إختطافي (28 نيسان -1 مايس) 2004
البداية:
كان أربعاء الثامن والعشرين من نيسان 2004 يشبه كل أربعاء. الحياة صعبة من الناحية الأمنية والأخبار ترد سراعا بأخبار سيئة ومرعبة أحيانا وهناك منع التجول الذي يبدأ في الساعة الحادية عشر مساء وحتّى السادسة صباحا. عيادتي مكتظة بالمرضى، والكل يرغب بإكمال فحصه والحصول على ما يرضيه من توصيات وآراء لكي يخرج بسرعة ويصل إلى بيته أو إلى محطة الحافلات للذهاب إلى محافظته أو إلى مدينته. وكان نظام العيادة منذ افتتاحها عام 1987أن تفتح أربعة أيام في الأسبوع فقط. يومان للمرضى الجدد ويومان للمرضى القدامى. وفي تلك الأيام العصيبة في 2003 و2004 كنا نوقف قبول المرضى في تمام الساعة الرابعة بعد الظهر ولا يقبل أي مريض يصل بعد هذا الوقت إلا ما ندر كي يينهى فحص آخر مريض في حوالي الساعة السادسة والنصف مساء لنضمن للمرضى ومرافقيهم الوصول إلى أهاليهم أو سيارات النقل للساكنين خارج بغداد قبل حلول الظلام ومنع التجول. ولكن في ذلك الأربعاء كان لي بعض المرضى غير المسجلين الذين وفدوا من المحافظات ما صعب علي أن أخيب أملهم مع علمي كم هي الصعوبة التي عانوا منها أمنيا واقتصاديا فكان علي أن أفحصهم كما يجب وهذا جعلني أتأخر حتّى الساعة 7:00 مساء.
السائق عمار:
بسبب تسليب إحدى سيارتي الإثنتين بقوة السلاح قبل ذلك اليوم بشهرين، اتفقت مع سائق شاب من منطقة سكناي في شارع فلسطين يملك سيارة أجرة لينقلني إلى ومن العيادة في أيام العيادة. كان “عمار” وهذا اسمه كردياً فيليا على ما أعتقد وكان ينقلني من العيادة الساعة السادسة والنصف مساء. عمار هو شاب في العشرينيات من عمره مؤدب وقوي البنية وكان طويلاً جسوراً. كان يعمل في شركة الصناعات الخفيفة لصنع أضوية الفلورسنت كعامل فنيّ وله حصة خمسين بالمائة من السيارة صالون دايوو (Prince Daewoo) ويملك النصف الآخر زميل له يعمل في نفس المعمل. عمار يقوم بقيادة السيارة طول الأسبوع ويعطي شريكه نصف الإيراد وهذا يقوم بتغطية غياب عمار الكلي عن العمل لأنه يقود لسيارة التاكسي طيلة أيام الأسبوع ويذهب إلى الدائرة يوم استلام الراتب الشهري وربما يسلم على الموظفين في يوم أو يومين آخرين طوال الشهر!!
أخبرني سلام وهو أحد السكرتيرَين في عيادتي وهو المسؤول عن المرضى القدامى، إن عمار السائق قد وصل في الموعد وهو ينتظر في باب العيادة. أبلغت سلام بأن يعتذر من عمار حيث سأذهب مع صديقي الدكتور فالح الجدة الذي هاتفني قبيل ساعة ليبلغني بأنه قادم ليصحبني إلى اجتماع نبحث فيه بعض شؤون الجمعية المدنية التي أسسناها مع جمع من الشخصيات العراقية المعروفة.
شيء أقلقني مسبقاً:
شاهدت في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر نيسان 2004 وأنا بانتظار عمار سائق التاكسي سيارة تقف على الجانب الآخر مقابل العيادة وفيها أشخاص مرعبو النظرات ما أقلقني مظهرهم. وعندما وصلت إلى داري أخبرت زوجتي بهؤلاء ونظراتهم المرعبة التي أخذتها بمحمل الجدّ حيث استحق ذلك إخبار زوجتي به. وتببن بعد ذلك أن وجودهم كان جزءاً من خطة الاختطاف المحكمة.
اللحظات الأولى:
وصل الدكتور فالح الجدة ومدير أعماله الصناعية السيد أبو سنان بسيارة الأستاذ رياض الفضلي، بي أم دبليو حمراء صغيرة، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية إنقاذ وتطوير بيئة وحضارة العراق وكان يعمل مديرا لقسم أمريكا في وزارة الخارجية العراقية. جلست مع الدكتور فالح في المقعد الخلفي وفي الأمام كان الأستاذ رياض خلف المقود والسيد أبو سنان في المقعد الأمامي. سرنا متوجهين نحو دار المهندس عدنان الموسوي وهو عضو مؤسس آخر للجمعية وكان الهدف مناقشة مقر الجمعية المقترح في شارع حيفا والحاجة إلى ترميمه.
سلكنا طريق محمّد القاسم السريع من مدخل الجامعة المستنصرية متجهين نحو الكرادة. كنا نتندر بشأن الكتاب الذي أرسلناه رسميا إلى أمانة العاصمة بخصوص مقر المنظمة الذي استحوذ عليه بالقوة حزب سياسي أو جهة أخرى والذي علق عليه مساعد أمين العاصمة بعدم قدرته على تغيير ذلك. تركنا شارع المرور السريع في مخرج الجامعة التكنولوجية وعند سيرنا في الشارع الفرعي شاهدت سيارة خضراء بي أم دبليو ضخمة يقودها السائق بطريقة رعناء وبدون أي حساب للآخرين. علقت على ذلك السائق ونحن نستدير شمالا لندخل الفرع المؤدي إلى شارع الصناعة حيث يقع جدار الجامعة التكنولوجية على اليمين وبيوت صغيرة مكتظة على اليسار كنت قد عدت مريضة في إحداها وكانت شقيقة عمو بابا المدرب الشهير. ونحن نسير ببطء في ذلك الشارع الضيق نسبيا وإذا بتلك السيارة الضخمة تسير بجنبنا بطريقة مرعبة وقبل أن أنهي تعليقي على تلك الرعونة وإذا بالسيارة تقف أمامنا باستدارة تمنعنا من الحركة تماما. اضطررنا للوقوف في مكاننا وقبل أن نتفوه بأية كلمة وبلمح البصر خرج من السيارة السائق ومعه الركاب الإثنين يحمل كل واحد من الثلاثة مسدسين ووجهوا المسدسات الستة نحونا. تسمرنا في مكاننا لا نتحرك فتقدم رئيسهم، كما علمت بعدئذ، وهو يعلق على صدره شارة الشرطة العراقية ويعطي أوامره للشخصين الآخرين وهما يلقبانه بسيدي الملازم. اتجه نحو سيارتنا وهو ينظر الي قائلا الدكتور عبد الهادي الخليلي؟ قلت نعم. قال انزل معنا إلى التحقيق في مركز الشرطة. كان ذلك الشخص طويل القامة يبلغ طوله المئة وثمانين سنتمترا وببنية تبلغ المئة كيلوغرام وهو في بداية الخمسينيات من عمره له صلعة كبيرة غطاها بالشعر الجانبي لرأسه.
أخرجوني من السيارة وسلبوا ملف الجمعية الذي كان في يدي وقيدوني بالأصفاد التي سمَوَها “الجامعة” وهي كلمة لم أسمعها من قبل تطلق على الأصفاد والتي يؤلم استخدامها لهكذا آلة معنية بالعذاب. المهم هنا هو بعد أن قيدوا يدي وضعوا عصابة على عيني والبسوني نظارات سوداء فوقها وأدخلوني في المقعد الخلفي للسيارة لأجلس بين اثنين من أفراد تلك العصابة وجلس في المقعد الأمامي رئيسهم وقاد السيارة رابعهم الذي لم ينزل من السيارة في حينه. وقبيل صعودي إلى السيارة شاهدت في نهاية الشارع باتجاه مدخل المرور السريع رجلا بيده مسدس بالقرب من سيارة بيكاب مطلية باللون الازرق الفاتح الذي تستخدمه سيارات الشرطة تقطع الشارع لتمنع أية محاولة للهروب بذلك الاتجاه.
ماذا حدث لأصدقائي؟
شاهدت بعض ما حصل لأصدقائي الذين كانوا معي في السيارة فعلمت فيما بعد بأنهم أخرجوا من السيارة وطلب أحد أفراد العصابة من رياض الذي هو صاحب السيارة أن يخرج مفتاح السيارة من داخلها فمد يده من الخارج لإخراج المفتاح وبسبب ارتباكه تأخر قليلا وإذا بأحدهم يضربه من الخلف بأخمص المسدس على رأسه معتقدا أن تأخره متعمدا ليخرج مسدسا ربما كان أخفاه في السيارة. أخذ منه مفتاح السيارة ورماه خلف الجدار العالي لبناية الجامعة التكنولوجية. ومن بعد ذلك أطلق أفراد العصابة أحد عشر إطلاقة من مسدساتهم نحو إطارات سيارة رياض وفوق رؤوس أصدقائي وفي الهواء. وكان هدف إطلاق الرصاصات حرمان أصدقائي من احتمال متابعتهم وكذلك إعلام الناس بالمنطقة بما قاموا به للتخويف والإشهار. ولله الحمد لم يصب أي منهم بأذى.
في السيارة مع العصابة وكسر ضلعي:
انطلقت السيارة بنا في شارع الصناعة وأنا في المقعد الخلفي بين الشخصين معصوب العينين ومكبل اليدين. مد الشخص الذي على يميني يده في جيبي وأفرغه من كل النقود التي جنيتها ذلك اليوم من فحص مرضاي في العيادة وبقي في الجيب ورقة نقدية واحدة بفئة عشرة الاف دينار لم ينتبه لها. وأخذوا مني هاتفي النقال كذلك. وبعد أن سارت بنا السيارة قليلا أجبرني الذي عن يميني أن أخفض جسمي إلى الأمام ووضع فخذه الأيسر بعنف على رأسي وحنى رقبتي إلى الأسفل كثيرا بضغط شديد ما سبب لي كسرا في ضلع من أضلاعي في الجانب الأيمن من الصدر. عندما أصبحت السيارة خارج المنطقة المأهولة أوقفوها وأخرجوني من داخلها ليضعوني في صندوق السيارة. كانت حافة الصندوق عالية نسبيا وكان علي أن أناور كي أصعد لأدخل الصندوق بسبب تكبيل يدي. دخلت الصندوق وقبعت في داخله باتجاه عرضي على جانبي الأيسر ولم أبد أية مقاومة. في تلك اللحظات علمت بأنه الموت المحقق وقلت في داخلي أن علي مجابهة الموت بقوة وإيمان بالمصير فهذا قدري. وسوف لن أنهار أمامهم أبدا أو أبدي ضعفا في شخصيتي كي لا أُشعرهم أنهم هم الأقوى. وهنا يجب أن أذكر بأني تملكني الرعب لأول وهلة التي لم تستغرق أكثر من ثوان ناديت خلالها والدتي نداءً قلبيا. وبعد ذلك آمنت بالواقع الذي لم أستغرب بتاتا من حدوثه وكنت أتوقع أن يحدث لي وللعديد من أقراني.
داخل صندوق السيارة:
كان صندوق السيرة البي أم دبليو محكما تماما ومظلما ظلاما دامساً. وعندما استقريت داخل الصندوق وسمعتهم يتحدثون مع شخص على الهاتف ويبلغوه بأنهم “جلبوا البضاعة” فكنت أنا البضاعة التي جلبوها! كان أول عمل قمت به وأنا في الصندوق هو ترديد الشهادتين وأن الموت حق والمبعث حق ودعوت الله دعاء “أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء” وغيرها من الأدعية القصيرة وآيات من القرآن الكريم، وعندها استقرت نفسي.
