وبالرغم من ذلك كان محبا للأقارب لم يتخل عن أية مناسبة تجمعهم. في أواخر سني عمره اكتفى برعاية السيدة الفاضلة إفتخار زوجته المصون وبعض المقربين. تحدثت معه على الهاتف عدة مرات وكان في آخرها طريح الفراش لم يسعه الكلام.
كانت له قدرة كبيرة كباقي آل الخليلي في حفظ الشعر، وفي أرشيفي قصيدة بخط يده أرسلها لي في عام 2001 وكان قد نظمها عام 1956 وهي شكوى للإمام موسى بن جعفر (ع) ومنها:
بابَ الحوائج يا أبا الفقراءِ إني أتيتـك شاكيـاُ ضـرائي
وهي من 25 بيتا يقول في آخرها
إني سـألتك بـالنبـي وآله أن تقبلَّن تضرعي ودعائي
مؤلفاته:
- تطبيقات قانون التنفيذ- 1963
- تطبيقات قانون الأحوال الشخصية – 1964
- قضاء محكمة تمييز العراق- المجلد الأول مع نخبة من قضاة محكمة التمييز – 1963
- ثلاثة كتب كانت معدة للطبع لم يسعه نشرها في حينه بسبب الحصار الجائر
- أربعون دراسة قانونية نشرت في مجلة الوقائع العدلية وفي مجلة القضاء لنقابة المحامين 1980- 1990
- عضو في هيئة تحرير مجلة الوقائع العدلية
* المحامي القاضي باقر خليل الخليلي قضى سنين طوال بمحكمة التمييز في العراق تقاعد واستمر في العطاء
كلّي أسف لأن كثيراً من شباب آل الخليلي لم تسنح الظروف الصعبة لهم بأن يلتقوا به ويتعلموا منه. وفي الواقع أن العديد منهم لم يسمعوا به ولم يعرفوا عنه شيئا، إذ قضى حياته قرير العين بإيمانه بدينه والتزامه بقيمه ونقاوة سريرته.
رحم الله أخينا وعزيزنا باقر وأسكنه فسيح جناته وحشره مع النبيين والصديقين والمعصومين.
وألهم الفاضلة المصون السيدة إفتخار محي، التي أدت ما عليها في رعايته في صحته ومرضه، الصبر والسلوان وعزاؤنا جميعا بما خلّف من تراث علمي وذكر طيب بين من عرفه.
الأستاذ الدكتور محمد باقر الهاشمي*
شهيد الغربة
2010-1942
ببالغ الأسى والألم تلقينا نبأ وفاة الأخ العزيز المرحوم الأستاذ الدكتور باقر الهاشمي الملحق الثقافي العراقي في لندن.
كان رحمه الله نعم الأخ والصديق الصدوق البشوش الشفاف الذي ترى قلبه على لسانه، يعشق العلم، يحب الجميع ويرجو الخير لهم ويتفانى في أداء وإتمام الواجب، أستاذا قديرا وباحثا متعمقا.
عرفت أبا عمار منذ زمن بعيد، كان أوثقها الأيام التي قضيناها في تكريت أيام فرض على المجتمع الأكاديمي في العراق أساتذة وطلابا أن يقضوا أربعة أشهر في الصحارى للتدريب العسكري عام 1986. كانت في معسكرنا كليات المجموعة الطبية والهندسية. كنا نلتقي كلما تسنح الفرصة وفيها أدخلنا معاً مستشفى تكريت العسكري بسبب شكوى ألم في القلب وبقينا عدة أيام. تجددت لقاءاتنا العلمية والأخوية منذ تعارفنا كان آخرها التحاقنا بالواجب الجديد علينا، حيث عينت ملحقا ثقافيا في واشنطن والتحق هو بعد ذلك كملحق ثقافي في لندن.
عين ملحقا ثقافيا في لندن وخدم بكل ما يستطيع في رعاية أبنائه الطلبة وبالرغم من ثقل العمل الهائل في تلك الملحقية وجدته عند زيارتي له في لندن دائم الابتسامة قليل الشكوى محبا للعاملين معه ويعمل معهم بروح الأخوة ومبدأ الفريق الواحد.
لازمته أيام اعتلاله الأخيرة عبر الهاتف وتحدثت معه في بداية مرضه وبالاستمرار مع عقيلته الكريمة أم عمار والعزيز الدكتور عمار حينما كان معه. كنا نناقش سيرة مرضه وماهو أفضل علاج ممكن. كانت إصابته الدماغية من الإصابات غير الاعتيادية شملت التهاب الأوعية الدماغية التي تنتشر في كل أقسام الدماغ وبالرغم من جميع الوسائل العلاجية الخبيرة وغير النمطية وفي أفضل المراكز الطبية، قدر الله أمرا كان مفعولا.
إن ما أؤمن به دوما في حالات الموت وبرحمة من الله جل وعلا أن تتحقق ثلاث منح ربانية: أولا أن يكون الموت بكرامة، ثانيا أن لا يسبق الموت ألم وعذاب، وثالثا أن تستنفد الكفاءة الطبية لمنع حدوثه. ففي وفاة المرحوم تحققت الثلاث؛ فقد توفاه الله بين عقيلته ومحروسه ومحبيه وزملائه وعلى فراش المرض وليس في أي مكان أو أسلوب آخر، وكذلك لم يصاحب أيام مرضه ألم وعذاب مما يثير الأسى والحزن لدى الأهل، وثالثا حاول الطب في قمة خبرته في لندن إنقاذه ولم يسعفه، وإذا ما كان يعالج في مركز طبي أقل كفاءة كان الجميع يتمنى لو كان علاجه في مركز كالذي كان فيه. من الله عليه أن تتحقق الثلاث وثبت أن الموت لابد مكتوب في تلك اللحظة بأمر منه سبحانه وتعالى.
تغمد الله أخي العزيز برحمته وأسكنه فسيح جناته وحشره مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
ألهم الله الفاضلة الطيبة الصبورة والرفيقة الفريدة أم عمار والعزيز عمار، خير الخلف لخير سلف، الصبر والسلوان. وألهم الله الصبر والسلوان إخوته وأخواته في الملحقية الثقافية في لندن وكل محبيه وطلابه.
وعزاؤنا ببقاء ذكره الطيب على مدى الأيام وصدقته الجارية بمحروسه عمار وبالعمل الصالح الذي أداه لمجتمعه وطلبته أيام التدريس وفي ملحقيته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
14/11/2010
* الاستاذ الدكتور محمد باقر الهاشمي أستاذ الهندسة الكهربائية في كلية الهندسة جامعة بغداد
الدكتور جعفر النقيب*
شهيد الاحتلال
بسم الله الرحمن الرحيم
” تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموتَ والحياة َ ليبلوَكـُم أيـُّـكـُم أحسنُ عملا وهو العزيزُ الغفور” صدق الله العظيم
أيها الجمع الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلق اللهُ الموتَ والحياة َ بعد أن خلق الكون. وعرف ابن آدم الموت عندما قتل قابيلُ هابيلَ، وكان أول درس تعلمه من الطير هو درس الموت والتعامل مع الموت. ولو لم يكن الموت لم تكن الحياة. فالموتُ ضرورةٌ لإدامةِ الحياةِ وسبر غور كنهها.
ونحن لم نعرف معنى الحركةِ لولا السكون، ولا مغزى الحلاوةِ بدون المرارة، ولا النور إلا بوجود الظلام. فلابد إذاً للحياة من الموت. ولقد ” خـُط الموت على ابن آدم خـَط القلادة على جيد الفتاة”. والموت للبعض نهاية حتمية، ولكنه لآخرين بداية حياةٍ جديدةٍ يعيشها في ذاكرة الناس بروحه لا بجسده. فيبدأ الأخيارُ والطيبون حياتهم الأبديةِ بعد الموت، حيث إنهم يعيشون بما قدموا وبآثارهم التي تظلل ذكراهم والحديث عنهم. ” إنّـا نحن نحيي الموتى ونكتبُ ما قدموا وآثارَهم وكلَّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين ” صدق الله العظيم. فهم يعيشون الذكر الطيب الحسن الدائم بعد رحيلهم:
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن روى
الموت درجات، أعلاها درجةُ الشهادةِ، والشهادةُ لا تقتصرُ على من يقتل في ساحة الحرب، فدرجة الشهادة أشمل من ذلك. إذ يعد شهيداً من قتل مظلوماً أو مات غرقاً أو تعذب في مرض عضال قاتل أو مات غريباً وغيرهم.
وفقيدنا الغالي الذي نؤبنه هذا اليوم، المرحوم الدكتور جعفر صادق النقيب من هؤلاء الشهداء الذين قتلوا ظلماً بيدٍ أثيمةٍ، وهو من الذين سيبقى ذكرهم الطيب على مرِّ سنوات طويلة، وصدقته الجارية هي عمله الصالح وولده الصالح وعلمه الذي علـَّم به طلابـَه.
حينما سمعت وأنا في الغربة بنبأ اغتيال المرحوم وبالطريقةِ التي نعرفها تألمت كثيراً وأرقت في حـينها، وكان حـالي كحـال كـل العراقيين خارج وداخل الـوطن، لـم أذق إلا مرارة
* الاستاذ الدكتور جعفر صادق النقيب اختصاصي الجراحة العصبية عمل في بغداد والبصرة كلمة رثاء ألقيتها في حفل التأبين الذي أقامه مستشفى جراحة الجملة العصبية في بغداد:
التعايش مع أخبار العراق الأليمة وواقعه الجريح بعد سقوط النظام البائد، الذي لم يكن بمقدورنا منع حدوث جراحه ولا تضميدها. وكنت تواقاً لأن أقدم شيئاً لأخي المرحوم أكثر من المشاعر الأخوية، وكان أن حققت ذلك بإرسال رسالة بصفحتين للرئيس جورج بوش ولرئيس الوزراء توني بلير ذكرت فيهما كثيراً من الحقائق والآلام لما يجري في العراق وأحمـِّـلهما مسؤولية اغتيال العزيز الفقيد. وبنفس الوقت كتبت إلى جل جمعيات جراحة الدماغ في العالم والمؤسسات الطبية وبعض المجلات المشهورة وإلى كل زملائي وأصدقائي في أنحاء المعمورة. كان ذلك كل ما أتمكن من التعبير بوساطته عن ألمي بفقدان المرحوم. وبالأمس وصلني ردُّ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. إمتدت معرفتي بالمرحوم الدكتور جعفر لمدة تزيد على الثلاثة عقود فلقد تعرفت عليه عام 1971 حال وصولي الى مانجستر حيث أقمت مع أخي الأستاذ الدكتور المهندس ضامن الذي كان يدرس في جامعتها حينئذ، وكان على صلة وثيقة بأبي صادق الذي عمل طبيبا في مستشفى برستون القريبة. عرفته إنساناً طيباً نبيلاً يدخل إلى قلبك من اللقاء الأول. وكانت قرينته السيدة فائزة مثالاً للسيدة الفاضلة الكريمة.
