تقع عيادتي في بناية مستشفى المختار الأهلية التي تقع بدورها في مدخل شارع يتفرع من شارع الأمام الأعظم الذي يصل الباب المعظم بمدينة الأعظمية وحسب ما يشاهد في الخارطة أدناه.
يقع دار سكن الأستاذ الدكتور كيلان محمود رامز أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد في الركن المقابل لمستشفى المختار تماماً. ولقلة موارد الأساتذة الجامعيين (خصوصاً خلال فترة ما قبل الاحتلال) فقد اقتطع الدكتور كيلان جزءاً من داره وحوره لدكاكين ثلاثة أو أربعة تواجه بناية المستشفى وعيادتي، ويبدو أن تخصص من استأجروا تلك الدكاكين كان بيع المواد الكيمياوية.
كان دوامي في العيادة عصراً بين الساعة الخامسة مساءً وحتّى التاسعة مساءً تقريبا. كنت التقي بالأستاذ كيلان في مناسبات أكاديمية ولم تكن لي علاقة متينة معه ولكن كنت أقدره لمركزة العلمي المرموق.
قصة الانفجار: حدثني الشباب الذين يعملون في عيادتي وبعض سكان المنطقة بحادث مريع وقع بحدود العاشرة صباحاً وكنت أثناء ذلك في عملي المعتاد في الكلية الطبّية ومستشفى الجراحات في مدينة الطب.
ملخص الحادث: يبدو أن بلاغاً وصل إلى الجيش الأمريكي يدّعي بأن الدكاكين التي يملكها الدكتور كيلان تبيع مواد كيمياوية لمنظمات المقاومة تصنع منها المتفجرات. ويبدو كذلك أن هناك من سرّب خبر توجه القوة الأمريكية صوب الدكاكين فأغلق الجميع دكاكينهم قبل وصول القوة الأمريكية وهذا غريب جداً حيث إن الدكاكين تغلق في العادة مساءً وليس في العاشرة صباحاً!
عند وصول القوة الأمريكية المتكونة من عدد من السيارات العسكرية فوجئوا بأن الدكاكين مغلقة. تقدّمت مجندة أمريكية وبيدها منشار حديد اوتوماتيكي وبدأت بقطع قفلاً لأحد تلك المحلات المغلقة. عند عملية القطع دخلت شرارات كهربائية إلى داخل المحل وإذا بانفجار هائل يحدث ليدمر ذلك المحل وكل المحال المجاورة. خرجت من الدكاكين نار هائلة التهمت جسم المجندة الأمريكية التي أسعفها من كان معها. هدم جانب من بيت الدكتور كيلان المقابل للعيادة والذي كانت فيه تلك المحلات بحيث انكشفت غرف البيت بمحتوياتها أمام الشارع.
المأساة المضاعفة: علم الناس المتواجدون إن الدكتور كيلان كان في الدار لحظة الانفجار ولم يشاهد حيث يبدو أنه كان مصاباً ولم يتحرك من مكانه.
كانت المأساة الرهيبة هو أن العديد من أولئك المتواجدين في الموقع قد دخلوا البيت من الجانب المتهدم وبدأوا بسرقة ما أمكنهم سرقته من محتويات البيت. قيل لي أن رجلاً جاء بعربته التي يجرها حمار لتحميلها بما يستطيع وكان يقول لابنه “بوية (يا إبني) هناك صحن ساتلايت في السطح إذهب واجلبه!” كل ذلك والدكتور كيلان لا زال في البيت مصاباً بدون أن يسعفه أحد. بعد حين دخل بعض الطيبين ونقلوه إلى المستشفى ولكن لم يتمكن الأطباء من اسعافه حيث فارق الحياة بعد حين.
كان المرحوم الدكتور كيلان ضحية الاحتلال وكذلك ضحية انعدام الخلق والمروءة والإنسانية. ويبدو أن الضحية الكبرى هو العراق كله.