فكرت فيما أصبحت فيه ومر أمامي شريط حياتي؛ ماذا حققت فيها وماهي المعاصي التي ارتكبتها وما هي الأعمال الخيرة التي قمت بها. تذكرت ما قدمته من خير طول الوقت؛ فقد خدمت مرضاي بأفضل ما أستطيع وخدمت طلابي بكل ما لدي من قدرات تعليمية ومعرفة وخدمت المجتمع بالعلن والسر بما قدرت عليه وتجاوزت ذلك كثيرا في بعض الأحيان. بالرغم من كل التيارات التي كانت ضدي والتي كانت تجبرني على الهجرة للعيش الأفضل لي ولعائلتي حرصت أن أضحي بذلك كله في سبيل الأهل والوطن. وصلت إلى قناعة أن المحصلة في جانبي وهو تقدير يمكن أن يكون عند الله سبحانه غير ذلك والله أعلم. فكرت بمصير زوجتي والأولاد الذين كانوا على وشك أن يصلوا إلى مرحلة الوقوف على أقدامهم كي يواجهوا الحياة لوحدهم. تركت ذلك كله لرحمة الله سبحانه وتعالى. تذكرت ما كنت أردده أمام طلبتي وغيرهم مقولة ” واحد إلى جانب الله يشكل الأغلبية”.
صورتان مثلتا أمامي وخففتا بعض التوتر عني؛ أولاهما تذكرت الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام وهو مكبل بالحديد من رأسه إلى قدميه يجول في ساحة معركة كربلاء وهو مع عمته ونساء أهل البيت كسيري القلوب ورأى رأس أبيه مفصول عن جسده وأجساد إخوته وأولاد عمه وعمه ومن ناصر أباه ملقاة على رمل الصحراء مخضبين بدمائهم. وفي خضم تلك المصيبة صبر السجاد على ذلك كله فقارنت ذلك الخطب العظيم مع ما كنت فيه مع ذلك فهان علي مصابي واستثمرت ذلك الدرس لاطمئنان النفس وليس بالضرورة أن ذلك نابع من الإيمان فقط.
أما الصورة الأخرى التي مرت أمامي فهي ما حدثني به صديقي الدكتور أكرم عثمان حينما كان في إيفاد إلى جامعة السليمانية لإلقاء محاضرات في موضوع المعلوماتية والحاسبة. يقول حينما كان في قاعة الاستراحة مع مجموعة من زملائه سمع من أحد الأشخاص الذين يجلسون على طاولة قريبة وهو يردد لمن معه بأنه في حياته يتبع مسيرة فلان (يقصدني بالاسم) عندها استرق أكرم السمع فإذا بذلك الشخص طبيبا حصل بعد تخرجه على شهادة في الحقوق بعد إكماله كلية الحقوق. حينما تذكرت تلك القصة شكرت الله بأني أفدت شخصا لا أعرفه وعلى البعد.
كان الصندوق محكم بحيث يصعب للهواء أن يدخل إلى داخله فقررت أن أقتصد بتنفسي للحفاظ على أكثر ما يمكن من الأوكسجين لأني لا أعلم إلى متى سأبقى في هذا المخدع. المشكلة الأخرى هي أن “الجامعة” كانت ضيقة على رسغيّ ما سبب بعض التورم في الأصابع والرسغ الأيمن فاضطررت أن أُبقي ذراعي ممدودة إلى أعلى كي يقل تجمع السوائل في الأصابع ويقل احتمال حدوث الغنغرينا في الكف.
كانت في جيوبي عند الاختطاف فضلا عن الأوراق النقدية التي سلبها المختطفون أوراقا ومفاتيح وغيرها وبما أني لم أدر ماذا ينوي المجرمون من أعمال مؤذية،فقد حاولت جاهداً ويداي مكبلتان أن أفرغ كل ما في جيوبي وأخفيه خلف بطانة صندوق السيارة. فوضعت هناك حلقة المفاتيح التي تضم عشرة مفاتيح تشمل مفاتيح العيادة والبيت ومكتبي في المستشفى فضلا عن لوحة فنية معدنية صغيرة مغلفة بالزجاج ومعلقة في السلسلة قدمها لي أحد الأصدقاء، إجازة السياقة البريطانية التي كانت صدفة معي، دفتر صندوق التوفير، وكارتات شخصية لأصدقاء عديدين. وضعتها كلها خلف البطانة وتأكدت من أنها لا تحدث صوتا عند الحركة. وهناك شعرت ببعض الراحة من إنجاز ذلك حيث اعتقدت أن إخفاء تلك الحاجيات يمكن أن يقلل من احتمال توسع دائرة أعمالهم التخريبية وتحقيقهم معي!!
عند وجودي داخل “القبو” مرت على مخيلتي الاحتمالات التي يمكن أن تحدث لي وأنا في داخله. أولها يمكن أن تنتهي حياتي بانتهاء الأوكسجين في الصندوق حيث إني بدأت بالشعور بصعوبة في التنفس بعد عشرين دقيقة تقريبا منذ بدء الدخول في الصندوق. والاحتمال الآخر هو خوفي حينما سمعت قفل الصندوق يفتح ويغلق تلقائيا خمس أو ست مرات واعتقدت في حينها أن القفل عاطل وقد يصعب فتحه مما يؤخر فرصتي في الحصول على الاوكسجين اللازم وتنتهي حياتي. وهناك احتمال أن يشعر الأمريكان أو الشرطة العراقية بحالة السيارة غير الطبيعية وتبدأ ملاحقة السيارة ويحدث تبادل إطلاق النار ويقتل أو يصاب الجميع أو تنقلب السيارة ويقضى علي وأنا قابع في الصندوق.
كانت السيارة تسير في شوارع مبلطة بدون مطبات ما يدل على انها كانت تسير في المدينة وأطرافها وكنت أسمع ضجيج السيارات عند المسير. وبعد نصف ساعة تقريبا أو أقل بدأت السيارة تهتز من وعورة الطريق الذي تمر فيه وهو طريق غير معبد أو معبد ولكن بحفر كثيرة. وبعد خمس دقائق توقفت السيارة ثم استدارت نحو الخلف. أوقفت ماكينة السيارة وفتحت الأبواب فعلمت أننا ربما وصلنا إلى المكان الذي تقرر أن أركن اليه.
الوصول إلى مقر الاختطاف:
عند توقف السيارة فتح الصندوق وأخرجوني منه وأدخلوني في بيت ثم إلى غرفة وأغلقوا علي الباب وبقيت لوحدي لفترة قليلة ثم دخل الرئيس ومعه اثنان من العصابة وتكلم كلاما بذيئا ثم خرجوا وأقفلوا الباب من الخارج. وعند مغادرته المنزل دخل علي أحدهم ونزع الجامعة وغطاء العين ونظرت حوالي وإذا أنا في غرفة داخل بيت اعتيادي وأسمع صوت سيدة وأطفال في البيت وأغان صادرة من جهاز تلفزيون.
كانت الغرفة عادية لبيت متواضع من بيوت الطبقة الفقيرة نسبيا. مساحتها كانت حوالي الأربعة في ثلاثة أمتار. فيها على الجدار ضوء فلورسنت واحد يتدلى منه السلك الكهربائي بعشوائية. على جانب الغرفة وضع سرير خشبي لشخص واحد تحت الشباك الوحيد فيها الذي كان بارتفاع المتر وعرض أقل من متر. وعلى الأرض مقابل الباب فرشت “حصيرة” من الخوص (ورق سعف النخيل) وعليها بطانية ومخدة. الحصيرة لم تغلف كل أرض الغرفة وبدت الأرضية الكونكريتية للغرفة. وهناك كان مكان نومي المقرر حيث يمكنهم أن يتلصصوا علي من ثقب قفل الباب ليطمئنوا من أن كل شيء كما يرام لهم. كانت جدران الغرفة مغلفة بالجص ماعدا جانب الباب حيث كان الطابوق غير مغلف بالجص وهذا الحائط كان بعض سلوتي في وحدتي حيث كنت أعد الطابوق صعودا ونزولا كي أقضي الوقت حتّى حفظت كل حفرة أو انحراف في الطابوق!
كما ذكرت كان في الغرفة شباك بقياس المتر المربع تقريبا وببوابتين مزججتين ولكنه مدرع بالحديد بحيث لا يمكن الخروج منه أبدا. فرحت كثيرا حيث اعتقدت أنه يمكنني أن أتطلع إلى ما بخصوص البيت من مناظر يمكن أن ترفه عني. ولكن خاب ظني عندما فوجئت بان أمام الشباك حائط بارتفاع عالٍ ويبعد عن الشباك بنحو قدم أو أكثر بقليل. حاولت أن “أتلصص” من خلال فتحة مفتاح باب الغرفة لعلي أتعرف على بعض ما يظهر أمامي خارج الغرفة وخاب أملي كذلك لأنهم وضعوا المفتاح في القفل بحيث لا يمكن مشاهدة أي ضياء خارج الغرفة. كانت في الغرفة مروحة عمودية.
الليلة الأولى الأربعاء 28/4/2004:
بعد أن استقر مقامي في الغرفة جلب لي أحد أفراد العصابة “العشاء” والذي كان يتكون من الخبز والخيار والطماطة.
في خضم هذه الأفكار سمعت صخبا خارج الغرفة ثم فتحوا الباب وإذا بالرئيس يدخل ومعه ثلاثة من أفراد عصابته. جلسوا جميعا على السرير وكنت معصوب العينين وفي معصميّ الجامعة وأجلس على الأرض فوق الحصير. بدأ “سيادته” بالقول يجب عليك تهيئة نصف مليون دولار كفدية للإفراج عنك. عندها ابتسمت من خلف العصابة قائلا له من تظن أن أكون أنا ؟ أنا لم أملك أي مبلغ ولا قريب من ذلك. ضربني بكفه على حنكي وانتهى بأن يتفوه بكلمات بذيئة وتهديد بالقتل أو البيع لعصابة أخرى أو السجن في مكان ناء مليء بالكلاب الوحشية التي لن أنجو منها. خرج من الغرفة يعربد ويقول سنراك غدا. وأمر بغضب من كان معه بأن يبقوا العصابة والجامعة. ولكن عند مغادرته وإقفال الباب عاد ودخل أحدهم وهو شاب في الثلاثينيات من عمره يعتذر عما بدر وفتح العصابة والجامعة وجلب لي قنينة ماء وهو يقول “دكتور والله إيدي ما تخليني (لا تسمح لي) أضع العصابة ولكنها الأوامر”. ولم أعلم ما هي حقيقة تفكيره داخل نفسه.
كان في الغرفة مروحة عمودية مثبتة على أقصى سرعة وتصدر صوتا هادرا مزعجا عند استدارتها حوالي التسعين درجة نحو اليمين واليسار. كان صوتها يرتفع ثم ينخفض وهنا كان ينتهي بأصوات تشبه الطلقات النارية ثم تعاد الكرة بالصوت الهادر ثم المنخفض والطلقات وهكذا. لم أجرؤ على تقليل سرعتها لأني اعتقدت بأنهم تقصدوا بذلك حتّى يغطي هديرها على الهمس والكلام الذي يجري داخل البيت كي لا أسمعه! بطبيعتي لا أحب تيار الهواء المباشر علي فكنت أحاول تغيير اتجاه المروحة مساءا وأعيدها إلى ما كانت عليه صباحا كي لا أثيرهم بتغيير أي شيء من تدبيرهم. وعند انقطاع التيار الكهربائي ولحرارة الجو كنت استخدم قطعة من الفلين الأبيض وفيها حواف مرتفعة تشبه الصينية (وكان قد جلبها لي الشخص “الطيب”) كمروحة يدوية “مهفة” لتجلب لي بعض الهواء. وكذلك استعملتها لتجميع ماء الوضوء مستخدما قنينة الماء التي بحوزتي. ومن ثم أسكب الماء المتجمع على الحصير كي تبرد الغرفة. والشخص “الطيب” هذا كان أحد أفراد العصابة الذي كان يسامرني ويحاول إظهار تعاطفه معي.