استمرت علاقتي به طوال سني وجودي في بريطانيا وحتى عودته إلى العراق والتحاقه بالبصرة أيام الحرب العراقية الإيرانية، والتي أبلى فيها بلاءً حسناً وأعطى مثلاً يـُحتذى به لكل مـَن حولـَه، في التفاني والإخلاص والتجرد من الذات وخدمة الجرحى الأبطال ومن جانبي النزاع. وكان نادراً ما ذكر الراحةَ والإجازةَ والابتعاد عن ساحة قاعة العمليات. وكنا في زياراتنا الميدانية الى البصرة في تلك الحقبة نلقى منه كل اللطف والمعونة والترحاب وتسهيل أمور أداء واجباتنا حينما كنا نوفد للمساعدة في إجراء العمليات الجراحية. بعد ذلك التحق بأخوته وزملائه في مستشفى جراحة الجملة العصبية وأثبت فيها كفاءته الجراحية وقدراته التدريبية وخلقه القويم وعلاقته الطيبة مع المريض وأهله ومع ملاك المستشفى. فلاغرابة أن كسب حب وتقدير الجميع حتى تقاعده وحفظ له الجميع الود والعرفان.
حينما اغتيل المرحوم جعفر سرحت بي الأفكار إلى جعافر آخرين استشهدوا بمختلف صور الشهادة، أذكر منهم جعفر الطيار شهيد مؤتة والذي قيل فيه:
هدتِ العيون ودمعُ عينك يهملُ سَحّاً كما وكفَ الضَـبابُ المـُخضـِلُ
فـي لـيلةٍ وردت عـليَّ هـمومها طـــوراً أحــنُّ وتـــارةً أتمــــلملُ
واعـتادني حـزنٌ فبــِتُّ كــأنني ببنــات نعــشٍ والســِماكُ مـوَكـَّلُ
وجعغر آخر هو جعفر الجواهري الذي قال فيه أخوه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري:
أتـــعلـم أم أنــت لا تعــلمُ بأن جـراح الضحايا فمُ
فـمٌ لـيس كالمـدعـي قـولــة ً ولـيس كـآخر يسـتفهمُ
يقولون من همْ اولاءِ الـرعاعْ فاُفـهـمهمْ بـدمٍ من همُ
يمــيناً لتـنهشـني الـذكريات عليـك كما ينهشُ الأرقم
وجعفر التاريخ العسكري، جعفر العسكري، مؤسس الجيش العراقي الذي اغتاله زملاؤُه.
وجعفر الخليلي الأديب والصحافي العراقي الشهير الذي اغتاله النظام بحرمانه من الموت في وطنه. وأخيراً الأخ الراحل الدكتور جعفر الكويتي الذي ذهب شهيد المرض العضال. فهل كتب على الجعافر مبدأ الشهادة يا ترى؟
كنت بحقٍ يا أخي الشهيد جعفر مثالا للخلق القويم والطيبةِ والتسامحِ والتفاني وإيجاد العذر لمن يعتدي عليك، ولم تحمل ضغينةً في داخل نفسـِك على أحدٍ من حولَك حتى وافاك الأجل المحتوم.
أسكنك اللهُ في جنةِ دار حقـِّه. نسأل الله تعالى الصبر والسلوان لعائلتك ولمحبيك جميعاً.
وفقنا الله أن نقتدي بمسيرتك.
عزاؤنا وسلوتنا بذكراك الطيبةِ العابقةِ الدائمةِ وبولدك العزيز الدكتورصادق وكريمتيك المهندسة سناء والدكتورة نادية.
وكلنا على دربك ودرب كل ابن أنثى لاحقون إنا لله وإنا اليه راجعون
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للتاريخ:
أرسلت عند استشهاده رسالتين إحداهما إلى الرئيس الامريكي جورج بوش والأخرى إلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. استلمت إجابة من الرئيس بوش حررها الكومبيوتر ولكن أجابت سكرتيرة رئيس الوزراء عن لسانه بكلمات تعزية موجهة إلى عائلة الفقيد.
نشرت المجلة الطبية الريطانية نص رسالتي تحت عنوان”رسالة مفتوحة إلى السيد بلير-رئيس الوزراء” والتي جاء فيها بأن قوات الاحتلال مسؤولة عن استشهاد الدكتور جعفر وهي مايأتي:
الأستاذ الدكتور جليل البرزنجي*
الأستاذ الدكتور عبد الجليل البرزنجي في ذمة الخلود
ببالغ الأسى والأسف فقدنا علما من أعلام طب الأطفال في العراق الأخ العزيز الأستاذ الدكتور عبد الجليل البرزنجي.
تميز جليل بخلق عال وحب للمريض والابتسامة الدائمة على محياه وحبه للرياضة وتميزه بها ورغبته الصادقة في تثقيف الامهات بوساطة التلفزيون والإذاعة. عشنا معا سنوات سعيدة معه ومع الصديق المشترك الدكتور برهان سعيد رئيس المخدرين في مستشفى جراحة الجملة العصبية والأستاذ الدكتور طارق الجبوري في كلية طب بغداد.
يتساقط الأحبة ممن رعى الوطن بكل طاقاته بتفان وإخلاص في ميدان الطب وفي ميدان الحياة وينتقلون الى الرفيق الأعلى ولكن بعيدا عن الوطن الحبيب غرباء حتى لحظة مغادرتهم الحياة وفي القلب حسرة وفي الحلق غصة من فراق تراب الوطن الحبيب. ولكن هذا هو الزمن يقسو كما يحلو له. رحم الله أخانا وحبيبنا جليل وأسكنه جنات النعيم. والهم أهله وأصدقاءه الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور جليل البرزنجي أستاذ طب الأطفال في كلية طب جامعة بغداد
الأستاذ الدكتور جورج أبونا*
رائد في زرع الأعضاء في الوطن العربي
إنتقل إلى رحمة ربه الجليل الأستاذ الدكتور جورج أبونا في الثامن والعشرين من شهر إيلول (سبتمبر) 2016 في مدينة فيلادلفيا الأمريكية.
وبفقدانه خسر المجتمع الطبي رائداً من أوئل من أدخل جراحة زرع الأعضاء في الوطن العربي.
ولد الدكتور جورج في 23/2/1933 في مدينة ألقوش في العراق. أكمل دراسته في بغداد وكان من الخريجين الأوائل، أرسل ببعثة دراسية إلى المملكة المتحدة حيث أكمل بكالوريوس الهندسة الميكانيكية عام 1956 من جامعة درام في نيوكاسل. ولما كانت رغبته دوماً في أن يصبح طبيبا فقد دخل كلية الطب في نفس الجامعة عام 1961 وبعدها حصل على الماجستير في الجراحة عام 1976. عند انخراطه في الجراحة حصل على زمالة كلية الجراحين البريطانية عام 1966 ومن ثم زمالة كلية الجراحين الأمريكية عام 1982.
كان طموحه الجراحي منصبّاً على اختصاص زراعة الأعضاء. تدرب في ذلك المجال خلال دورات تخصصية لعدة سنوات في نيوكاسل وبعدها جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة. عمل في المجال الأكاديمي في المملكة المتحدة وبعدها في كندا كأستاذ مشارك ثم انتقل إلى الكويت عام 1978 حيث أسس أول مركز لزراعة الأعضاء في المنطقة. غادر إلى الولايات المتحدة عام 1991 بعد غزو الكويت وعين أستاذا في الجراحة في جامعات أيوا، مينسوتا، وبعدهما فيلادلفيا حيث استقر في تلك المدينة.
كانت له ابتكارات وبراءات اختراع متعددة في الاختصاص. في عام 2000 منح وسام البرت شويتزر الذهبي للخدمات الإنسانية.
سمعت عنه وأنا في العراق ولم ألتق به حتى عام 2009 خلال مؤتمر الأكاديميين العراقيين الأمريكان ومنح خلال المؤتمر جائزة الإنجاز الحياتي والصورة أعلاه للمرحوم وهو يحمل تلك الجائزة.
كان الدكتور أبونا يتميز بالتواضع الجم والثقة بالنفس والتصميم على تخطي صعوبات الحياة.
رحم الله زميلنا الدكتور جورج وأسكنه جنة الفردوس وألهم أهله وذويه وزملاءه وكل من عرفه وأحبه الصبر والسلوان.
واشنطن في 3/10/2016
* الاستاذ الدكتور جورج أبونا عمل في جراحة نقل الأعضاء في الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية
الدكتور حسن الربيعي*
خسارة تدريسي متألق
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الجمع الكريم، لقد ساهمت في مرات عديدة في تأبين أعزة رحلوا عنا وخلّفوا الألم والحسرة في قلوب من أحبهم وفراغا امتلأ بخلقهم وقدراتهم أذكر منهم المرحوم الأستاذ خالد القصاب والمرحوم الأستاذ عبد الكريم الخطيب والمرحوم الدكتور عبد السلام محمد والمرحوم الدكتور جعفر النقيب وغيرهم من الطيبين الذكر. ولكن فقدان المرحوم حسن قطع نياط القلب بدرجة لا يمكن وصفها. لأن حسن كان هو القلب الذي تقطعت نياطه ألما على كلّيته ووطنه وأهله حين تعرض الجميع للتدمير والمصائب والمعاناة وقدم مع القلة القليلة من زملائه ما لم يقدمه الآخرون في سبيل الجميع في تلك الأيام العصيبة ما بعد الاحتلال في عام 2003.