طلبت منه أن أذهب إلى المرافق الصحية فرافقني حتّى باب المرافق وكان كل من في البيت نائما والهدوء يخيم في البيت ماعدا نوبات سعال متكررة تصدر من الغرفة المجاورة لغرفتي. عدت بعدئذ إلى الغرفة. طلبت منه معرفة اتجاه القبلة لأؤدي فريضة الصلاة فلم يجب للوهلة الأولى لخشيته أن يعطيني بعض الدلالة عن موقع الدار أو انه لم يعرف الاتجاه بالمرة فتردد في إعطاء المعلومة. أرشدني إلى اتجاه لم أعلم هل كان الاتجاه الصحيح أو اتجاها اعتباطيا. وبالمناسبة فكان في تلك المنطقة أربعة جوامع وكان الأذان الصباحي بمكبرات صوت تسمع على البعد وكان اثنان منهما على المذهب الشيعي واثنان على المذهب السني. وهذا سهّل الدلالة على مكان احتجازي بعد قراءتي لخارطة المنطقة بعد إطلاق سراحي.
لم يزرني النوم تلك الليلة إذ كان فكري مشغولا بزوجتي وأولادي وحالتهم النفسية وماذا عساهم أن يفعلوا والصعوبات التي تواجههم في الحياة وهم كما ذكرت آنفا لم يستعدوا لمواجهة متطلبات الحياة بعد.
قضيت تلك الليلة الأولى ولم أخلع بدلتي التي كنت فيها. ولكن الذي خطر على بالي أن أخلع ربطة العنق متخيلا أنها توحي لهم بأن يخنقوني بها عند تأزم الحال فأخفيتها في جيبي. والغريب أنهم لم ينتبهوا عندما أفرغوا جيوبي في اللحظات الأول للاختطاف لساعة اليد التي كنت ألبسها ما أثار استغرابي وحمدت الله على أنه بإمكاني معرفة الوقت على الأقل. وحتّى أمَوَه عليهم ذلك كنت دوما أسألهم عند مجيئهم عن الوقت.
البيت وأهله:
كما ذكرت آنفا أن البيت كان بيتا اعتياديا بسيطا لا تتعدى مساحته المئة والخمسين متر مربع. يتكون من طبقة واحدة فيه على الأقل ثلاث غرف وساحة تطل عليها تلك الغرف ومرافق صحية مع ما يسمى الحمام وهناك درج يوصل إلى سطح المنزل. لم يوجد جرس في الباب الخارجية فكان القادم يطرق بيده على الباب الحديدية بدل الجرس.
كان عليّ أن أطلب المساعدة مثل الذهاب إلى الحمام بأن أطرق على الباب من الداخل وأنتظر الاستجابة حين تفتح الباب ولكني كنت أحاول جهدي أن لا أقوم بذلك وأنتظر مجيء أحدهم إلى الغرفة لأطلب منه ذلك وحينها يرافقني أحد الحراس. كان الذهاب إلى المرافق يصحبه إجراء تحوطي حيث يؤمن غلق أبواب الغرف الأخرى وألا يوجد أي من أفراد العائلة في ساحة البيت ويتحول صخب البيت والصراخ إلى هدوء تام. أبلغوني بأنه لا يحق لي طرق الباب لأي سبب كان بعد الساعة الثانية عشرة مساء وحتّى الثامنة صباحا.
يقع الحمام في الجانب الآخر من البيت. تبلغ مساحة الحمام بحدود 2.5 متر في 2.5 متر. وعلى جانب منه دكة مربعة بمساحة المتر المربع وبارتفاع بحدود الخمسة عشر سنتمترا عن أرض الحمام وفي وسطها فتحة التواليت الشرقي بعيدة عن الحائط التي ثبت اتجاهها بالعكس أي أن اتجاه الجالس يكون نحو الحائط وليس نحو فضاء الحمام!! وقد جهز التواليت بصنبور وإبريق. كان الدش عاطلا عن العمل وتوقف الماء من الجريان فيه وعليه فالطريقة الوحيدة هي (السطل والدولكة). كانت باب الحمام المعدنية تصدر حين غلقها صوت قرقعة ذا صدى قوي لرداءة نوعها. كنت إذا ما خرجت لقضاء الحاجة أحني رأسي إلى الأرض كي يتأكد الحارس أن ليس بذهني محاولة معرفة ما في داخل البيت. توفرت لدي فرصة أن استحم لمرتين في الحمام باستخدام السطل والدولكة وذلك خلال النهار وتحت الرقابة حيث كان “الحارس” واقفاً خلف الباب وكان قد وفر لي منشفة كبيرة كذلك.
تسكن في البيت امرأة وثلاثة أطفال. البنت الكبرى في الصف الثاني الابتدائي والطفل الآخر أصغر والثالث صغيرا يحبو. عرفت عن الطفلة الطالبة بعد أن طلبت من الشخص “الطيب” ورقة وقلما ألهو بهما عند الرغبة في كتابة أي شيء. استجاب لطلبي وأنا مستغرب وجلب دفتر مدرسي مستعمل يعود للطفلة. استدرك قبيل تسليمي الدفتر فمزق الورقة الأولى التي فيها اسم المدرسة. ما أثار فضولي وامتعاضي هو أي مستقبل ينتظر هذه الطفلة وهي تعيش في مثل هذه البيئة وما هي القيم التي ستحملها وبأي شخص من محيطها ستقتدي؟ كان في البيت تلفزيون وكان يبث طول الوقت وعلى محطة محلية إذ لم يوجد في البيت محطات عبر الساتلايت.
لم أكن متأكداً من علاقة الرجال بالسيدة في البيت، وبحكم وجود شخصين من أفراد العصابة يتجولون في البيت خمنت بأن أحدهما كان زوجها والآخر ربما يكون أخاها. كانت لهجتهم لا توحي بسهولة التعرف على المنطقة الأصلية التي ينتمون إليها. كان أحدهم يدعي بأنه شيعي من البصرة ولديه ولد واحد اسمه علي، وكنت أشك بقصته تلك. كان أنيق الملبس يتحدث بهدوء ويحاول أن يبين بأنه طيب القلب وأنه جاء الان من خارج العراق حيث كان يعيش لخمس سنوات وأنه سوف يعود إلى الخارج كما يبدو بعد أن يكمل الصفقة معي. وشكا لي بأنه يعاني من مشاكل نفسيه لعلي أتمكن من مساعدته في ذلك. كانت مشكلته جنسية وهي أنه حينما يتقرب في الفراش لزوجته يخيل إليه انه يجامع امرأة أخرى وهذه تتكرر في كل عملية جماع. اقترحت عليه أن يراجع طبيبا نفسيا من أصدقائي ليساعده في حل هذه المشكلة ولكنه لم يعط ذلك الاقتراح اهتماما ولعل ذلك خوفا من السؤال والجواب أو أنه ربما اختلق تلك القصة لهدف في نفسه. كان هذا الفرد يلعب دور البريء المتورط بالرغم من إرادته والذي لم يقنعني بالطبع. وذكر مثلا صدام حسين وملياراته التي لم تغن عنه شيئا وعاش في حفرة آخر حياته وأننا يجب أن نأخذ العبرة من ذلك!! ثم صرح بأنه سوف يغادر العراق حال استلامه مبلغ 2000 دولار من مجموعته. ولقد ساعدني بموافقته على أن يقوم بمكالمة الدكتور فالح الجدة كي يتواصل مع زوجتي ويساعدها فيما تحتاجه، والمكالمة الثانية أن يتصل بزوجتي ويبلغها برسالة تحذيرية بأن يتحاشوا ما حصل للدكتور جواد الشكرجي لدى اختطافه. وكان ذلك إشارة مبطنة بأن لا يعملوا بما عملته زوجة الدكتور جواد حينما أصرت على المختطفين أن يقللوا من مبلغ الفدية والنتيجة كانت عذاب إضافي وتأخير في إطلاق سراحه. كانت زوجتي على علم تام بما حدث لجواد وما تحملت زوجته من ملامة بسبب تصرفها.
بعد أن عدت إلى الغرفة كان رئيس العصابة مستمرا بالحديث مع زوجتي وبعد ذلك جاء إلى غرفتي مزمجرا قائلا إني الان أريد مئة ألف دولار لا غيرها. وعلمت أن سبب هذا التعنت هو النقاش الذي حصل مع أحد أقاربي الذي كان مع زوجتي يساعدها في تحمل الصدمة والمحاورة مع المختطفين.
الجيران:
كنت استرق السمع يوما إلى سيدة البيت وهي تتحدث مع نساء الجيران عند باب البيت. كان يبدو لي بأن البيوت متقاربة جدا بحيث يسهل ذلك. كنت أسمع أصوات الأطفال بالقرب من باب البيت. تنادي إحدى الجارات يا محمّد إلى أية خياطة تقترح أن آخذ القماش الذي اشتريته أمس لعمل ثوب لي؟ وكان الحديث بين السيدات حديثا نمطيا لمثلهن يدور بخصوص الطبخ وشؤون البيت. كنت أسمع صوت إطلاقات نارية قريبة من البيت ولم أعلم ما هو مصدرها وكنت اتساءل هل يعرف هؤلاء والجيران ماذا يجري في هذا البيت. كنت متأكدا بان العديد من الجيران قد سمعوا حديثي على الهاتف وأنا على سطح المنزل، كما سأبين ذلك لاحقا، وأتكلم بصوت عال ولكن افراد العصابة لم يعيروا لذلك أي اهتمام. ولماذا لم يخبر الجيران السلطات الأمنية؟ هل الجيران على دراية بالذي يجري أم انهم أعضاء في تلك الجريمة وأمثالها؟
السعال الصادر من الغرفة المجاورة:
كنت أسمع سعالا غريبا جدا يصدر من الغرفة المجاورة. كان السعال حسب تقديري صادراً من شخص كبير السن. كان السعال يستمر أحياناً لعشر دقائق وكان مصحوبا بإخراج بلغم بكثرة والسعال فيه صدى وكأن هناك تجويف هوائي في داخل الرئتين. كان تقديري أن ذلك الشخص مصاب بالتهاب مزمن في القصبات الهوائية كنت أعتقد بأن ذلك الشخص مصاب بتوسع القصبات الالتهابي (Brochiectesis) .
كنت على وشك أن أسأل الشخص الذي كان يدخل الغرفة من أفراد العصابة هل أن والدك الكبير السن مصاب بهذا السعال؟ يجب عليك أن تراجع طبيبا اختصاصيا لاحتمال اصابته بتدرن الرئة. لكني لم أسأله ذلك وكان ذلك الخيار الأفضل حيث كان ذلك دلالة على مراقبتي لما يحدث في البيت وجمع معلومات عنهم ولهذا رد فعل سلبي علي. كذلك كما علمت بعدئذ إن ليس هناك والد ولا رجل مسن في البيت.
سمعت في اليوم الثاني حديثا بصوت عال لسيدة تتكلم على الهاتف ويتخلل ذلك الحديث نوبات السعال تلك فعلمت مصدره. كانت السيدة تتوسل بمن كان يتحدث على الجانب الآخر من المكالمة الهاتفية أن يبيعوا قطعة أرض تملكها كي يسددوا مبلغ الفدية التي طلبت منها. علمت عندئذ بأن هذه السيدة مختطفة مثلي وعليها دفع الفدية.
رأيت بلمحة سريعة وبطريق الصدفة وأنا ذاهب إلى المرافق سيدة كبيرة السن مقوسة الظهر تستعين بعصا داكنة اللون وشعرها طويل وتقف بباب غرفتها المجاورة لغرفتي. لم أتمكن من رؤية ملامح وجهها لأني كنت حانيا رأسي عند المسير ولكن ما كونته عنها في تلك العجالة هو أنها سيدة تجاوزت الستين من العمر وهي بطول مائل للقصر ووزنها معتدل وهي ترتدي ملابس سود وكذلك كانت جواربها سوداء. أعطيت السيدة بعض الحرية في التجول داخل البيت بوصفها سيدة ويمكن أن تتعامل مع سيدة البيت وكذلك لأنها كما يبدو كانت هناك نزيلة لمدة ليست بالقصيرة ما يمكن حدوث بعض التفاهم مع أهل البيت. كانت السيدة المسكينة تسير في داخل البيت جيئة وذهابا وتطرق الارض بعصاها التي تتوكأ عليها فتحدث صوت طرق عال. حدثت مرة مشادة بينها وبين حارسها فكان يعنفها بصوت عال وهي تستعطفه كي يثق بما تخبره. استمر التعنيف وأصبح الأثنان أمام باب غرفتي وكأنها رسالة مبطنة لي كي أعرف أن دوري قادم في حال عدم الاستجابة كما يودون على الأقل هذا ما اعتقدته في حينها. وسمعتها وهي تتحدث إلى نفسها كما يبدو وهي تحلف الأيمان المغلظة بأنها تخبرهم بالحقيقة بأنها لا تملك أية نقود ولا “فلساً أحمر”. وفي مرة أخرجوها إلى الساحة الخارجية كما تبين لي من طبيعة الصخب الذي سمعته وطلبوا منها أن تتحدث مع أهلها على هاتف الثريا المرتبط بالأقمار الصناعية، الذي كان معروفا في حينه. طلبت من أهلها أن يبيعوا قطعة أرض يبلغ ثمنها مائة ألف دولار.
بالرغم من كل ذلك كنت أسمع بعض كلمات الاحترام لها وسؤالها ان كانت ترغب بالماء البارد أو الشاي. وعلمت بأن الرئيس لا يزورها عندما يأتي لزيارتي وكان السبب حسب تقديري أن الصفقة قد تم تثبيتها وعليها تحقيق ما طلبته العصابة فليس هناك من جديد في قضيتها. وبالمناسبة فأنها بقيت في الأسر بعد أن أطلق سراحي.
اليوم الثاني الخميس 29/4/2004:
جاءني صباحاً عضو العصابة الذي أعتقد أنه صاحب البيت وهو يبدو وكأنه من رجال الأمن السابق أو ما شابه وذلك من شكل شواربه الممتدة إلى حنكه من الجانبين وطريقة تعامله المهنية العسكرية وهو يسألني عن رغبتي في نوع البيض للفطور قائلا: هل ترغب أن يكون بيضك “عيون” أم مخلوط؟ لم أسمع بصفة عيون على البيض ولكني أدركت بأن المقصود بيض مقلي بدون خلط بحيث يبقى الصفار في منتصف البياض. اخترت العيون كي أتحاشى كون البيض المخلوط قد يحوي مواد مضرة!! بعد دقائق جلب لي البيض مع كوب من الحليب وكوب الشاي. أكلت كل ما موجود لما كنت أشعر به من جوع.
بعد قليل سمعت صخبا خارج غرفتي عندما دخل علي صاحب البيت بسرعة ووضع الجامعة في يدي وأحكم غطاء العين لأن الرئيس قد وصل ويجب أن لا يراني بدونهما. دخل الرئيس وهو غاضب وتكلم بكلمات نابية مع بعض الصفعات الخفيفة بأطراف أصابعه وقال مهددا بعد أن طلب مني عنوان بيتي سأجلب زوجتك وابنتك إلى هنا إن لم يُدفع المبلغ الذي طلبنا ثم غادر. مرت عليّ ساعات كانت من أشد الساعات ألما وخوفا على عائلتي فيما لو جلبوهم إلى مصير مجهول فيه الكثير من الأهوال. عند الظهر جاءني الشخص “الطيب” الذي يبدو أصغرهم عمرا ويتصف بالهدوء في كلامه ومشيته. خلع العصابة وفتحت عيني ثم فتح الجامعة والمهم أنه طمأنني بأن تهديد الرئيس ليس واقعيا بل هو مجرد نوع من الضغط علي كي أحقق مطلبهم. غادر الغرفة ليدخل بعد ذلك صاحب البيت حاملا معه صحون الغداء المتكون من مرق الفاصوليا الخضراء مع الأرز ورغيف من الخبز. لم تكن لي رغبة في الأكل ولكن ضرورة الحفاظ على قواي أرغمتني على الأكل. بقيت في الغرفة حتّى إذا حل المساء جلب لي صاحب البيت وجبة تتكون من الخيار والطماطم والخبز.
عند الليل جاء الرئيس ثانية وقبل أن يدخل علي دخل أحدهم بسرعة إلى الغرفة وثبت الجامعة وعصب عيني لئلا يعاقبه الرئيس حسب ادعائه. دخل “سيادته” وهو يزمجر ويتفوه بأرذل الكلمات واعتدى علي ببعض الصفعات وطلب مني أن أرافقهم إلى سطح المنزل. اقتادوني وأنا على تلك الحال والهدف أن أتحدث مع زوجتي بوساطة هاتفي. كانت لحظات عصيبة تلك التي سمعت فيها صوتها المليء بالألم. لم يسمح لي بأن أقول لها أي شيء سوى ما يملوه علي. قلت لها أن يجهزوا ما موجود في بيتي من الدولارات والذي كان يبلغ بحدود الثلاثين ألف دولار وكان ذلك كل ما أملكه وتأكدت بأنها تعرف مكان ذلك المبلغ. سحب الرئيس الهاتف مني بعنف وقال لها هل سمعت ذلك. يجب عليك تهيئة المبلغ حالا. وخلال تلك الدقائق سقطت العصابة من على عيني وكان بمقدوري أن أفتح عيني وأتعرف على كل الموجودين وكانوا ثلاثة مع الرئيس. ولكني وبمعرفتي بنفسية هؤلاء المجرمين أبقيت عيني مغلقتين ورأسي محني إلى أسفل وتأكدوا أني لم أحاول أن ألمح أيا منهم.
أنزلوني الدرج وكان من الممكن ان يدفعني أحدهم من أعلى الدرج ويقضي علي ولكن لله الحمد لم يحصل ذلك. أعادوني إلى مكاني ودخل علي الرئيس مهددا ومرددا للكلمات السوقية.
بعد أن استقريت في الغرفة علمت أن هناك محاورات مع العائلة بخصوص المبلغ المطلوب ويبدو إن العصابة بعد أن عرفت واقعي المالي قد وافقت على المبلغ “المتواضع” الذي طلبت من زوجتي تهيئته.
مفاجأة وصدمة لزملائي:
كنت على موعد في ذلك اليوم، الخميس، مع أعضاء الأكاديمية العراقية الوطنية للعلوم المؤسسة حديثًا. وعندما تخلفت عن الموعد ويعلم الجميع أن ذلك ليس من طبعي اتصل الأستاذ فرحان باقر عضو الأكاديمية بي على هاتفي النقال والذي كان بحوزة رئيس العصابة. تحدث معه الأستاذ فرحان وهو يهم أن يستفسر عن سبب تأخري وإذا بالشخص الذي رد عليه من الطرف العصابة ينهال عليه بشتمه ويسبه وهو يستخدم لغة سوقية جدا لم يعهد الأستاذ سماعها. استغرب من ذلك وتوجه إلى الدكتور حسين الشهرستاني رئيس الأكاديمية في ذلك الوقت قائلا أن هناك شيئا غريبا فلا أعتقد أن هادي هو الذي يتحدث ولا أي من أقاربه أو معارفه. تحدث الدكتور حسين مع رئيس العصابة الذي رد عليه بنفس المفردات وهناك علموا بأنني كنت مختطفا فكانت صدمة للجميع.
وفي عصر ذلك اليوم كنت كذلك على موعد لحضور الاجتماع التأسيسي لمجلس أمناء الكوفة والذي كان من مؤسسيه معي الدكتور العلامة حسين علي محفوظ والدكتور علي العامري مدير مركز أمراض الدم في مستشفى اليرموك وآخرين. بدأ القلق ينتابهم بسبب تأخري عن موعد الاجتماع فاتصل بي الدكتور علي العامري من هاتفه النقال وإذا بالإجابة من الطرف الآخر كانت كسابقاتها من الكلمات البذيئة ولكن هذه المرة صرح رئيس العصابة بأني محتجز لديهم. عند ذلك إدعى الدكتور علي بأنه من مديرية الشرطة فكان الرد من رئيس العصابة عنيفا مقرونا بالتهديد. عندما أخبر الحضور بواقع الحال أخذ الجميع يلومونه بذكر أنه من الشرطة حيث أن ذلك سيجعلهم أكثر شدة وبشاعة معي. تأسف على ما قال ثم اتصل بهم ثانية وقال لهم الواقع بأنه زميل طبيب وهو في اجتماع ثقافي وليس هناك أية علاقة بالشرطة أو الدولة. أجابه رئيس العصابة: هل تريد أن نرسل لك يده؟ عند ذلك انهار الدكتور علي، كما حدثني لاحقا ولم ينم ليلتها وقرر أن يترك العراق وغادر فعلا بعد أيام قلائل.
اليوم الثالث الجمعة 30/4/2004 والتهديد بقطع الإبهام:
كان إفطاري الجبن العربي والخبز وكوب من الحليب ثم الشاي. أما وجبة الغداء فكانت مرق الشلغم مع الرز والتهمت كل ما في الصحون!!
دخل الرئيس عصراً وهو يزمجر ويتوعد وفي لحظة هياج هجم عليّ وأمسك بإبهام كفي الأيسر وهددا أنه سيقطعه ويرسله إلى زوجتي كي يجبرها على أن تدفع ما يطلبون من مبلغ. قلت له أنت تقطع هذا الأصبع الذي قدم ويقدم الخدمة الجراحية للمرضى لا سيما مرضى محجر العين إذ ليس لهم من يخدمهم بما أقدم لهم. فأجاب بكلام بذيء جدا ضد المرضى ثم أردفت بأن ذلك يمكن أن يشمل عائلتك أو أقاربك وأعاد نفس الكلمات ضد أهله وأقاربه. ترجاه أعضاء العصابة الآخرون أن يتريث وأن يعفو ويمكن أن يدفع أهلي المبلغ المطلوب. ترك يدي وهدأ وغادر الغرفة متوعدا. وهنا خطرت ببالي قصة الطفلة التي اختطفت في تلك الأيام ولم يوافق أهلها على دفع المبلغ الذي قررته العصابة التي اختطفتها، حينها قطع المجرمون ثلاثة من أصابعها وأرسلوها للأهل. فلم أكن بعيدا عن احتمال أن يقوموا بقطع الابهام كما هددوا.
في الليل جاءني الطيب ليطيب خاطري وحدثني عن الصعوبات في المباحثات مع الأهل بشأن المبلغ الذي كان يجب أن يوافقوا عليه. بينت له بالتفاصيل ما يمكننا دفعه. وتركني وأغلق الباب.
بالرغم من كل ذلك قدمت لي وجبة العشاء من الخيار، الطماطم مع الفلفل الأخضر مع رغيفين من الخبز مع التفاح والموز. شكرتهم على ذلك.
وددت أن أذكر هنا بأني كنت أقرب من أي وقت آخر إلى الله سبحانه وتعالى طوال فترة احتجازي وقد أوكلت قدري لرعايته الكريمة وكانت دعواتي في الصلوات وما بينها مستمرة ما كان يجلب لي الشعور بالاستقرار والاطمئنان النفسي. جالت في خاطري أبيات الشعر الذي كان والدي رحمه الله يرددها:
كن عن أمورك مُعرضا وكِل الأمور إلى القضا
فلريما وســع المـضـيق ولـربـما ضاق الفـضا
ولــرب أمـر مــتعب لـك فـي عـواقبه رض
الله عــودك الجـــميل فـقس عـلى ما قد مضى
رعاية صحتي:
كنت في تلك المحنة لا أعلم كم سأبقى من الأيام أو الأسابيع أو الأشهر وأنا أسيرٌ في هذا البيت لذا كان عليّ أن أحافظ على صحتي قدر الإمكان. رتبت برنامجا يوميا للرياضة. لم يكن لي أفضل من برنامج الرياضة السويدية التي تعلمناها من معلمنا المحبوب الأستاذ حسين السبع في مدرسة ابن حيان الابتدائية في الكوفة في خمسينات القرن الماضي. بدأت تطبيق البرنامج يوميا وحرصت على ألا أحدث أي صوت عند ممارستها.