ولد حسن عام 1960 وتخرج في كلية الطب عام 1984. عرفته طالباً وطبيباً وزميلاً. كان متميزاً في جميع تلك المراحل. أخص بالذكر ما كان يقدمه من رعاية لأساتذته حينما كنّا في معسكر الأساتذة والطلبة في تكريت عام 1986 عند الالتحاق القسري بمعسكرات التدريب في أماكن متعددة في العراق الذي شمل أساتذة وطلبة الجامعات العراقية في العطلة الصيفية.
جاءتني الصدمة، بعد سويعات قليلة من استشهاده وأنا في الغربة، عن طريق رسالة عبر الهاتف. أسرعت إلى الهاتف واتصلت بالعزيز الفاضل الأستاذ حكمت الشعرباف عميد كلية الطب الذي استغرب من سرعة وصول الخبر لي. أكد لي الخبر المفجع وكانت نبرات صوته تنم عن هول الصدمة بفقدان من كان ساعده الأيمن والظهير الدائم له في مسيرة تأهيل الكلية الجريحة. الكلية التي ترعرع فيها حسن طالبا متفوقا ثم معيدا وبعدها حصل على الدكتوراه وأصبح يساهم في البناء العلمي والتربوي ومن ثم أضاف لبنائه بناء الكلية من جميع نواحيها.
رحمك الله يا عزيزي وألهم مصونتك الدكتورة ميسون وساعدها الله في تحمل هذه النكبة ورعى الله محروستيك زهراء وأختها.
وإنا لله وإنا إاليه راجعون
* الكلمة ألقيت بالنيابة في حفل التأبين الذي أقيم في كلية الطب
الأستاذ الدكتور حسيب يحيى دلال باشي*
رسالة موجهة بتاريخ 10 شباط 2006 إلى الأخ الأستاذ الدكتور مازن السامرائي، الذي نقل لي نبأ الوفاة. “وردتني رسالة العالم الأستاذ الدكتـور ألجـراح عبـد الهـادي الخليلـي عن طريق أحـد أصدقاء الأستاذ الجليل الخليلي والتي استلمها منهُ اليوم.. وفيها ينعى أخانـا الذي غابَ عنا الأستاذ الدكتور حسيب يحيى .. ولما تحملهُ رسالة النعي من تبيان لمحاسن المغفور لهُ المرحوم حسيب فإنني أضعها في يومياتي هذه”ِ:
أخي مازن،
كلمات في رثاء فقيدنا الغالي أ د حسيب يحيى دلال باشي
إلى الله أشكو لا إلى الناس إنني أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب
أخلاي لو غير الحمام أصـابكم عتبـت ولكـن مـاعلى الموت معتب
كان للخبر المؤلم الذي أوردته في رسالتك الكريمة بوفاة الأخ العزيز المرحوم الأستاذ حسيب يحيى دلال باشي وقع شديد على القلب والعقل. فقلوبنا جميعا كانت عالقة بهذا
الإنسان النبيل الطيب الذي لم يقصر يوما حيال أهله وأصدقائه وكل من حوله. لم يمل أو يتململ أو يشكو. كنت شاهدا على كثير من الحالات التي كان يتطوع فيها بتقديم خدماته لمن كان بحاجة لها وبدون معرفة مسبقة بصاحب الحاجة. لم أشاهده إلا والابتسامة على محياه حتى بعد ساعات طويلة من الجهد والتعب بعد إتمام واجبات تفوق المعتاد. لم تفارقه الابتسامة حتى في أيامه الأخيره، حيث زرته في مستشفى العين في أبو ظبي. زرته بعد ساعة من وصولي إلى هناك من أستراليا. لم أبال بتعب الطريق وطول السفر لأنني كنت واثقا بأن ابتسامة منه ستزيل كل العناء عني، و هكذا كان. كان يعاني في حينها من الآثار الشديدة للعلاج الكيمياوي الذي أعطي له بسبب السرطان المنتشر إلى كبده، ولكنه لم يتوقف عن الابتسامة ومحاولة إقناعي بأنه في حال أفضل مما يمكن أن أتصور. وتحدثت معه محاولا أن أخفف عنه ماكان فيه، وأصر على توديعي وهو يسير بخطى قصيرة إلى باب غرفته في المستشفى بالرغم من ضعف بدنه.
كما كان وقع الخبر على العقل حيث يتساءل الإنسان: لم يتعذب هذا الإنسان الطيب من آلام المرض والعلاج في بلد غير بلده، مع اعتزازنا الشديد بكل بلاد وطننا العربي؟ لماذا لم يعالجه أطباؤه في بلدته بغداد، بالرغم من كمال معالجته على يد الأخ الفاضل الدكتور فلاح الخطيب؟ لماذا لم يكن مستلقيا على فراشه في بيته في بغداد بين جيرانه ومحبيه كما كان راقدا قبل سنوات بسبب آلام الظهر التي كان يعاني منها وكنت أعوده وأعالجه في حينه؟. لماذا يتعذب هذا الإنسان الطيب وآخرون في الغربة والبعاد؟ عسى الله أن يعوض هذا العذاب برحمة منه وبركات.
كنت قد تطرقت في تأبين أخي المرحوم جراح الدماغ جعفر النقيب إلى تعريف من هو الشهيد؟ وآمنت بأن الشهيد ليس الذي يسقط في ساحة المعركة دفاعا عن وطنه ومبادئه الخيرة فحسب، بل يعدّ شهيدا كذلك من مات بعد معاناة من مرض عضال أو من مات غريبا عن وطنه وغيرهم. فأنا أعدُّك يا أيها العزيز المرحوم شهيد معاناة المرض العضال وشهيد الغربة. تقبل الله منك أعمالك الخيرة وأسكنك جنة الفردوس مع الشهداء ومع من تحب.
وهنا أستذكر قول الأمام علي (ع) حين مر على مقبره في الكوفة: “يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحدة، يا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق، ونحن لكم تبع لاحق”. (الفرط: المتقدم الى منبع الماء. التبع: اللاحق به بعده).
عزائي للسيدة الفاضلة الصبورة أم روق التي حاولت كثيرا الاتصال بها فلم أفلح. كانت والله يشهد نعم الزوجة والممرضة والراعية له في مرضه كما كانت تلك الوفيه له ولأبنائها دوما. ألهمكم الله الصبر والسلوان وعزاؤكم بما تركه حسيب من الذكر الطيب والعواطف الجياشة لدى كل محبيه وما خلفه من طيبين وطيبات: روق ويحيى وزهراء. عزاؤنا نحن أخوته ومحبيه ما تركه فينا من ذكر طيب عبق.
رحمك الله يا أبا روق وحفظ أهلك.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* الأستاذ الدكتور حسيب يحيى مدير عام البحث والتطوير في وزارة التعليم العالي والبحث لعلمي
الأستاذ الدكتور حسين طالب*
كوكب ساطع يفقده العراق
إنتقال المرحوم الأستاذ الدكتور حسين طالب إلى جوار ربه.
توفي المرحوم الأستاذ الدكتور حسين طالب في دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 15/2/2012 بعيدا عن وطنه وأهله. كتب عن المرحوم كثير في حياته وبعد فراقه الأبدي. ولي أن أضيف ما يمكنني أن أضيفه مما أعرفه عن قرب عن هذا الطبيب الإنسان الرائد.
ولد الأستاذ الدكتور حسين طالب محمد علي في مدينة الناصرية عام 1920 وتخرج في كلية طب بغداد عام 1945. تميز الأستاذ الدكتور حسين طالب بالعديد من الصفات التي غالبا لا تجتمع في طبيب واحد. فهو صاحب الخلق االرفيع الذي لم يتجاوز أو يسيء إلى أحد من زملائه أو الأطباء المقيمين أو طلبته. فلقد عرف عن المرحوم تعبيره المشهور الذي لازمه طول الوقت وكان يتندر به طلابه وهو استخدامه لتعبير “مولانه” في مجاملاته الاجتماعية ونقاشاته العلمية. وكان يستعملها مع زملائه وطلبته على السواء. وكان هذا يجبر الطرف المقابل في الحفاظ على مستوى الاحترام في الحديث المتبادل. وقد عرف عنه كذلك بأنه “السهل الممتنع” الذي يسهل التعامل معه ولكنه لا يهادن بما يؤمن به.
كان حبه للمريض والطلبة والمستشفى يفوق كل ما يغري في الحياة، تراه كل صباح مبكرا في الوصول إلى الردهة وهو يرتدي الصدرية الييضاء التي كان لا يحكم أزرارها دلالة على الهمة والنشاط. وكان يتعامل مع مرضاه ليس كطبيب معالج فقط بل كان ذلك الأخ والأب والوالد والصديق ما يطمئن مريضه بأنه في أمان تحت رعاية الدكتور حسين. وكذا كانت معاملته لطلابه. لم تغره البهرجة وحب المال بل كانت سعادته في رعاية مرضاه وطلبته.
مما تميز به المرحوم ولوجه آفاقا جراحية كان بعض الجراحين يبتعدون عنها حتى كان يقال أن الحالات الميؤوس منها التي لا تجلب السمعة الجراحية لمن يتعامل معها ترسل إلى الدكتور حسين ” للتخلص منها “! وكان صدر الدكتور حسين رحبا لاستقبال هكذا حالات ليس لعدم اكتراثه بسمعته الجراحية وإنما لرغبته في إمكانية مساعدة المصاب عن طريق ابتكار ما يمكن أن يساعده به وذلك ما كان يحتمل الجدال فيه.
وفي هذا أذكر أنه في عام 1964 أقامت جمعية مكافحة السرطان العراقية برئاسة الأستاذ المرحوم خالد القصاب مؤتمرا في قاعة الشعب ببغداد. حضره جمع غفير من أطباء العراق وكذلك ضيوف من الدول العربية والأجنبية منهم الأستاذ الدكتور إسماعيل السباعي من الشقيقة مصر، وهو من خبراء العالم في جراحة السرطان. انبهرنا ونحن طلبة بما شاهدناه مـن تنـظيم ومعـلـومـات تـوجتها محاضرة الأستاذ الدكتور اسماعيل عن سرطان المريء
المتقدم وعلاجه بإستئصال المريء وتحرير المعدة والأمعاء وجلبهما تحت الجلد وربطهما بالبلعوم مباشرة. إن هذه العملية المعقدة لسرطان المريء قام بها ولعدة مرات الأستاذ الدكتور حسين طالب في ردهة 19-20 في المستشفى الجمهوري. وقد عرض بعض تلك الحالات بعد إجراء العملية حيث كنا نشاهد عملية بلع اللقمة وسريانها تحت الجلد فوق عظم القص لدى المرضى الذين أجرى لهم تلك العملية.