وكانت هذه دعما لحالتي النفسية ولصحتي البدنية.
اليوم الاخير السبت 31/4 /2004
جاءني عند الصباح العضو الطيب وكان يبدو أن لديه أمرا مهما جلب لي الفطور وكان خبزا وجبنا ثم ألحقه بالبيض المسلوق مع البطاطا في الساعة الحادية عشرة وأنا مستغرب من تلك الرعاية غير المعتادة. بعد ذلك جاءتني وجبة الغداء وكان فيها الرز والطماطم ومرق الشجر (الكوسة) وكان مخلوطا مع الحمص ولم نكن نقدم ذلك النوع من المرق مع الحمص، وبعدها تفاحة ونصف رقية، لم آكلها لأنها لم تكن صالحة.
لم يعد رئيس العصابة طول ذلك اليوم ولله الحمد.
من هم المجرمون:
كان عدد المجرمين ستة حسب تعرفي على أصواتهم ووجوه بعضهم . يحضر مع الرئيس ثلاثة منهم أو أريعة في كل مرة يدخلون غرفتي. كانت لهجة أفراد العصابة متباينة فالرئيس والعضو “الطيب” كانت لهجتهما توحي بأنهما من سكنة بغداد. وكانت لهجة أحدهم لهجة تكريتية والآخرون من الرمادي. ومن مهنيتهم العالية في التعامل الأمني فيما بينهم واستخدام كلمة سيدي وكذلك سلوكهم في حراسة الغرفة والسماح باستخدام الحمام، كانت لي قناعة تامة أنهم من ضباط وأفراد الأمن السابق.
جلس معي مرة أحدهم وهو العضو “الطيب” الذي كان يجلس معي في الغرفة ويحدثني عن نفسه. قدرت وزنه بين 90-100 كيلوغراما وبطول بحدود 170 سم مع بطن مكتنزة. كان دائما يحمل هاتفه النقال المجهز بكاميرا في محفظة مثبتة على حزامه. أخذ صورتين لي وعرضهما عليّ قلت له أريد أن تأخذ لي صورة وأنا مصفد بالجامعة وهكذا فعل ورأيت الصورة على هاتفه وأنا مصفد والابتسامة على وجهي. وعد بأن يرسلها عن طريق البريد الإلكتروني في وقت لاحق ولكنه ليس مغفلا ليعمل ذلك ويساعد الشرطة في أن تتعرف عليه. بدا هذا “الطيب” يلعب معي لعبة الطيبة والمصارحة “الأخوية” حينما حدثني عن حياته الماضية وأنه قد أصبح جزءا من هذه العصابة بدون رغبته ولكن حظه السيء والصداقة السيئة أجبرته على السير في هذا الخط. وقال إنه عمل في السنوات الخمس الماضية في الخارج وبالأخص في سوريا ولبنان. لم أسأله عن نوع العمل الذي كان يقوم به. ثم قال إنه عانى من حياة قاسية في الماضي، وقد سجن بجريمة لم يقترفها وبقي في السجن لمدة 18 شهرا، كانت ستة منها في سجن انفرادي. وبعد ذلك التاريخ صرح بأنه رجل نزيه لم يتصرف بشكل سيء من قبل. صمت بعد ذلك للحظات ثم قال بحسرة وبصوت منخفض: دكتورأي إنسان شريف يدخل السجن سيخرج منه ويصبح بالرغم منه مجرم محترف. ثم أبدى أسفه لما تمر به زوجته وولده علي! وبعد هذا التصريح عن حياته وفلسفته وصلت لي الرسالة بما أوحى الرجل عن نفسه.
الشخصان الآخران اللذان كانا في البيت ويظهران أمامي بدون حذر كان أحدهما بطول حوالي 180 سم و90 كغ مع شوارب سميكة توحي بماض أمني أكيد وكان يبدو أكثر حيوية جسمية من الأول وهو الذي يبدو أنه زوج المرأة في المنزل أو أخوها حسب ما قدرت حيث إنه هو الذي كان يجلب لي وجبات الطعام. أما الاخر فكان بنفس المواصفات الجسمية وكان جافا وهو الذي أبقاني في اليوم الثاني حتّى العاشرة والنصف صباحا بدل الثامنة بدون إفطار وكان معي نصف قنينة ماء فقط.
كيفية التعرف على جسدي في معهد الطب العدلي:
تركز تفكيري عند الأسر ولمرات عديدة أن العصابة إذا قررت التخلص مني بقتلي فهذا يمكن أن يتم بواحدة من الطرق المعروفة وأهمها القتل بالرصاص أو قطع الرأس. في حالة القتل بالرصاص لا تكون هناك صعوبة كبيرة في التعرف علي. ولكن المشكلة عند قطع الرأس وفقدانه في ثلاجات المعهد وعندما تحاول زوجتي التعرف على جسدي ستكون هناك صعوبة في التحقق من جسدي. والحالة الأخرى هي كما هددوني بأن يسجنوني في مزرعة نائية فيها كلاب وحشية ستنهش الجسم والوجه وتغير معالم التعرف على الهوية. من العلامات الفارقة في جسدي وجود حبيبات جلدية حمراء مزمنة في أعلى الصدر بين عظمي الترقوة وكانت زوجتي قد سألتني مرة عنها فمن المحتمل جدا أنها بقيت في ذاكرتها. مرت كل هذه الاحتمالات في ذهني وكنت أناقشها مع نفسي وأخيرا تركت القلق لأني آمنت بالموت وبقدري والله المستعان.
الشيء بالشيء يذكر:
عند اختطافي وفي اليوم الثاني وحينما كان أفراد العصابة يغادرون الغرفة التي كنت محتجزا فيها وإذا بهم يتحدثون فيما بينهم عن قصة اختطاف الدكتور وليد الخيال الذي كان قد اختطف قبلي، وأن جماعة مقتدى الصدر هم الذين اختطفوه. وكنت متأكدا أنهم أرادوا أن أسمع ذلك الحديث وتكوين فكرة لدي بخصوص ذلك. والذي أعتقده هو انهم نفس العصابة التي اختطفته.
والحدث الأخر هو أنه بعد الإفراج عني ومجيء العديد من الأصدقاء والمقربين للتبريكات بالسلامة كان بينهم جاري وصديقي الدكتور عبد الزهرة كزار ليبارك كذلك وإذا به يكون هو الضحية الأخرى أذ اختطف بعد أيام قلائل من زيارته لي. ولله الحمد أفرج عنه سالما ولكنه تعرض للتعذيب القاسي من المجرمين بما لا يتحمله إنسان برقته وبخلقه العالي. قال لي عندما زرته في بيته بأن المختطفين حدثوه عن اختطافي بكل تفاصيله. وهكذا تأكد أن نفس العصابة اختطفتنا نحن الاثنين.
وبعد أشهر قليلة أختطف أحد الزملاء الأعزاء من أساتذة الكلية الطبّية وهو الدكتور معد مدحت وبعد الإفراج عنه ذهبت لأبارك له على السلامة حدثني بما يؤكد أن مكان اختطافه كان نفس البيت الذي اختطفت أنا فيه ودليله كان الأذان المتنوع وبعد المسافة ودلائل أخرى.
الساعة الأخيرة:
جاءني بحدود الساعة العاشرة مساء عضو العصابة الطويل القامة والذي خمنت أنه زوج المرأة وهو يحمل صمونتين “حجريتين” عملاقتين “دبل” وكأنهما أخرجتا توا من الفرن في إحداهما شاورما والأخرى كباب وكانت رائحتهما أكثر من شهية. قدم لي الاثنتين معاً فاستغربت من ذلك الكرم وقلت له إن نصف واحدة من أي منهما تكفيني. بدأت بالأكل وإذا به يفاجئني وهو يغادر الغرفة ارتدي ملابسك حيث إنك ذاهب إلى بيتك. كنت في حينها لابسا “الدشداشة” البيضاء التي تفضلوا عليّ بها. أكملت بثوانٍ قليلة لبس ملابسي التي كنت أرتديها عند الاختطاف.
لم أسمع أية حركة خارج الغرفة لأكثر من 10 دقائق. كنت قلقا فيها بشأن ما يحدث في الخارج ثم دخل بسرعة وهو يقول: ها دكتور كملت؟ أجبته بالإيجاب ثم سألته وكان يبدو الجد في كلامي: هل ستسلمونني إلى عصابة أخرى؟ أو هل سترسلونني إلى المزرعة النائية المليئة بالكلاب الوحشية التي كنتم تهددونني بها؟ رد عليّ بابتسامة مصطنعة وبأيمان مغلظة: كلا أنت ذاهب إلى بيتك. لم أكن مطمئنا مما قاله فقلت في نفسي إذا تركت عيني مفتوحة بدون عصابة فمعنى ذلك الموت المحقق أما إذا عصبوا عيني فالاحتمال الأكثر هو إطلاق السراح. ولله الحمد وضعت العصابة على عيني ولم تكبل يدي بالجامعة فعلمت أنها عملية إطلاق سراحي. طلبت من عضو العصابة الطيب إذا كان من الممكن أن يصاحبني هو شخصيا إلى حيث يطلق سراحي أجاب بالإيجاب ولكن ذلك لم يحدث. أخذني شخصان من أفراد العصابة إلى خارج الغرفة ثم إلى خارج البيت وأنا معصوب العينين وأدخلوني في المقعد الخلفي للسيارة فجلست وعن يميني ويساري عضو من العصابة. جلس في المقعد الأمامي جنب السائق رئيس العصابة وطلبوا مني أن أحني جذعي إلى الأمام. عندما انطلقت السيارة أعطاني الشخص الذي على يميني ورقة نقدية بفئة عشرة آلاف دينار وكان قد قال لي انها بفئة خمسة آلاف ويبدو انه لم يجد إلا فئة العشرة الاف فاضطر أن يعطيني العشرة آلاف كأجور تكسي يوصلني إلى بيتي الذي يقع بعيدا جدا عن ذلك الموقع في الجانب الآخر من نهر دجلة. ولم يعلم أفراد العصابة بأنهم حينما أفرغوا جيوبي في لحظة الاختطاف قد تركوا ورقة نقدية بفئة عشرة آلاف دينار فأصبح لدي مبلغ عشرين ألف دينار. لم أستطع رؤية الطريق بطبيعة الحال ولكني أحسست بأن الطريق كان غير معبد ثم دخلنا في طريق معبد. قال لي رئيس العصابة أن أخبر “عبد الهادي” بأننا قد وفينا بوعدنا. ولم أفهم منه ما قال ومن هو عبد الهادي وهل كان يستغفلني! اعتقدت بأن عبد الهادي عضو في عصابة أخرى حصل بينهم مساومة أو غير ذلك. على أية حال قلت سأقول له ذلك. ثم أردفت قائلا أرجوك أن تسلمني الملف الذي أخذتمَوَه مني عند الاختطاف حيث إن الملف فيه أوراق رسمية مهمة تتعلق بجمعية إنسانية خيرية تعنى بخدمة المجتمع. إستدار نحو الخلف وهو يقول بصوت عال وباستهزاء وبتعال: ” جمعية. متبطلون (ألا تتركوا) من هذي الجمعيات الإرهابية!!