توخى الأستاذ حسين العلاج الجذري لحالات السرطان إجمالا. وكما هو معروف بأن من أهم عوامل انتشار السرطان هو شموله للغدد والأوعية اللمفاوية. وكان من الممكن معرفة وجود الغدد اللمفاوية المشمولة بالسرطان إذا كانت متضخمة بالفحص السريري أو الشعاعي غالبا، ولكن الغدد الصغيرة والأوعية اللمفاوية لايمكن تحسسها ما يؤثر كثيرا على سرعة انتشار المرض وخطورة ذلك على حياة المريض. فكان هدف الأستاذ حسين الأول هو محاولة اكتشاف الغدد الصغيرة والأوعية التي شملها السرطان والتعامل معها أملا في تقليل انتشار المرض. فكان يزرق المصاب بمحلول الجنشن فايولت وبذا يمكنه معرفة شمول الجهاز اللمفاوي المجاور للورم. وعند دخول تلك المادة الصبغية إلى الجسم يتلون جلد المريض بلون بنفسحي ما يجعل النظر إليه مصحوبا بالرعب خصوصا في الليل حينما يود المريض أن يتجول في باحات المستشفى وحدائقها. وكان هذا حديث الجميع في ذلك الحين وتندر المقيمين بالمفارقات التي تحدث عند تجوال هؤلاء المرضى في المستشفى.
كان من الاوائل الذين استخدموا زرق العلاج الكيمياوي في الشريان المغذي للورم السرطاني. وكان من الصعوبة تحقيق نتائج كبيرة في ذلك الوقت ولكن مجرد الدخول في هذا المجال وابتكار ما يمكن أن يفيد المريض الميؤوس من شفائه كان عملا جبارا.
فضلا عن تخصصه الأساس في الجراحة البولية التي تدرب فيها على خيرة الاختصاصيين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والذي كان من الأوائل ممن تعاملوا مع سرطان المثانة والاختلاطات الجراحية المتقدمة الناتجة عن مرض البلهارزيا في العراق، دخل الأستاذ حسين ميادين عديدة في الجراحة.
فلقد دخل ميدان الجراحة السرطانية خارج الجهاز البولي وأبدع بها. ومارس جراحة محجر العين وكان أول من بدأ بها في العراق. وبالرغم من إن هذه الجراحة من الجراحات الدقيقة والتي تحتاج إلى خبرة مكملة في جراحة العيون ومساهمة المتخصصين بها في العمليات فقد كانت نتائجه في العديد من الحالات لا سيما الأكياس المائية كانت مهمة جدا ورائدة.
قام كذلك باجراء بعض عمليات الجراحة العصبية في حالات الشدة على الرأس حينما لم يتوفر وجود جراح الأعصاب.
كانت علاقتي الشخصية مع المرحوم علاقة طالب بأستاذه واستمرت كذلك وتميزت بالصداقة والعرفان. توطدت عن طريق جراحة محجر العين فكان يحضر اجتماعات المحجر كلما سنحت له الفرصة وكان آخرها تشريفي بحضوره المحاضرة التي قدمتها في مستشفى خليفة في أبو ظبي في التسعينيات وقدمته الى الجميع رائدا لجراحة محجر العين في العراق.
خسرته كلية الطب كما خسرت الـ 48 أستاذا الاخرين عام 1979 حينما تقرر الاستغناء عن خدماتهم.
خسره المجتمع الطبي وخبرته الجراحية والتربوية حينما غادر العراق.
فقده العراق والمجتمع الطبي والإنسانية حينما انتقل إلى جوار ربه.
أسكنه الله فسيح جناته وأحسن مثواه وحشره مع النبيين والصديقين.
ستبقى ذكراه دائمة في قلوب وعقول كل من عرفه وسمع عنه.
ألهمنا الله جميعا الصبر والسلوان بفقده.
عزاؤنا لعائلته المتمثلة بالأستاذ ناجي طالب وكريماته المبجلات.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور حسين طالب أستاذ الجراحة في كلية طب بغداد ورائد البحث العلمي التطبيقي في ميدان الجراحة
الأستاذ الدكتور حكمت صدّيق آغا*
خسارة الجراحة العصبية
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)
خبر كالصاعقة وقع عليَّ؛ خبر وفاة الأخ والصديق والزميل أبا شوان، الأستاذ الدكتور حكمت صديق رحمه الله وأحسن اليه. وهذه قامة أخرى من قامات العراق السامقة تهوي فيخسرها العراق ولاتعوض.
وبقلب مؤمن بقضاء الله وقدره ازدحمت الذكريات أمامي منذ عرفت الأخ الحبيب حكمت.
سبقني المرحوم في سني الكلية وأتذكره وأنا في السنين الأخيرة من دراستي حينما كان مقيماً في الجراحة العصبية. استأذنت منه حضورعملية طارئة قام بها لطفل مصاب بكسر خسفي في الجمجمة بسبب رفسة حصان. بهرني وهو الطبيب المقيم بما يحمل من الثقة بالنفس والكفاءة والخلق وحب التعليم.
بدأت علاقة الزمالة الطبية عام ١٩٧٣في المستشفى الجامعي في دندي في اسكتلندا عند عملي هناك كمقيم في الجراحة العامة. جاء حكمت لتأدية الامتحان النهائي لزمالة الكلية الملكية البريطانية حيث كان مستشفانا أحد المراكز الامتحانية للكلية. فرحت بلقائه وفرحت لاجتيازه الامتحان في تلك المحاولة.
عاد إلى العراق في بداية الثمانينيات إلى مستشفى جراحة الجملة العصبية محملاً بالخبرة المتراكمة في المملكة المتحدة وفي العراق وكانت عودته مكسباً كبيراً للمستشفى والاختصاص وللعراق. عمل في مستشفى جراحة الجملة العصبية ثم جامعة الموصل حيث افتتح شعبة الجراحة العصبية وبعدها ترأس شعبة الجراحة العصبية في الجامعة المستنصرية في بغداد.
كان المرحوم صديقاً للجميع عطوفاً تتميز علاقته بالمريض وكأنه أقرب الناس إليه. و كانت زمالته لإخوته الجراحين تفوح بعطر المحبة الصادقة والثقة والتعاون المطلق. أحبه طلبة البورد العراقي لما كان يمنحهم من خبرته ومحبته وكذا كان مع طلبة كلية الطب حيث كان أستاذاً بحق شهد له الجميع.
تفانى بعمله ولم يبال بطول الوقت في قاعات العمليات والبعد عن البيت حيث عمل بدون كلل وكان حاضراً عند الحاجة في أي وقت يتطلب وجوده.
أعزي أخوتي اختصاصيي الجراحة العصبية وفي المقدمة أخي الأستاذ الدكتور سعد الوتري وزملائي الشباب الذين يقودون الاختصاص في العراق والطلبة وأعزي كل من عرف وأحب الفقيد وهم كثرة كثيرة تجدهم في كل بلد حل به العراقيون.
أعزي الأخت الفاضلة أم شوان والأعزة محروسيه وأهله والمتعلقين.
نم قرير العين أخي حكمت في دار الأبدية فلقد خلّفت بعدك ذكرى لن تمحوها الأيام في قلوب وعقول كل من عرفك وعمل معك.
أسكنك الله فسيح جناته وحشرك مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
وأنا لله وإنا إليه راجعون
* الأستاذ الدكتور حكمت صديق آغا عمل جراحاً في مستشفى جراحة الجملة العصبية ثم أستاذاً في الجامعة المستنصرية
الأستاذ الدكتور خالد القصاب*
غاب الدليل ورحل
إلى أستاذي وأخي الأكبر وصديقي المعلم الخالد والفنان الرائد الدكتور خالد القصاب.
غاب الدليل ورحل، غاب ورحل خالد القصاب، رحل ولن يعود، رحل بجسده فقط، ولكنه باق مع بقاء القيم التي زرعها في طلبته، في الرعاية الرحيمة التي قدمها لمرضاه، في الخلق القويم والقيم النبيلة التي لا تجارى والتي تمنى الكثيرون أن يسموا إليها، وكذلك في الفن الرفيع الذي كان رائدا فيه على كل المستويات. فخالد خالدا برغم الفناء الجسدي.
رحلت يا سيدي وتركتنا بألم وحسرة، رحلت يا سيدي وخلفتنا حيارى مشدوهين من هول الصدمة. هل حقيقة لن نرى الأستاذ خالد ثانية؟ هل حقيقة إنا خسرنا تلك الروح الخلاقة الشابة أبدا؟ هل حقيقة إنا فقدنا القدوة في الخلق والقدرات؟ هل حقيقة فقدنا ذلك العزم الذي لم يكل أو يحبط أمام مختلف المصدات وفي أعقد الظروف وعلى مر الزمن؟
كنت كالحمامة الوديعة التي ترعى بيضها وبيض غيرها وتصبر حتى يفقس عن كائن ضعيف وتحنو عليه حينما يبزغ الريش عليه وتعلمه وتوجهه الوجهة الصحيحة ليتمكن من نفسه ويعتمد عليها. وتستمر بالاهتمام بتطوره وتساعده بكل ما تستطيع. لقد أخلصت وتفانيت بمنتهى الإخلاص والتفاني في سبيل طلابك، وتبنيت من عمل منهم بمعيتك وكنت توجههم إلى الطريق الأفضل، وبعد حصولهم على الاختصاص العالي وعودتهم إلى الوطن كنت لهم الأخ الأكبر والزميل الناصح المساند. كنت لهم وفي كل المراحل تلك القدوة الصالحة في الخلق القويم مع المريض، مع أهل المريض، مع الأطباء الشباب، مع الاختصاصيين والأساتذة الآخرين، مع الملاك العامل من الممرضات والموظفين وحتى عمال الخدمة. كنا نراقب ونحاول أن نقلد كل ما تقول حتى حركات يديك عند الحديث، وكل ما تتصرف به داخل وخارج مجمع الكلية والمستشفى.
أشكر الله العلي القدير حيث مكنني أن أكون معك وبخدمتك في أيامك الأخيرة في المستشفى في الأردن وأستلهم منك حتى ساعات وداعك هذه الدنيا يوم الخميس 22 تموز 2004، والوقوف عند الأرض التي استودعت جسدك في اليوم التالي في مقبرة سحاب في عمان.
ستبقى خالدا يا أيها الأستاذ الطبيب الفنان المربي والقدوة. ستبقى خالدا في عقول وقلوب كل الذين عرفوك عن قرب وعن بعد. فنم قرير العين في نومتك الأبدية والكل يتضرع إلى الله العلي القدير أن يسبغ عليك رحمته ولطفه جزاء لما قدمته من خير بدون مقابل للناس جميعا. وإنا لله وإنا إليه راجعون، وألهم سبحانه وتعالى السيدة الصابرة أم وليد والأعزة وليد، زينة ورشا الصبر والسلوان.
تلميذك أبداً عبد الهادي الخليلي
* الأستاذ الدكتور خالد عبد العزيز القصاب أستاذ الجراحة في كلية طب بغداد ورائد مكافحة السرطان في العراق
الدكتور خالد النائب*
رسالة بالإيميل إلى قريبه الأستاذ الدكتور رعد شاكر أستاذ طب الأعصاب في لندن
عاد الدكتور خالد من استراليا للالتحاق بجامعة النهرين وبعد التحاقه بأسابيع قليلة امتدت له أيدي الغدر لتغتاله. لم أعرف عنوان أخيه الأستاذ الدكتور زياد اختصاصي الجراحة البولية.
My dear Raad,
What a tragedy. No, you have not send it to me before. Thanks so much to make me aware of these terrifying events. You are so helpless with what is going on. You can never foresee what is going to happen. What a shock to lose Khalid in this painful way. What great expectations and Hope he had to help his people in these difficult times. I am sure he resisted so many calls asking him not to go to Iraq but his love to his country and dedication to Iraqis made him take this brave and hard decision. When I heard the sad news I was in real pain and felt my heart broken. I have the deep respect and admiration to Prof Tariq and love to my dear Ziad.
God grant his wife and his family the patience and his friends the ability to endure.
Our situation is horrible. We are looking at a light at the end of the tunnel with hope, but many
say that this light is an incoming train!!!!!. Let us hope for a better tomorrow!!!!!!
“Inna llilah wa inna ilaihee Rajioon” God save you all
PS. May I ask you kindly to get me Ziad’s email.
* الدكتور خالد النائب الذي عُين نائب عميد كلية الطب جامعة النهرين، وابن عميد كلية طب بغداد الأستاذ طارق حمدي
الدكتور دوني جورج*
حين يصير عالم الآثار أثراً
إلى روح دوني جورج
بكل أسى وألم بلغنا نبأ انتقالك إلى رحمة رب العالمين جل وعلا. ندعو الله أن تكون سفرتك الملكوتية سفرة السعادة الأبدية، وأن تحشر مع النبيين والقديسين والصالحين في جنة الفردوس.
كنت تعرف حقا كما نعرف مثلك إن عطاءك الغزير جداً في الحقل الثقافي والعلمي لايتناسب مع قصر الفترة التي عشتها. لقد رفعت الراية الخفاقة للدفاع عن التراث العراقي حتى آخر لحظة في حياتك حينما كنت في مطار تورنتو في كندا يوم السبت المصادف 11 آذار 2011 وبانتظارك محبوك ومريدوك في الجانب الآخر من المطار وكلهم شوق لرؤيتك واستضافتك لمحاضرة ثقافية تراثية تنويرية كنت قد أعددتها للجالية. ولكن صدمتهم الكبيرة كانت حينما أبلغهم مسؤولو المطار بالذهاب إلى المستشفى حيث نقلتك سيارة الإسعاف عندما وقعت مغشيا عليك بسبب نوبة لعلها كانت قلبية المنشأ.
وياللأسف لم تصل إلى المستشفى إلا جسدا باردا فارقته الروح إلى بارئها، ولم يقدر الطب في منع ذلك. وهذا أمر الله الذي لا يرد ولا اعتراض عليه.
الكل يتذكر ياعزيزي دوني موقفك الشجاع والشهم والوطني حينما حاول الرعاع الهجوم على مستودعات المتحف الوطني عام2003 . كنت قد أوعزت ببناء حائط أمام الباب الرئيس لتمويه شذاذ الآفاق ومنعهم من متابعة السرقة التي امتدت إلى ما كان موجودا في قاعات المتحف.
كنت يا أبا ستيفن علما من أعلام العصر وسفيرا لتراث العراق نفخر به في كل المحافل العالمية. كان اسمك يتردد في كل حلقة دراسية أومقالة أو محاضرة تخص العراق وآثاره المسروقة من المتحف وخارجه. لقد كنت المدافع عن آثار العراق وكأنها ملكك الشخصي لابل وكأنها قطعة من كبدك. كنا جميعا نشعر بألمك وتفاعلك حينما ألقيت محاضرة بيننا كنت قد دعوتك لإلقائها في شهر كانون أول عام 2006 في جامعة جورج واشنطن بواشنطن.
حضر المحاضرة العديد من علماء الآثار الأمريكان ونخبة كريمة من أبناء الجالية العراقية قارب عدد الحاضرين المائتين. كان للصور المؤلمة التي صورتها مقرونة بمشاعرك وما عرضته على الشاشة أبلغ الأثر والألم بما حل بالعراق الحبيب ومن نهب لتراثه.
كنت الرائد العلمي والصوت العراقي الخبير والمؤثر حينما دعوتك ثانية للمشاركة في مؤتمر الأكاديميين العراقيين الذي عقد في الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم عام 2009 وشاركت فيها بإحدى الجلسات الثلاث مع إخوة لنا: جراح القلب العالمي حازم صافي، وأستاذ الزلازل والجيولوجي حيدر الشكري وأستاذ الهندسة المدنية المتميز حسين بهية وعلماء آخرون.
وحينما بدأنا مشروع سوية من أجل العراق” كنت الطاقة الخلاقة للجنة التراث التي تبنت مشاريع وطنية جريئة خدمة لتراث العراق في الحاضر والمستقبل. عملت مع زملائك رموز التراث والآثار في الولايات المتحدة والعالم: العالمة زينب البحراني، أستاذ التراث والفن هاشم الطويل وأستاذة تاريخ الفن ندى الشبوط.
لازلت أحتفظ برسائلك وأسترجع اتصالاتنا الهاتفية المتكررة بعد كل حدث تراثي يخص البلد الحبيب وأنت معبأ بالحماسة والأمل بأن يعمل الجميع على حفظ التراث الموروث من الأجداد وأن يعدوا هذا واجبهم الإنساني والوطني المقدس. لقد أديت الأمانة وبأكمل وجه وستبقى أعمالك خالدة وذكراك دائمة في كل مرفق من مرافق التراث العراقي حيثما وجد.
عزاؤنا فيما خلفت يا أيها الأخ الفاضل والعراقي النبيل والعالم الجليل دوني جورج، وقلوبنا مع السيدة الفاضلة أم ستيفن والمحروسين ستيفن ومريم ومارتن.
ندعو لك جميعنا بالراحة الأبدية والعناية الربانية.
المخلص لذكراك
عبد الهادي الخليلي
* الأستاذ الدكتور دوني جورج خبير الآثار ورئيس هيئة الآثار وأستاذ في جامعة ستوني برووك في نيويورك
الدكتور رافد صبحي اديب*
رحل رافد صبحي أديب
غادرنا صباح يوم أمس الأربعاء 22/12/2010 إلى الرفيق الأعلى الدكتور رافد صبحي أديب وهو على سريره في داره بمدينة ويكفيلد في أطراف مدينة ليدز في إنكلترا.
تخرج رافد عام 1952 حسب ماذكر لي وكان طبيبا على ملاك الجيش. خدم في الجيش وابتعث للحصول على شهادة زمالة كلية الجراحين البريطانية والتي حصل عليها بوقت قصير. عاد ليعمل في مستشفى الرشيد العسكري وزامل الطيبين الأكفاء الدكتور كمال حسين والدكتور سالم خطاب عمر وغيرهم من الجراحين الأفذاذ.
في خضم المعمعه السياسية والفوران العقائدي وردود الفعل المؤلمة بعيد ثورة تموز 1958 تعثرت مسيرته وأدخل السجن لفترة وكان زملاؤه في السجن يلجأون اليه في كل احتياجاتهم الطبية فكان الساهر عليهم والراعي لصحتهم وكان له دورا كبيرا في إنقاذ أرواح بعضهم. وبعد خروجه من السجن أعفي من الخدمة وافتتح عيادته الخاصة في ساحة الطيران بجنب عيادة مختبر الطبيب الذي عز مثيله في الخلق والكفاءة أخي وعزيزي المرحوم عبد السلام محمد اختصاصي التحليلات النسيجية.
عرفت بالمرحوم أبي ليلى عام 1966 حينما عملت مباشرة بعد تخرجي ولمدة شهرين قبل الخدمة العسكرية الإلزامية في مستشفى ابن سينا الأهلي بمعية الأستاذ الفاضل المرحوم الدكتور كاظم شبر. كان رافد متميزا بين الجراحين بكفاءته الجراحية وحسن طلعته ورقة معاملته مع مرضاه ومع ملاك المستشفى. ساعدته في عدة عمليات جراحية وشاهدته عن قرب وهو يتعامل مع حالات جراحية معقدة وكأنه يتعامل مع أبسطها لثقته العالية بما لديه من القدرة والجرأة.