النزول من السيارة:
بعد دقائق توقفت السيارة ونزل منها الشخص الذي عن يميني فأصبحت قرب باب السيارة وتحركت السيارة قليلا وامرني الرئيس صارخا بالنزول منها والجلوس على حافة الرصيف مع الإنذار بعدم فتح عيني ورفع العصابة إلا بعد أن أعد من الواحد إلى المئة. هددوني بإطلاق الرصاص علي إذا فتحت عيني قبل ذلك وكأن تلك الفترة الزمنية تعطيهم الفرصة الكافية ليختفوا عن أنظاري كي لا ألاحظ أية تفاصيل عن السيارة. ولكني كنت متيقنا بأن السيارة كانت نفسها التي أقلتني أول مرة وهي البي أم دبليو زيتوني صالون ضخمة ستة سيلندر. جلست على الرصيف وبدأت أعد في داخلي وحينما ابتعدت السيارة واختفى صوتها نظرت من أسفل العصابة فرأيت أرض الشارع ثم خلعت العصابة تماماً. تنفست الصعداء وانتعشت بالتحرر من الأسر ومن قبضة المجرمين وحمدت الله على السلامة. بقيت للحظات صامتا وفي فراغ تفكيري ليرتاح دماغي من هول الصدمة ومن الفرحة بالخلاص.
نظرت إلى ما بخصوصي تمعنت بالشارع الذي كان معبدا وبمسربين في كل اتجاه وفي وسطه “جزرة” وسطية بعرض حوالي المتر. كنت متأكدا من أنني داخل حدود بغداد حيث إن هاتفي النقال خلال الاختطاف كان يعمل ولو باتصال صعب ولكنه لا يمكن أن يعمل خارج نطاق شبكة اتصالات العاصمة. كان الشارع مظلما ولكن يمكن أن أشاهد بعض المعالم فيه. لم أشاهد أية سيارة قريبة أو بعيدة في ذلك الشارع وكان الهدوء المقلق يسود المنطقة. تمعنت في الجانب الذي كنت فيه فلم أجد أي منشآت أو بيوت. في الجانب المقابل كانت هناك بيوت متباعدة وللحظات فتحت باب إحداها ثم أغلقت. لم أجرؤ أن أطرق الباب عليهم لقلقي من رد الفعل. وما شجعني ألا أطرق الباب عليهم هو إني لاحظت على البعد باتجاه اليسار أضوية على الشارع العام بما يبدو أنه محل تجاري أو ما شابه. توجهت إلى ذلك المحل الذي كان يبعد مسافة النصف كيلومتر أو أقل وصلت إلى هناك لأشاهد أن المحل هو مكتب دلالية سيارات. كان هناك شاب أنيق في الاربعينيات من عمره يلبس دشداشة بيضاء وشعره مصفف ويبدو أنه صاحب المكتب ومعه شاب أصغر عمرا منه يلبس قميص بدلة فتح أزراره العليا. ويقف خارج المحل رجل في بداية الستينيات أو أواخر الخمسينيات وهو يلبس العقال والكوفية البيضاء ما يدل على إنه من المنطقة الغربية أي الرمادي وما بخصوصها. كانت هناك سيارة تويوتا صالون موديل كراون واقفة أمام المكتب. سلمت عليهم وانا بحال غير طبيعية حيث كنت ألبس بدلة بدون رباط وشعر لحيتي كث حيث لم أحلق طوال مدة الاختطاف. ردوا السلام فسألتهم من أين اتجاه بغداد فأجابوا بابتسامة ساخرة: حجي هذي هي بغداد!! وهنا استدركت كي لا أظهر بعدم المعرفة الكلية فقلت بالطبع أنا أعرف ذلك ولكن قصدت بأي اتجاه نتوجه إلى الباب المعظم؟ فأشروا إلى الاتجاه الآخر الذي جئت توا منه. ثم سألوني حجي أنت شعندك “ماذا تعمل” هنا؟ أجبت وأنا حذر من هؤلاء لاحتمال ان يكونوا شركاء في العصابة: بأني جئت لزيارة صديق في هذه المنطقة ولكن سائق التكسي طلب مني مغادرة السيارة لعدم كفاية البنزين ليوصلني إلى بيت ذلك الصديق. وأنا أبحث عن سيارة أجرة لتعيدني إلى بيتي. سألوني وأين بيتك حجي؟ أجبت انه في شارع فلسطين وإذا بهؤلاء الاشخاص يستغربون مني ليقولوا “حجي شجابك لهنا” كيف جئت إلى هنا؟ فالمسافة إلى هناك تصل إلى عشرات الكيلومترات! وعندما سألتهم عن إمكانية الحصول على سيارة أجرة كانت الإجابة حجي “أكو تكسي هنا بهلمنگطعة” هل هناك تكسي في هذا المنطقة النائية؟؟ بقيت حائرا ماذا أعمل وإذا بالرجل الكبير يتطوع لمساعدتي قائلا أنا مستعد لأن أصحبك في سيارتي إلى منطقة حي البياع فقط ولكن بشرط أن تدفع لي ألفان وخمسمائة دينار. استجبت باللحظة حيث أن الأمل كبير في أن أحصل في البياع على تكسي يوصلني إلى بيتي.
التكسي الأول:
ركبت سيارة الرجل كبير السن في المقعد الأمامي وهنا تنفست الصعداء وانطلقت بنا السيارة. بدأت الحديث بأن شكرته على لطفه بمساعدتي فرد عليّ بلطف وقال أنا أحببت أن أساعدك في هذا الليل وأنت بعيد عن أهلك. حاول أن يعرف سبب وجودي في ذلك المكان وفي ذلك الوقت من الليل. بقيت أردد نفس القصة التي ذكرتها عند المكتب التي سمعها هو مني كذلك. في تلك الظروف التي يمر بها البلد لا تعلم من هو الأمين ومن هو اللعين لذا كنت غير مطمئن بأن هذا الرجل هو من الصنف الأول وكان من الممكن جدا أن يكون مرتبطا بالعصابة. لله الحمد لم يكن كذلك. استمر بأسئلته فسألني عن وقت استئجاري للتاكسي الذي ادعيت أنه تركني في تلك المنطقة أجبته قبيل غروب الشمس ثم أردف يقول حاجي تعرف كم الساعة الان أجبته كلا، فرد عليّ أنها العاشرة وخمس وأربعين دقيقة أي قرب منتصف الليل. كنت على ثقة بأنه لم يصدق قصتي وكانت نظراته تشكك فيما قلت.
لاحظت أن عجلة القيادة ثبتت على الجانب الأيمن منها كما في بريطانيا وبعض الدول الأخرى. وفجأة غيرت موضوع النقاش إلى تصميم سيارته ومكان عجلة القيادة وهل هناك صعوبة في قيادتها في شوارع بغداد وكم تساوي سيارتك في السوق المحلية، وهكذا ترك موضوع النقاش “التحقيقي”. قال إنه تعود على قيادة تلك السيارة باستمرار استخدامها. تطوع بالحديث عن حياته الشخصية حيث قال ان مورده من السيارة يبلغ حوالي العشرة الاف دينار يوميا وهي تكفيه لسد احتياجاته واحتياجات العائلة. ثم أردف قائلا حجي أنا كنت منتسبا للأمن وقد فصلت كما فصل كافة منتسبي الأمن ولم يخصص لنا راتب أو تقاعد. قلت له انشاء الله تنتبه الدولة وتعيد صرف رواتبكم أو حتّى تعود إلى الوظيفة.
صمت بعدها برهة ثم قال: حجي نحن كلنا في سلك الأمن فاسدون، قلت لماذا تقول ذلك فأنتم تخدموا البلد وتحفظوا سلامة الناس. فقال لا يوجد بيننا من هو شريف حقا وأردف يستشهد بالمثل العراقي المعروف ” ماكو خّير إلا..” ولم يتذكر تكملة المثل فأكملته له “ماكو خيّر إلا خضير حتّى خضير ماهو خيّر”. استمر في حديثه قائلا كنا خيرين ولكن عندما أعطانا صدام قطعتي أرض وسيارة كهدية منه فكان علينا أن ننجز أي واجب نكلف به حتّى إذا كان لا أخلاقيا، لذا أصبحنا فاسدين. لم أعقب على ما قال وفي تلك اللحظة وصلنا إلى حيث قرر هو وكان سوقا عاما فيه دكاكين مفتوحة لبيع الخضار والفاكهة وكانت على وشك الإغلاق. شاهدت عددا قليلا من السيارات متوقفة بالقرب من الدكاكين. بأكثر الظن أن المكان في أطراف مدينة البياع. سلمته أجرته بعد أن أوقف السيارة واحتاج أن يفك ورقة العشرة آلاف دينار التي أعطيته، وأعاد لي الباقي وكان سبعة ألاف وخمسمائة دينار. وهنا طلب مني أن أبقى في سيارته ويحاول هو أن يقنع أحد اصحاب السيارات هناك ليأخذني إلى بيتي. شكرته على لطفه وبقيت داخل السيارة وكنت أعلم كم هو مستحيل إقناع سائق ليخاطر بحياته وبسيارته في ذلك الوقت المتأخر ويتوجه إلى الجانب الاخر من المدينة ويقطع عشرات الكيلومترات. اعتذر السائق الأول من الذهاب إلى حي المستنصرية حيث أسكن لأنه سيخترق أحياءً غير آمنة والثاني اعتذر كذلك لعطل أضوية سيارته فيبدو انه كان يسير في الظلام بدلالة الضوء المنبعث من سيارة قادمة مثلا. والثالث لم يكن لديه بنزينا كافيا لتلك السفرة. وهنا عرض صاحبي على السائق الثالث أن يعطيه خمسة أو حتّى عشرة لترات بنزين يسحبها من سيارته. ولكن السائق رفض بضغط من قريب له كان بجنبه. عندها فقدت الأمل بالحصول على سيارة وبدأ القلق والخوف يساورني. قال لي صاحبي: كان بودي أن أوصلك بنفسي ولكن لا أتمكن من ذلك. ظهرت أمامنا سيارة تكسـي نظامي حيث أن كل السيارات التي تحدثت عنها وكذلك سيارة صاحبي هي سيارات خاصة يستخدمها أصحابها كسيارة أجرة. أوقف صاحبي تلك السيارة وبادر سائقها بالقول أنت من أي عشيرة؟! وهذه بداية مهمة اجتماعيا حيث تقف أمامه النخوة العشائرية. أخذت تلك الأسئلة مأخذها وقبل السائق توصيلي واشترط صاحبي عليه أن يوصلني إلى باب بيتي بعد أن أغلظ الأيمان عليه. طلب السائق أجرا ثلاثة الاف دينار وقبلت ذلك على الفور. قدمت لصاحبي جزيل الشكر والامتنان وودت أن أتعرف عليه لعلي أشكره بطريقة تليق بعمله الكريم في يوم من الأيام ولكني أحجمت عن ذلك لئلا يسألني عن نفسي وهنا يمكن أن تتعقد الأمور.
التاكسي الثاني:
كان السائق شابا في الثلاثينيات من عمره وسيارته حديثة تم حصوله عليها حديثا من معارض السيارات التي جلبت مئات الالوف من السيارات من خارج العراق بدون موافقات رسمية وبدون كمارك ولا تسجيل في شرطة المرور. سألني عن “قريبي” ويقصد السائق السابق لأنه اعتقد من درجة اهتمامه بي إنه قريب لي. قلت له نعم أنه معروف بلطفه. عند مسيرنا كانت هناك العديد من سيارات الجيش الأمريكي تمر بجنبنا ولكن السيارات المدنية العراقية كانت قليلة جدا.