انقطعت صلتي به حين سار كل بدربه، وشاءت الصدف أن ألتقيه في مدينة ليدز في إنكلترا حينما عملت في قسم جراحة الدماغ في المستشفى الجامعي هناك. وكان قد قدم للعمل فيها كطبيب مقيم في قسم الأمراض البولية وهو أعلى مقاما من ذلك بكثير ولكن للضرورة أحكام. ولكن وبعد مدة قصيرة شغر منصب استشاري في نفس القسم وإذا بالجميع يرشحون رافد لشغل هذا الموقع. وعند إجراء المقابلة للعديد ممن قدموا على المنصب لأهميته كونه في مستشفى من المستشفيات الراقية في العالم صوّت جميع أعضاء اللجنة وبالإجماع لرافد ومن ضمن الذين صوتوا وبشدة كان رئيس القسم فيليبس والذي أدلى بصوته هاتفيا من استراليا حيث كان في سفرة علمية هناك وأراد أن يضمن تعيين رافد لمعرفته من هو رافد وماهي كفاءته.
ولأني كنت المقيم المسؤول عن قسم جراحة الدماغ هناك كنا نلتقي كثيرا وبصحبة عزيزنا “مختار ليدز” المهندس الأخ مهدي الحسني. ولنا ذكريات عابقات مليئة بروح الأخوة والمحبة والأنس.
عاشرت عائلته الكريمة المتمثلة بزوجته كريستل وابنتيه ليلى وتانيا ودلير. كانت العائلة سعيدة بما هي فيه إلى أن غدر بها الزمن بوفاة الملاك الجميل ليلى بعد إصابتها بسرطان قاتل لم يمهلها. فنكب بها أبواها وصارت الحياة ألماً وحسرةً وشمل الألم والحسرة جميع محبيه ومحبيها. ولكن كانت مشيئة الله التي يجب تقبلها. ولكن وبعد سنين قليلة انتقلت كريستل إلى جوار ربها فكانت الفاجعة الكبرى الأخرى التي أصيب بها، ولكن عزاءه كان في المحروسين تانيا ودلير. إستمر في عمله الجراحي وخدمته المتميزة لمرضاه، وكان ما خفف عنه الألم سلامة وسعادة حبيبيه تانيا ودلير حرسهما الله.
عانى المرحوم كثيرا من مرضه المزمن الذي لازمه لسنين وأخيرا اضطر أن يلزم الفراش في بيته بعد أن دخل المستشفى عدة مرات. كنت على اتصال مستمر معه عبر الهاتف أتحدث معه لدقائق نتذكر الأيام الجميلة ونسعد بذكراها ولكن حالته المتعبة لاتسمح بالتحدث أكثر من دقائق قليلة. وفي أواخر رحلة الحياة كنت أتحدث مع الممرضة التي ترعاه وأطلب أن تحييه عني حينما كان لايقوى على التحدث. وحل الوقت الموعود للسفر وانتقلت روحه الطيبة إلى بارئها.
نم قرير العين في نومتك الأبدية يا أخي العزيز النبيل والمكافح والمعذب والوطني والكفوء، أبا ليلى فذكراك العبقة ستبقى مع محبيك وطلابك ومرضاك.
أسكنك الله فسيح جناته وحشرك مع الصالحين وألهم محروسيك تانيا ودلير وعائلتك الكبيرة وكل محبيك الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون
من لن ينساك….عبد الهادي الخليلي
* الدكتور رافد صبحي أديب اختصاصي الجراحة البولية الشهير في العراق وبريطانيا وزميل عملي في المستشفى الجامعي في مدينة ليدز في انكلترا
زاهر الخليلي
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
ببالغ الأسى والحزن نعزي السيدة أم زينب وزينب ويوسف وعمران وفريدة والإخوة والأخوات عبد الإله ورجاء وابتسام وامتثال والشباب الطيبين عامروكاظم وغالب ومي وهند وبشار ودانا، بوفاة الأخ الكريم الطيب الذكر الأستاذ زاهر كاظم الخليلي الذي توفاه الله في النجف الأشرف عن عمر ناهز التسع وثمانين سنة بعد مرض لم يمهله طويلاً.
أنعم الله عليه أن تكون سفرته الأبدية من مسقط رأسه النجف الأشرف وهو بين أهله ومحبيه. أسكنه الله واسع جنته وحشره مع النبيين والمعصومين.
ألهمنا الله جميعاً الصبر والسلوان
وإنا لله وإنا إليه راجعون
عبد الهادي الخليلي والعائلة
* الاستاذ زاهر الخليلي من أبناء عمومتي سكن ألمانيا ثم عاد الى العراق في شيخوخته
الأستاذ الدكتور زهير البحراني
رثاء لمعلمي وأخي الأكبر وصديقي الأستاذ الدكتور زهير رؤوف حسن البحراني
بسم الله الرحمن الرحيم
“كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”
فَقَدناكَ فِقدانَ السَحابَةِ لَم يَزَل لَها أَثَرٌ يُثني بِهِ السَهلُ والوَعرُ
مَساعيكَ حَليٌ لِلَّيـالي مُرَصّـَعٌ وَذِكرُكَ في أردانِ أَيامِها عِطرُ
جاء خبر انتقال الأستاذ الدكتور زهير البحراني إلى الملأ الأعلى في اليوم التاسع من الشهر التاسع صدمة هزت القلب ودقاته وخيم على النفس الظلام. فبالرغم من أن تلك النهاية كانت متوقعة لِما كان يعانيه من ثقل المرض وأعبائه ولكن الصدمة كانت كبيرة والأسى كان شديداً. فبفقدان الأستاذ زهير أبا رؤوف فقدنا طوداً شامخاً ساهم بكل ما يتصف به من علم وخلق وكفاءة لبناء الهرم الطبي في العراق وما حوله. الطود الذي ملأ سماء الطب لستة عقود بما كان يتصف به من كفاءة وخلق وتفانٍ وإبداع وريادة. فإذا كان هناك مثلٌ أعلى وقدوة لأطباء العراق وعلمائه يسعى الجميع للتمثل به والسير على خطاه لتحقيق الأفضل في الحياة المهنية والعلمية لكان هو الأستاذ زهير البحراني.
فُجِعنا في منتصف هذا العام بفقدان الأستاذة الدكتورة فائدة كابان (أم رؤوف) فكان خسارة كبيرة ألمّت بالعائلة وبأبي رؤوف وكل المحبين. وفي عام 2016 فقدنا الأستاذ إحسان البحراني (أبا علي) ولم يكن شقيق الدكتور زهير فحسب بل كان صديقه وصنوه اللذان لم يفرقهما إلا الموت.
كان لي الشرف الكبير بأن أكون قريباً من هذه القامة السامقة منذ كنت طالباً في الصف الخامس عام 1965 حيث كان يحاضرنا في مادة الجراحة العامة ولعل دورتنا كانت الدورة الأولى التي بدأ تدريسه فيها. تعرفت عليه عن قرب في الصف السادس حيث كان تدريبنا الجراحي في ردهتي 17 و18. تتلمذت بعد ذلك على يده عند الإقامة في المستشفى الجمهوري في ذات الوحدة الجراحية فقضيت فيها بحدود السبعة أشهر (بدلاً من ثلاثة أشهر). وبعد سفري للتخصص كنت دائم التواصل معه أنهل من توصياته التي كان لها الأثر الكبير في مسيرتي. عند عودتي إلى العراق عام 1976 زرته أول من زرت من أساتذتي وقدم لي مساعدته في انتقالي من وزارة الصحة إلى الجامعة بعد أشهر قليلة من عودتي إلى الوطن.
بعد النكبة التي مني بها الطب في العراق بصدور أمر التقاعد المبكر له وللعديد من فرسان الطب ورواده في العراق دام تواصلنا اجتماعياً وعلمياً بوساطة جمعية مكافحة السرطان ومجلس السرطان ونشاطات أخرى.
أقامت نقابة أطباء العراق عام 1999 بشخص نقيبها الأستاذ الدكتور محمد الراوي ندوة تاريخية في مبنى النقابة مثـّلت أربعة أجيال من الأساتذة فكان هناك الأستاذ فؤاد حسن غالي الذي مثّل الجيل الأول فالأستاذ زهير الذي مثّل الجيل الذي يليه وكنت من مثل الجيل الثالث والدكتور محمد الراوي الجيل الرابع. كان الاحتفال شائقاً اجتماعياً وتربوياً حيث أعطى درساً في وفاء الأجيال لما قبلها. حضَر الإحتفال جمع غفير من الأساتذة والأطباء والطلبة.
بعد الاحتلال عام 2003 أسهمت معه ومع مجموعة تضم اثني عشر من رموز العلم والكفاءة من داخل العراق وخارجه باستحداث الأكاديمية العلمية الوطنية العراقية. بعد مغادرتي الوطن عام 2004 استمر تواصلنا ونحن في الغربة عبر الهاتف وفي زيارات متكررة للأردن حيث استقر في السنين الأخيرة.
ولد الأستاذ الدكتور زهير في بغداد في الثاني من شهر مايس عام 1933. تخرج في كلية الطب في بغداد عام 1955 وخدم في الجيش العراقي كضابط طبيب حتى نهاية عام 1956. تدرب في المستشفى الملكي في بغداد. توجه عام 1961 إلى المملكة المتحدة ليكمل تدريبه ويحصل على شهادة زمالة كلية الجراحين الملكية البريطانية عام 1963. عاد عام 1964 عضواً في الهيئة التدريسية في كلية طب بغداد وجراحاً اختصاصياً في المستشفى الجمهوري في وحدة الجراحة 17/18 مع الأساتذة عبد اللطيف البدري، خالد القصاب وعبد الكريم الخطيب. استمر بعمله الدؤوب والمتميز حتى عام 1979 حينما أحيل على التقاعد.
اختير عام 1998 ليكون عضواً في اللجنة المشرفة على كلية طب بغداد من ضمن مجاميع الإشراف على كل كليات الطب العراقية. أصبح رئيساً لجمعية أمراض الجهاز الهضمي في العراق من 2004 وحتى 2008.
كانت له من البحوث ما زاد على الخمسين بحثاً في مجالي أمراض الجهاز الهضمي والأكياس المائية وغيرها نُشرت أكثرها في أمهات المجلات الطبية العالمية التخصصية وكانت مرجعاً علمياً مهماً لأمراض الجهاز الهضمي في العراق والمنطقة بأكملها. ألّف كتاباً ضمنه العديد من بحوثه ليظهر خبرته وآراءه في أمراض الجهاز الهضمي لا سيما خبرته الفريدة والتي كانت لا تجارى في مجال أمراض الجهاز الهضمي اللمفاوية. تم اختيار بحثه في تصنيف الأمراض اللمفاوية في الأمعاء الدقيقة كأفضل بحث معتمد ونشر في الكتاب السنوي للجراحة عام 1984.
تحتفظ كلية الجراحين الملكية البريطانية في لندن في متحفها وكذلك متحف مؤسسة “ولكوم” البريطانية الطبية نماذج من أورام كان قد استأصلها من مرضى في العراق.
شارك في ندوات علمية وألقى محاضرات في محافل دولية في الدول العربية والأوربية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان.
كنت يا سيدي الجراح الأوحد في مجال جراحة الجهاز الهضمي وكنت الباحث الرائد وكنت المعلم المتفاني الذي تجاوز كل الحدود لمن يعلمهم ويعمل على أن يكونوا قادة في الاختصاص، وفوق ذلك كله كنت الإنسان النبيل الذي يقطر إنسانية وخلقاً والتي تبدأ برعايته لأسرته وللمجتمع ككل.
يشهد الله بأن كان بودي، وأعده واجباً، أن أكون بخدمتك في أيامك الأخيرة ولكن ظروف الحياة القاسية لم تسمح بذلك فبقيت أتلهف للتواصل معك عبر الهاتف بوساطة العزيزة المحروسة رفاه حيث سكنتَ بالقرب منها وكذلك المحروسين رؤوف وأحمد حتى أيامك الأخيرة في هذه الدنيا.
قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ
ستظل مكارمك يا أبا رؤوف خالدة خلود طب العراق تتحدث بها الأجيال وتسترشد بها أمد الدهر، فالعظماء أمثالك يموتون ولكنهم أحياء في الذاكرة والتاريخ.
سأبقى وفياً ومخلصاً لك بالدعاء لروحك الطاهرة وهناك الآلاف من مرضاك وطلابك ومحبيك من سيستمر بالدعاء لك وفاءً وإخلاصاً.
رحمك الله يا فقيد الوطن وفقيد الطب والإنسانية. عزاؤنا بمن خلفت من أولادك الدرر الأستاذ رؤوف والدكتورة رفاه والدكتور أحمد وأحفادك وهم مفخرة لآل البحراني الأكارم ولنا جميعاً بما تميزوا به من تربية صالحة وخلق عالٍ وكفاءة وتميز. حرسهم الله وأبقاهم ذخراً وفخراً وأصبحوا صدقتك الدائمة فضلا عن صدقتك الجارية في العلم الذي ينتفع به.
اللهم ارحم أستاذنا وحبيبنا وصديقنا أبا رؤوف، اللهم نوِّر له قبره وآنس وحشته، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم اغفر له وارحمه وأعف عنه وأكرِم نزله، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأدخله الجنة بغير حساب برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ محروسيه رؤوف ورفاه وأحمد والأحفاد والفاضلة السيدة بشرى شقيقته وكل آل البحراني وألهمهم وكل محبيه الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد الهادي الخليلي
واشنطن
الأربعينية:
ألا أيـها الموتُ الذي ليس تاركي أرِحْني فقد افنيتَ كل خليلِِ
أراك خــبيرا بالــذين أُحُــبهـم كأنك تسـعى نَحْوهم بدليلِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمر اليوم ذكرى رحيل معلمي وأخي الأكبر وصديقي الأستاذ الدكتور زهير رؤوف البحراني في أربعينية انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
أتقدم بخالص الشكر للسيدة بشرى البحراني شقيقة المرحوم والأستاذ الدكتور نزار الرحيم على إحيائهم هذه الذكرى. والشكر موصول لكم أيها الحضور الأكارم.
ذكرت في كلمة الرثاء التي كتبتها في التاسع من شهر أيلول عند وفاة الأستاذ زهير رحمه الله تفاصيل عن مسيرة حياته منذ تخرجه في كلية الطب حتى أيامه الأخيرة، فليس لي أن أكرر هنا ما ذكرته في تلك الكلمة.
لذا وددت اليوم أن يشمل حديثي بهذه الذكرى الروابط الشخصية التي ربطتني به روابط الأستاذ بطالبه والزميل الحكيم بزميله المستجد والصديق لصديقه.
تمتع الأستاذ الدكتور زهير بجوانب متميزة عديدة في مسيرته الناصعة؛ فهو الأستاذ والجراح والباحث والإنسان والصديق والوطني المتفاني.
بدأ نجمه يشع في المجتمع الطبي بعد عودته من بريطانيا عام 1964 بعد حصوله على شهادة زمالة كلية الجراحين الملكية وشهادة الممارسة الطبية البريطانية محمّلاً بالخبرة الجراحية الواسعة. إلتحق في ذلك الوقت بالهيئة التدريسية لكلية طب جامعة بغداد وفي عام 1977 منح درجة الأستاذية.
كانت بداية تعرفي به عندما كنت طالباً في مرحلة الصف الخامس من كلية الطب في عام 1965 عن طريق محاضراته في جراحة الجهاز الهضمي.
في مرحلة السنة السادسة كانت مجموعتنا من الطلبة في الردهات الجراحية في الوحدة الجراحية الأولى حيث تتلمذنا على يديه وعلى يدي الأساتذة خالد القصاب وعبد الكريم الخطيب فكانت تلك الوحدة مثالاً في الخلق والكفاءة. هناك عرفته عن قرب فرأيت فيه كل الصفات التي يتمنى الطبيب الحديث التخرج أن يتصف بها.
كان امتحاني السريري النهائي في المرحلة السادسة في الردهة السابعة عشرة على يد الأستاذ زهير وأستاذ آخر. الحالة التي كان عليّ تقديمها هي حالة تشمع الكبد المتقدم بكل اختلاطاته المعروفة. عند فحص المريض فوجئت بمشاهدة علامة بداية خذلان الكبد حيث شاهدت علامة رفرفة الكفين. وعند تقديمي الحالة للأستاذ زهير والممتحن الآخر بدأت بذكر تلك العلامة التي فوجئ الأستاذ زهير حيث لم تكن تلك العلامة ظاهرة حتى لحظة فحصي. نتيجة لتلك الملاحظة المهمة كانت درجتي أعلى درجة منحاها حسب ما علمت بعدئذ. وجعله ذلك الامتحان أن ينظر لي بخصوصية.
عند التحاقي بالإقامة الدورية في المستشفى الجمهوري كانت لي الفرصة أن أكون الطبيب المقيم في ذات الوحدة. كانت التعليمات تحتم التدريب لمدة ثلاثة أشهر في الجراحة والطب الباطني واختصاصين آخرين. ولكن لأني الخريج الأول ولعلاقتي الطيبة بالأساتذة في تلك الوحدة الجراحية فقد قضيت هناك ما زاد على الستة أشهر فكانت تلك المدة المحطة الأساسية في تكويني كطبيب.
تفضل عليّ الأستاذ خالد القصاب عام 1970 بأن رشحني كعضو في الهيئة الإدارية لجمعية مكافحة السرطان العراقية فأصبحت أجلس وبفخر معه ومع الأستاذ زهير وبقية أعضاء الهيئة الإدارية في تلك الدورة.
عندما قررت أن أتخذ اختصاص طب العيون هدفا مستقبلي له علاقة بالجراحة لم يكن راضياً عن اختياري ذلك. لكن عندما بيّنت له بأن العراق كان يخلو في ذلك الحين من اختصاصيين يحملون شهادة زمالة الكلية الملكية البريطانية أو البورد الأمريكي وافق على ذلك.
سافرت للتخصص في طب العيون في بريطانيا ولكني لم أكن مقتنعاً تماماً بذلك الاختصاص بالرغم من عملي بالاختصاص في مراكز مرموقة هناك. اتصلت بالأستاذ زهير ابيّن له قلقي وإذا به يوجه لي رسالة فيها عتب وما يشبه التقريع لعدم استقراري على اختصاص وإنه كان قد علق أملاً كبيراً على مستقبلي. وبالصدفة وفي ذات الوقت حصلت على موقع في اختصاص الجراحة العصبية والذي اقتنعت به كاختصاص مستقبلي.
أتذكر عند عملي في إنكلترا إنه أرسل لي يطلب رعاية أحد العراقيين هو السيد حميد صباغ السيارات المعروف في شارع الشيخ عمر مصاحباً لابنته الطفلة المصابة بورم جذع الدماغ. أديت الواجب على أفضل حال ولما لم يكن لها أي علاج شافٍ لتقدم المرض فقد أعيدت الى العراق. ولخطورة حالة المريضة في الرحلة الطويلة أرسلت معهما ممرضة من مستشفانا في ليدز لترعاها في الرحلة وحتى وصولها إلى دارها في بغداد مع كل مستلزمات التمريض في الرحلة وما بعدها وعادت الممرضة بعد أيام إلى بريطانيا.
عدت الى العراق عام 1976 بعد إكمال تدريبي وحصولي على الزمالة الجراحية. زرته أول من زرت من أساتذتي. تقرر في حينها تعييني في مدينة بعقوبة حسب التعليمات المعمول بها بأن يقضي الاختصاصي العائد أول سنتين خارج بغداد. ولكن بمساعدته وآخرين تم تجاوز ذلك القرار فكان تعييني في بغداد في مستشفى جراحة الجملة العصبية.
قدمت للانتساب إلى وزارة التعليم العالي لرغبتي الأكاديمية وساعدني هناك وحصلت الموافقة ولكن في جامعة الموصل وبمساعدته كذلك تم تغيير ذلك إلى التعيين في جامعة بغداد.
تسلمت في عام 1999 مسؤولية مجلس السرطان في العراق كنائب لرئيس المجلس الذي هو وزير الصحة. كان من أولويات عملي أن يوافق هو والأستاذ خالد القصاب وآخرون بأن يكونوا استشاريين للمجلس. وعندما تشكلت لجان الأورام التخصصية في المجلس كان الأستاذ زهير رئيساً للجنة أورام الجهاز الهضمي.