قصة أخرى حزينة جدا: قال لي السائق بأنه شاهد في صباح ذلك اليوم حادثا مؤلما لن ينساه. كان رجل راكبا سيارته مع زوجته وثلاثة أطفال عندما توقفت سيارة أمامهم وأجبروا جميع العائلة أن يغادروا تحت تهديد السلاح. أخذ اللصوص السيارة وبقي هو والعائلة يراقبوا سيارتهم وهي تبتعد وعند ابتعادها حوالي مسافة خمسين مترا ضغط صاحب السيارة بيده على جهاز التحكم الإلكتروني ما اوقف حركة السيارة. وهنا اقتربت من العائلة سيارة أخرى من نفس المجموعة وأطلق سائقها ثلاث رصاصات استقرت في رأس صاحب السيارة وسقط مضرجا بدمه أمام زوجته وأولاده وبقي جسمه مسجى في الشارع. غادر المجرمون بدون أي وازع من ضمير وبدون أي تدخل من الاشخاص المتواجدين. وبشدة الألم الذي شعرت به من هذا الإجرام حمدت الله على سلامتي حيث كان من الممكن جدا أن تكون نهايتي كتلك. شعرت بالأسى والأسف على عراقنا الذي مزقته العصابات والمجرمون وأصبح مستقبله مهددا بالدمار والاندثار.
الوصول إلى البيت:
بعد سماعي لتفاصيل تلك الحادثة المرعبة بقيت صامتا لا أنبس بكلمة حتّى بلغنا بيتي. عند توقف السائق أمام البيت أعطيته خمسة آلاف ديناد بدلا من الثلاثة التي اتفقنا عليها ونزلت من السيارة لأواجه حوالي الثلاثين فردا من العائلة والاصدقاء متجمعين خارج البيت بانتظاري وكأنهم علموا بقرب وصولي. كان الاستقبال بالهلاهل والعناق والقبلات. أثار ذلك استغراب السائق ولم يعلم من هو الراكب ولماذا وكيف. غادر بعد السلام علي وانتهت حلقة الاختطاف المرعبة وبدأت حلقة الحياة ما بعدها التي حسبتها عمرا جديدا لي ولعائلتي.
كيف كان حال الأهل:
حدثتني زوجتي عما حدث في ليلة الاختطاف. كان مساء الأربعاء 28 نيسان اليوم الذي اختطفت فيه كأي مساء بالنسبة لزوجتي وابنتي، فلقد تعودوا أن أتأخر أحيانا عن العودة إلى البيت بسبب انشغالي بالتزامات مهنية واجتماعية ولكني كنت أتصل بهم هاتفيا لاطمئن عليهم وأخبرهم حيث اكون. في تلك الليلة وفي حوالي الساعة التاسعة مساء وصل إلى بيتنا الإخوة الذين كانوا معي في السيارة حين الاختطاف وهم الأستاذ رياض الفضلي، الدكتور فالح الجدة ومدير أعماله السيد أبو سنان وبصحبتهم المهندس عدنان الموسوي الذي كان من المفترض أن يكون اجتماعنا في تلك الليلة في بيته. طرق الباب الأستاذ عدنان وأجابته زوجتي بدون أن تفتح الباب وهي تقف عند شباك المطبخ المشرف على مرآب السيارات وبعد أن أطفأت النور في المطبخ وكان هذا التحوط في الأمان هو الاسلوب في الاستجابة لمن يطرق الباب في الليل. صاح عدنان أم ياسر (وياسر ولدي الوحيد) افتحي الباب أجابت إن أبو ياسر ليس في البيت. أجاب نعم أنا أدري ولكن افتحي الباب. فتحت زوجتي الباب لتفاجأ بقولهم أم ياسر أضبطي أعصابك. صعقت زوجتي لاحتمال أنه قضي عليّ، ولكن عندما تبين لها أنه الاختطاف هدأت حيث علمت أن هناك أملا في السلامة.
لم يكن في البيت غير زوجتي وبنتي رند التي كانت تستعد للامتحان النهائي للتخرج في كلية طب بغداد. كان وقع الخبر عليهما كالصاعقة ولم تعلما بما يجب فعله في ذلك الموقف. اتصلت زوجتي بجيراننا بيت “أم علي” الملاصق لبيتنا. وهم عائلة كبيرة توفي والدهم قبل سنين وتولت والدتهم الطيبة رعايتهم وهم دوما خير عون لنا. جاء من تلك العائلة خمسة أو ستة منهم وكان بينهم الابن الأكبر الذي أكمل الخدمة العسكرية الإلزامية ولديه معمل نجارة في منطقة السباع. اقترح ذلك الشاب بأنه سيعمل المستحيل للحصول على معلومة بخصوص ماذا حصل لي. غاب عن البيت ساعة ثم عاد وهو يقترح أن هناك منجماً اتصل به والذي يمكنه بقدراته الروحانية أن يعرف مكاني أو أين دفنت!! شكرته زوجتي على محاولته ولكنها في داخلها استهجنت اقتراحه.
أخبرتني زوجتي بأنها لن تنم تلك الليلة إلى الصباح وكانت تتطلع من شباك المطبخ المطل على الكراج خوفا من أن ترمى جثتي أمام الباب كما تكررت تلك الحالة مع أشخاص تم اختطافهم قبلي. وكانت ابنتي تسترق السمع لأية حركة تتخيل أنني عدت وأن كل ذلك هو قصة غير واقعية.
في صباح اليوم التالي، الخميس، جاء العديد من الأهل والأقارب والأصدقاء يدعمون ويواسون ويدعون الله على أن يفرج عني.
رن هاتف ابنتي وعلموا أن المتحدث يستخدم هاتفي النقال الشخصي فعلموا أن المتحدث هو أحد أفراد العصابة فدب الفزع بينهم والترقب لما قد يسمعوه من المجرمين. لم يجرؤ أحد على التحدث معه وتنقل الهاتف بين الأيدي كل يريد أن يتحدث الآخر بدلا عنه. تسلم الهاتف مرغما ابن أحد أصدقائي (وقد تم اختطافه هو بعد أسابيع ولله الحمد أطلق سراحه بعد معاناة مع الخاطفين). كان ذاك الشاب خائفا من التحدث مع مجرمين. قال له المتحدث اسمع أنا أبو درع (هكذا سمى نفسه) أتحدث معك، الدكتور معنا ويجب أن تهيئوا عشرة دفاتر (الدفتر يحوي مئة ورقة نقدية ذات المئة دولار فالدفتر الواحد يساوي عشرة ألاف دولار)، أي إن أبا درع يطلب مئة ألف دولار. ذكرت سابقاً بأن المجرمين كانوا قد طلبوا مني نصف مليون دولار. بعد أن تيقنوا من استحالة ذلك بدأوا يتعاملون على مئة ألف دولار. أراد الشاب أن ينهي المكالمة فقال له صار، بسيطة!! استبشر الجميع بأني كنت على قيد الحياة وأن الاختطاف كان بهدف المادة.
عرض على زوجتي بعض الأهل والأصدقاء المخلصين من داخل وخارج العراق أن يدفعوا من عندهم كل ما يطلبه المختطفون للإفراج عني، وهنا أردد ما قاله القائل:
وما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل
والآخر بقوله:
ولو أنني غربلت صحبي كلهم لم يبق لي منهم سوى الغربال
ولله الحمد كان لديّ إخوة قلة حققوا معنى الصداقة الحقيقي ولم ينفذوا من خلال الغربال!
المفاوضات بين الأهل والعصابة:
يبدو أن المفاوضات كانت مستمرة بين المختطفين والأهل. في مرة كانت زوجتي تجيب على إحدى المكالمات معهم ولخلقها العالي قالت لأبي درع: الله يساعدك أبو درع!! لأنها كانت تحاول ان تكلمه باحترام كي لا يغضب. وبعد المكالمة سألت نفسها الله يساعده على ماذا؟ هل على العمل الإجرامي الذي قام به ورسمت تلك الكلمات ابتسامة على وجه الجميع.
لم أكن على علم بأي من تلك الاتصالات الهاتفية ولكن عند اتصالي الهاتفي بالأهل حينما أخذوني إلى سطح البيت وأنا معصوب العينين تحدثت مع زوجتي لأبلغها بالمبلغ الذي كان في البيت. وخلال تلك المحادثات التي تم الاتفاق خلالها على المبلغ النهائي البالغ ستة وعشرون ألف وخمسمائة دولار تطوع أحد الأقارب أن يناور مع المختطفين ليقلل المبلغ ولم يسمح لأن يجيب أحد على الهاتف حينما يتصل المختطفون ما جعل الجو ملتهبا وطلبت منه زوجتي أن لا يسهم بالمحادثات بعد ذلك علما بأنه تصرف بدافع من حرصه ومن خلال خبرته في السوق. قال رئيس العصابة للأهل محذرا أن لا تفعلوا ما فعلته زوجة الطبيب الذي ذكرته سابقاً والذي يبدو أنهم هم الذين اختطفوه كذلك حينما لم يستجب الأهل لطلباتهم ما سبب له تأخيراً وتعذيبا وأخيرا حصلوا على المبلغ الذي قرروه سلفاً. وللأسف ما حدث بعد تلك المناورات أن هجم علي رئيس العصابة مع مجموعته محاولا قطع ابهام يدي كما ذكرت سابقا.
يبدو أن الأمور استقرت بين الأهل والمختطفين في يوم الجمعة وتم الاتفاق على طريقة تسليم المبلغ لهم. ولم يتصل المختطفون بهم بعد ذلك وحتّى يوم السبت الذي أفرجوا فيه عني.
سيارة الأجرة أمام البيت:
يقع بيتنا على الشارع العام الموصل بين شارع فلسطين والباب المعظم وهو شارع بمسارين. ذكر لي الأهل بأنه كان يقف تاكسي في الجانب الآخر مقابل باب بيتي لا يغادر وعين السائق متجهة نحو البيت. وكانوا واثقين بأن له علاقة بالعصابة ولكن لم يجرؤ أي من الأهل والأصحاب التقرب منه والاستفسار عن سبب وقوفه هناك. غادر ذلك التكسي المنطقة بعد الإفراج عني.
إيصال مبلغ الفدية إلى المختطفين:
تم الاتفاق بين العصابة والأهل واشترط أبو درع على زوجتي أن يكون المبلغ كاملا وبدون نقص وألا توجد بين الدولارات أية ورقة نقدية مزورة وأن يوضع المبلغ في كيس نفايات أسود وهددها تهديداً شديداً بعواقب وخيمة إذا ما حصل خلاف ذلك.
كانت هناك صعوبة كبيرة في الطلب من أي فرد من العائلة أو من كان في البيت معهم أن يقوم بذلك حيث إن مكان التسليم الذي اقترحه المختطفون كان في مكان ناء وخطر. باتوا في حيرة من أمرهم ولكن ذلك الشاب الذي كان أول من تحدث مع المختطفين، اقترح اسم صديق مشترك لي ولوالده وكان ذلك هو الصديق العزيز الدكتور عبد الهادي حشمت المفتي. وبالفعل جاء الدكتور عبد الهادي وكان قد آلمه اختطافي كثيرا وتطوع بتسليم المبلغ إلى العصابة. والدكتور عبد الهادي هذا هو الذي كان يقصده رئيس العصابة حينما طلب مني إيصال السلام له عند فك أسري.
الطريقة “الهوليوودية” !:
بعد أن تم التداول مع المختطفين وعرفوا من يكون الدكتور عبد الهادي المفتي اشترطوا عليه أن يلبس دشداشة (رداء) رصاصية اللون وبدون أي شيء عليها وأن يلبس نظارة شمسية ويأخذ معه هاتفه المحمول وألا يصاحبه أي أحد.
لم تكن هناك في بيتنا دشداشة فطلبنا من جيراننا ذلك ولم تكن عندهم سوى دشداشة بيضاء اللون. وبعد اتصالات وإقناع وافق العضو المسؤول عن عملية التسليم على الدشداشة البيضاء! أعطاه ذلك الشخص والذي كان على تواصل معه هاتفيا موقع تسليم المبلغ والذي كان في منطقة نائية في اقصى شرق بغداد بعد مدينة الثورة وهي تعتبر من المناطق الخطرة جدا.