أقامت نقابة الأطباء بشخص نقيبها الأستاذ الدكتور محمد الراوي عام 1999 ندوة خاصة في مبنى النقابة دُعي لها أربعة أجيال من الأساتذة فكان هناك الأستاذ فؤاد حسن غالي الذي مثّل الجيل الأول فالأستاذ زهير الذي مثـّل الجيل الذي يليه وكنت من مثـّل الجيل الثالث والدكتور محمد الراوي الجيل الرابع. حضَر الاحتفال جمع غفير من الأساتذة والأطباء والطلبة. كان الاحتفال شائقاً اجتماعياً وتربوياً حيث أعطى درساً في وفاء الأجيال لما قبلها.
كان الأستاذ زهير الإنسان مثالاً للطيبة والعطف والمسؤولية العائلية والاجتماعية. فلا أنسى زيارتي لداره حينما طلب مني عام 1985 إبداء الرأي بخصوص صحة والدته التي كانت تعاني من احتمال شمول الدماغ بمرض الرئة الذي كانت تعاني منه. كنت أرى التفاني في المحبة للوالدة والألم على وجهه ووجه الأستاذ إحسان. كان هناك العديد من أساتذتي ينتظرون ما أستنتج من فحصي لها. كان المرض أقوى من الطب ومما كانت تتحمله رحمها الله.
بعد احتلال العراق في عام 2003 كنت متواصلا معه قبل وبعد اختطافي. كنت عند زيارتي له أصحبه في سيارته متنقلين من داره الى عيادته ترافقنا سيارة فيها مرافقين له لحمايته في تلك الأيام العسيرة وقد حفظه الله من عوادي تلك المرحلة.
تلقيت دعوة من الدكتور حسين الشهرستاني في الشهر العاشر من عام 2003 للمساهمة في استحداث الأكاديمية العلمية الوطنية العراقية. علمت إن من المساهمين كان الأستاذ زهير والأستاذ فرحان باقر وأعضاء آخرين في اختصاصات علمية متعددة. بلغ المجموع ثلاثة عشر عضواً وكان من بينهم الأساتذة سامي المظفر، عبد العظيم السبتي، غازي درويش، فخري البزاز وصالح الوكيل وغيرهم. تم الاجتماع الرسمي الذي حضره الجميع في مقر الجمعية الملكية البريطانية في لندن في تشرين الثاني 2003.
كان آخر نشاط علمي ساهمت بخدمته فيه نشر مقالة مهمة له بالاشتراك مع الدكتور عادل حمادي في مجلة توفيق للعلوم الطبية التي كانت تصدرها منظمة “توفيق” في الولايات المتحدة التي كنت رئيس تحريرها.
شاهدت مقابلة تلفزيونية له في السنوات الأخيرة وحين سأله الصحفي عمن يتذكرهم من طلابه شرفني بأن ذكر اسمي على رأس قائمة من ذكرهم من الزملاء الأفاضل.
استمر تواصلي معه خلال وجودي في واشنطن خصوصاً عند زياراتي إلى الأردن حيث استقر هناك قبل استقراره في بريطانيا.
لقد حباه الله بعائلة كريمة مباركة فالوالد هو الوطني الوزير ذو التاريخ المشرف رؤوف البحراني، الزوجة الوفية المحبة الدكتورة فائدة التي سبقته بأشهر إلى جنة الفردوس وكانت نعم العون له وكان لها نعم القرين.
وأنعم عليه بأولاد صالحين هم الأستاذ رؤوف والدكتورة رفاه والدكتور أحمد وأولادهم، وأنعم عليه كذلك بأخيه النطاسي الأستاذ إحسان الذي توفاه الله عام 2016 وشقيقته السيدة سلوى التي استشهدت عام 1980 وطويلة العمر الأخت الفاضلة السيدة بشرى. ولا أنسى رعايته لسكرتيره في العيادة منذ افتتاحها عباس حيث كان يعامله كأحد أفراد عائلته.
هذه نبذة عن علاقتي وذكرياتي معه والتي ستبقى خالدة في القلب والنفس ومع أنها ذكريات شخصية فأنا واثق بأنها تعكس علاقة وذكريات العديد من الزملاء الذين عملوا معه وتتلمذوا على يديه. وهناك الآلاف من مرضاه ومحبيه الذين لهم معه ذكريات عبقة لا تنسى.
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن روى
سيبقى الحديث عنه وذكره الحسن خالداً لما تحلى به من مكارم الأخلاق ولما قدمه للطب والإنسانية. تلك نعمة عظيمة يختص بها الله من عباده ممن بذلوا الخير والبر ونفعوا الخَلق بعلمهم. وقد قال الإمام علي عليه السلام: العلماء باقون ما بقي الدهر.
رحم الله فقيدنا الأستاذ الدكتور زهير البحراني برحمته الواسعة وجمعه مع النبيين والصالحين وأسعده السعادة الدائمة في جنة الفردوس وأنعم على الأهل وعلى الجميع الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* الاستاذ الدكتور زهير البحراني رائد جراحة الجهاز الهضمي في العراق والوطن العربي وأستاذ الجراحة في كلية الطب، جامعة بغداد
الأستاذ الحاكم سالم عبيد النعمان
ﺑﺒﺎﻟﻎ الأﺳﻰ واﻷﻟﻢ تلقيت ﻧﺒﺄ اﻧﺘﻘﺎل أﺳﺘﺎذ العزيز ﺳﺎﻟﻢ عبيد اﻟﻨﻌﻤﺎن إﻟﻰ ﺟﻮار ربه في 2/2/2012.
تعرفت بالمرحوم عن قرب بوساطة الأخ الأكرم الأستاذ الدكتور كمال مظهر عند تأسيس “جمعية إنقاذ وتطوير بيئة وحضارة العراق” اﻟﺘﻲ طﺮﺣﺖ فكرتها ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻌﺎم 2003، واﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻟﻤﺮﺣﻮم ﻣﻦ الهيئة اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن الأﺳﺘﺎذ اﻟﺮاﺋﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻛﻤﺎل مظهر واﻟﻤﺮﺣﻮم الوزير ﻓﺆاد ﻋﺎرف واﻟﻤﺮﺣﻮم اﻟﻌﻼﻣﺔ الأستاذ الدكتور حسين ﻋﻠﻲ ﻣﺤﻔﻮظ والأﺳﺘﺎذ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اللطيف اﻟﺒﺪري والأﺳﺘﺎذ اﻟﻤﺤﺎﻣﻲ ﻓﺎﺿﻞ اﻟﻘﺎﺿﻲ وغيرهم ﻣﻦ خيرة اﻟﺠﻤﻊ اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﻓﻲ أغلب ﺻﻨﻮف الحياة وﻗﺪ ﺑﻠﻎ عددهم اﻟـ 26 ﻋﻀﻮا ﻣﺆﺳﺴﺎ.
ﻛﺎن اﻟﻤﺮﺣﻮم ﺣﺬرا ﻣﺘﺮددا في البدايات ولكنه ﻋﻨﺪﻣﺎ تيقن ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﻨﻮايا وﻣﻨﺒﻊ اﻟﻔﻜﺮة ﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ الجمعية ﺑﻜﻞ ﻋﻮاطفه وﻗﺪراته. ﻓﻠﻘﺪ أﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻋﺎتقه ﻣﺮاﺟﻌﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪاﺧﻠﻲ للجمعية وﻛﻨﺖ أزوره ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻓﻲ بيته ﻓﻲ الكرخ ليتفضل بمراجعة النظام الداخلي للجمعية. وﺑﺎﻧﻘﻄﺎع اﻟﻄﺎﻗﺔ الكهربائية اﻟﺪاﺋﻢ ﻓﻲ حينه ﻛﺎن يقوم بذلك وبكل عزم مستعيناً ﺑﺎﻟﺴﺮاج اﻟﻤﺮﻓﻮع ﺧﻠﻒ رأسه وﻛﺎن ذﻟﻚ يستمر اﻟﻰ قبل ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻨﻊ اﻟﺘﺠﻮال ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ الحادية ﻋﺸﺮة ﻣﺴﺎء فيحثني ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺮﺻﺎﻓﺔ ﺣﺮﺻﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎدي اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ.
سجلت له ولكل من حضر أحد اجتماعات الجمعية فلماً فديويا اقتطعت منه الصورة أعلاه والتي تضمه والأستاذ العزيز الدكتور كمال مظهر في دار عضو الجمعية اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﺎﻟﺢ اﻟﺠﺪة ﻓﻲ الاعضمية.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺮﺣﻮم ﺻﺎرﻣﺎ صادقا أمينا ويتمتع ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ عالية محيطا بما يجري وﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ يتصف ﺑﺨﻔﺔ اﻟﺮوح واﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ الرقيقة وﺣﺐ الآخرين. ماضيه اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ واﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﻣﻌﺮوف ﻟﺪى الجميع وهو تاريخ ﻣﺸﺮق يدعو إﻟﻰ اﻟﻔﺨﺮ به لعائلته وأﺻﺪﻗﺎئه ومحبيه وﻟﻠﻌﺮاق.
وﺑﻔﻘﺪه ﻓﻘﺪ اﻟﻌﺮاق ﻋﻠﻤﺎ ﻣﻦ أعلامه اﺳﺘﺤﻖ التكريم ﻓﻲ حياته ولم يحصل عليه ﻓﻲ حينه وﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ رحيله إﻟﻰ الرفيق الأﻋﻠﻰ. تكريمه ﻓﻲ ذﻛﺮاه اﻟﺪاﺋﻤﺔ اﻟﻌﺒﻘﺔ هو ﻣﺎ ﺧﻠﻒ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺢ ووﻟﺪ ﻣﺒﺎرك وﻋﺎﺋﻠﺔ كريمة.
رﺣﻢ ﷲ فقيدنا وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقيين.
ألهم ﷲ محروسه العزيز ﻏﺎﻧﻢ واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ الكريمة وﻛﻞ محبيه اﻟﺼﺒﺮ واﻟﺴﻠﻮان.
وإﻧﺎ لله وإﻧﺎ اليه راﺟﻌﻮن
* الاستاذ المحامي القاضي سالم عبيد النعمان وعضو محكمة تمييز العراق