يقول عبد الهادي أنه وهو يقود سيارته باتجاه الموقع المقرر كان من يدير عملية التسليم يتصل به هاتفيا بدون توقف ويقول له لماذا أبطأت؟ وما هي السيارة التي كانت بجانبك؟ كان ذلك وكأنه يتابع من سيارة خلفه مباشرة ولكن السيارات التي كانت خلفه لم تلحق به طول المسير بل كانت سيارات متعددة لأناس اعتياديين في الشارع! استمر ذلك الشخص بالتوجيه وإعطاء الملاحظات بكل دقة. يواصل الدكتور عبد الهادي قوله بأنه واثق أن هناك شبكة اتصالات معقدة يقوم بها عدة سائقين يتناوبون على متابعته ويتصلون بالمركز ويقوم العضو المنفذ بدوره بتوجيه ملاحظاته له.
وصل عبد الهادي في أواخر ساعات العصر إلى مكان ناء وأمره الموجِّه أن يوقف محرك السيارة وينتظر. بقي حوالي النصف ساعة هناك وكان يشاهد أناس سكارى ومن مستوى اجتماعي متدني فأصابه الرعب من احتمال الاعتداء عليه. تقدم أحد السكارى نحوه قائلا “عمي انت شعندك، ماذا تريد، هنا” أجابه بأنه ينتظر شخصا واعده في تلك المنطقة. رد عليه الرجل قائلا عمي انج بنفسك وغادر لأنك يمكن أن تسلب أو تقتل. أصابه القلق الشديد حيث لم يتصل به أي شخص من أفراد العصابة طول بقائه هناك ولم يكن بمقدوره أن يستفسر منهم عن تأخرهم. وفجأة اتصل به نفس ذلك الشخص فاشتكى الدكتور عبد الهادي من الحال الذي كان فيه وخوفه من الاعتداء عليه.
جاءه الأمر ان ينتقل إلى محل آخر وحسب التوصيف الدقيق الذي ذكره رجل العصابة توجه الدكتور إلى مكان ناء آخر مقفرا تماما. جاءه التوجيه بأن يقف في مكانه وينتظر، وهكذا كان. يقول عبد الهادي فجأة ظهر من خلف سيارتي شاب في حوالي العشرين من العمر ملثم الوجه وقال أين المبلغ؟ كان صوته وكأنه وضع منديلا أو شيئا آخر في فمه كي يتغير صوته في حال وجود آلة تسجيل تسجل صوته وإذا كان هناك تحقيق فيصعب التعرف على ذلك الشخص.
تم تسليم المبلغ وعاد الدكتور عبد الهادي المفتي بصعوبة إلى بيتي ليبشر الأهل بأن المبلغ قد وصل إلى العصابة والأمل كبير بالإفراج عني.
تحديد مكان البيت الإجرامي:
تكونت في ذهني صورة لموقع ذلك الوكر الإجرامي أي البيت الذي احتجزت فيه. تجمعت تلك المعلومات من احساسي بطبيعة الطريق الذي كانت تسير فيه السيارة عند دخولي وخروجي من ذلك البيت وحتّى وأنا معصوب العينين. وكذلك بوساطة سماعي أذان الفجر الصادر عبر مكبرات الصوت من أربعة جوامع حينما كنت هناك وأخيرا من طبيعة الشارع الذي تركوني فيه ليلا حيث كان جانبا منه مقفرا والجانب الاخر فيه بيوت مطلة على الشارع وكون الشارع بمسارين تفصلهما “جزيرة” وسطية. وأخيرا علمت من سائق التاكسي الأول أن المنطقة التي انطلقنا منها تدعى “أم المعالف”.
من تلك المعلومات ومن احساسي الدقيق والاستعانة بموقغ غوغل (Google) وبعد القيام بمسح كامل للخرائط العادية وعبر القمر الصناعي تمكنت من تحديد موقع ذلك البيت بما اقتنعت به وحسب الخرائط الآتية:
محطة تلفزيون سي بي أس ( 60 minutes CBS) الأمريكية:
تعتبر محطة سي بي أس من المحطات العالمية المهمة. ومن برامجها المهمة برنامج (60 دقيقة) المهم إعلاميا حيث تناقش فيه أحداث مهمة في السياسة وشؤون الحياة. يبدو أن اهتمامهم في تلك الحقبة من الزمن كان منصبا على العراق والتدهور الأمني فيه. تمت المقابلة ولم أعلم ماحدث بعد ذلك من بث المقابلة في ذلك البرنامج.
الإعلام
الإعلام العراقي
الإعلام العربي
الإعلام الغربي
بعد الاختطاف:
زارني في البيت المئات من الأقارب والأصدقاء والمحبين من كل فئات المجتمع. كان ذلك يثلج صدري وشكرت الله على نعمة طيب مشاعرهم ولكني كنت أخشى بأن يجلب هذا الإعلام الاجتماعي عواقب غير محمودة ومن الأفضل أن يبتعد الانسان عن الظهور العلني قدر الإمكان.
كنت بعد الاختطاف حينما أركب سيارة تاكسي أو مع أصدقاء في سيارتهم وتكون بجنبنا سيارة أخرى تقترب من سيارتنا أقلق من احتمال تجدد الهجوم علينا.
العرض الذي قدمه أحد الزوار:
زارني أحد المعارف وبصحبته سيد يعتم بعمامة سوداء ليباركوا على نجاتي من الاختطاف. علمت بأن السيد كان يحمل شهادة الدكتوراه في الرياضة ولكنه ترك ذلك المسلك واستبدله بمسلك العمامة. عرض علي السيد أن يجلب لي عشرة حراس مسلحين يقفون في باب بيتي وهو يدفع رواتبهم وحتّى “استكان” الشاي يوفره هو لهم. أصر على أن أوافق حرصا على سلامتي وسلامة عائلتي. لكني وبطريقة هادئة رفضت طلبه قائلا إن الله هو الحافظ لأني كنت واثقا أن وجود هؤلاء الحراس يكون دعوة صارخة للتحدي والهجوم عليّ ممن يتقصدوا ذلك وربما من الحرس أنفسهم.
وطرق سمعي بعد حوالي الأسبوعين بأن ذلك السيد الذي تفضل بعرضه لتأمين سلامتي قد اغتيل وهو محاط بحراسه الكثر. ترحمت عليه وشكرت الله إني لم أقبل عرضه.
قصص اختطاف أخرى في تلك الفترة:
في تلك المدة كانت ظاهرة الاختطاف متفشية تستهدف الأطباء بالدرجة الأولى. بدأت بأبنائهم فقد اختطف نجل الدكتور خليفة الشرجي ومن ثم نجل الدكتور شوقي يوسف. بعد ذلك بدأت الحملة الشرسة ضد الأطباء فكان ممن شملهم ذلك العمل الإجرامي من قياديي الطب: جواد الشكرجي، وليد الخيال، راجح الكعبي، عبد الزهرة كزار، مظفر كركجي، ريسان الفياض، معد مدحت، ثامر حمدان وآخرين ما سبب الذعر والخوف بين الجميع في الحفاظ على حياتهم وعلى المجتمع الذي سيدفع ثمن حرمانه من تلك الطاقات والكفاءات بين مهاجر ومقتول. ويجب أن أذكر هنا بأن عددا من الأطباء والاكاديميين قد غادروا العراق بعد شيوع حادث اختطافي الذي حدث مبكرا في سلسلة الاختطافات.
الشاعر داود الرحماني:
فاضت قريحة الأخ والصديق الشاعر داود الرحماني، الذي يعتبره البعض “خليفة عبود الكرخي”، بقصيدة بعد الخلاص من الاختطاف وشرفني في بيتي وألقاها بحضور جمع من الإخوة المهنئين. كان عنوان قصيدته “يهادي”
يَهادي الخليلي… يَهادي الطريق يَهادي النفيس و يَهادي الطب
يَحالِم.. يَسالِم.. يَعالِم دَقيق يَدافي.. يَشافي.. ويَصافي النبِع
لَطيف وظريف وحَصيف وعميق عفيف ونظيف وشريف وورع
تِهِم للغريب وتِهِم للصديق وعلى الكمبيوتر مُبرمج وَلِع
كَريم وحَميم وهَميم وشفيع سَليل الأكابر.. أصيل الفرع
صفيق!
جَليس وأنيس وبديع ووديع وُمِنَّك يَهادي.. فلا يِنشِبِع
تِهِم للغريب وتِهِم للصديق يَكلَّك مآثر.. يَكلك نفع
صِدِك ؟وانتَ ماشي يخطفك لَئيم وزَنيم وسقيم وجشِع
صفيق!
عَجيبه! الذئاب العويهه.. نَهيق يجيها الزمان اتِّحدّى السَبِع
أكيد الغزال الرشيق السـريع تحكمه الطبيعه مَيلبس درع
وَكيد السِهام اليهدهه.. الوضيع تِخِرقه بسهوله وتكسـرِ الضِلِع
فِعِلهُم مِثِلهُم شنيع وفضيع ايتناسه الضمير ويتَيه الشَرِع
وَكيد المُنَفِّذ مُدرَّب رفيق وَكيد المُخطط ربيب الفرِع
صِدامي وحرامي.. مَجرَب عَريق غثيث وخبيث وخنيث وضبع
وِذا هالطناطل تِهيج الحريق تِظِل السنابل تِغذي الضَرِع
وتظل انت شاري وَبَد ما تبيع تِشافي وتعافي ولا تِنكِطع
غمامه وتعَدّي ويِعود الربيع وتعود الجدأول تِروّي الزرع
إلاهك يَهادي.. بصير وسميع حفيظ ويحفظَك.. وَلا نِنفِجِع
وتِظِل انت ذاك الرقيق الأنيق وسيم وحَليم.. وحَكيم الرَبع
الكتاب الصادر من جامعة تمبل في فيلادلفيا 2007
ذكرت سابقا تحت عنوان الكتب المؤلفة الكتاب الذي أصدرته جامعة تمبل في فيلادلقيا ومن قسم التاريخ فيها موضوعه “كيف ينظر الآخرون لنا ” (WHAT THEY THINK OF US) . في الكتاب سبعة فصول كان الفصل الأول منها ما كتبته مع الدكتور إبراهيم المرعشي العراقي الأصل وكان حادث اختطافي محور موضوع الفصل.
الفنان الرائد سعدي الكعبي:
حضر متفضلا صديقي الرسام المتميز الأستاذ سعدي الكعبي إلى بيتي في أيام الاختطاف ليهدئ من روع الأهل. وبعد الاختطاف جاء ليبارك بالحرية ومعه لوحة فنية رائعة رسمها ومثل فيها حياتنا قبل وبعد الاختطاف واعطاها اسم شموخ الروح.
اللوحة مرسومة بالزيت على الخشب. تمثل في القسم العلوي منها الحياة الهادئة لإمرأة ورجل وبجنبهما الهلال والنجمة اللذان يمثلان التراث والخلق والقيم. تبدو في القسم الأسفل الروح وهي منتصبة بالرغم من الطعن من كل الاتجاهات وقد تدحرج الهلال رمزا لتدهور وانحطاط القيم والابتعاد عن التراث والأخلاق ولكن بقيت الروح شامخة والوسام على الصدر لم يسقط.
عرض اللوحة في واشنطن:
أقامت مجموعة من المؤسسات الثقافية في واشنطن عام ٢٠١١ معرضاً فنياً في الذكرى العاشرة لاعتداء الحادي عشر من أيلول عام ٢٠٠١، وساهمت فيه مجموعة من الفنانين من أغلب دول العالم. شارك العراق بلوحة واحدة في هذا المعرض وهي لوحة اختطافي. حضر الافتتاح الأستاذ سعدي الكعبي الذي يسكن في ولاية كاليفورنيا بدعوة من منظمي المؤتمر.